معرض المصور السعودي الراحل بكري القرني.. الحاضر الغائب بـ 150 لوحة

حلم بتنظيمه منذ عامين وخطفه الموت قبل تحقيق حلمه

صورة لخادم الحرمين الشريفين خلال زيارته لأحد المراكز التجارية في مكة المكرمة
TT

بين أروقة قاعة هيلتون جدة التي تحتضن فعاليات منتدى جدة التجاري، تتجول روح المصور الراحل بكري القرني من خلال 150 لوحة التقطتها عدسة كاميرته على مدى 7 سنوات عمل فيها في صحيفة «المدينة»، ليثبت أمام الكل أنه ذلك الحاضر الغائب الذي من الصعب على من عرفه أن ينساه.

بكري القرني، ابن الـ34 ربيعا، اختطفه الموت فجأة قبل نحو 5 أشهر فجر يوم كان حاضرا قبله لمنتدى خديجة بنت خويلد في دورته الثانية، حيث نشرت صحيفته صور المنتدى التي التقطتها عدسته في نفس اليوم الذي توفي فيه، لتسبق حتى نشر خبر وفاته وصفحات نعيه.

معرض «إبداعات فوتوغرافي» كان حلما يراود الفقيد منذ نحو عامين حينما فكر بإقامة معرض خاص به يفتتحه الدكتور عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام. إلا أن بكري توفي قبل أن يحقق حلمه، مما دفع بزملائه بعد وفاته إلى تلبية رغبة زميلهم. غير أن المفارقة العجيبة تمثلت في أن موعد المعرض الأساسي تأجل أيضا لمدة شهرين كونه تزامن مع كارثة جدة الثانية.

بجوار لوحات الفقيد، يجلس 4 من أشقاء الراحل بكري القرني في مشهد أعاد إلى الأذهان صفوف العزاء، وهو ما جعل زوار المعرض يعاودون تبادل عبارات المواساة والدعاء بالرحمة عليه، وسط هدوء تخترقه همسات خفيفة تؤكد مدى إبداع الفقيد في التقاط الصور.

وبحسب ما ذكره لـ«الشرق الأوسط» عدنان الشقيق الأكبر للراحل، فإن بكري كان من هواة التصوير منذ سنوات عمره الأولى خلال المرحلة الابتدائية من تعليمه، إذ كان حريصا جدا على حمل كاميرته في الرحلات العائلية، خصوصا أنه يهوى التقاط المواقف الطريفة لأفراد عائلته.

وأضاف: «التحق أخي الراحل بدورة تأهيلية في التصوير الفوتوغرافي التي نظمها مركز التدريب المهني بمحافظة جدة لمدة عامين وذلك قبل نحو 12 عاما، ومن ثم التحق بصحيفة (المدينة) عام 2001 كمصور فوتوغرافي قرابة 7 أعوام ليخطفه الموت وهو على رأس العمل»، لافتا إلى أن الفقيد تزوج قبل نحو 6 أشهر قضى منها ما يقارب 4 أشهر مع زوجته قبل موته.

وأشار إلى أن المعرض الحالي تم تنظيمه بالكامل من قبل زملاء الفقيد الذين يعملون معه في نفس الصحيفة، وذلك من أجل تحقيق رغبة زميلهم، مبينا أن لهم دورا كبيرا وفعالا في التجهيز له، خصوصا أنهم عرضوا لوحاته للبيع بهدف تحقيق عائد مادي يعود لوالدته وزوجته التي تنتظر وضع مولودها البكر خلال الشهور الثلاثة المقبلة.

بينما بدأ متعب شقيق الراحل الأصغر حديثه لـ«الشرق الأوسط» بتأكيدات على أن وفاة شقيقهم كانت بشكل مفاجئ، دون أن ينسى ذكر الله عز وجل وحمده على كل حال، مشيرا إلى أن الفقيد كان بمثابة والد له بعد وفاة والدهم منذ سنوات كثيرة.

واستطرد في القول: «تناولت مع بكري آخر وجبة عشاء له في المنزل، وودعني من أجل خروجه مع زوجته في نزهة كونه ما زال عريسا في ذلك الوقت، إلا أنني فوجئت بخبر وفاته في ساعات الفجر الأولى لليوم الثاني».

وذكر أن بكري كان ينتظر مولوده البكر الذي اتفق على تسميته «عوض» ليحمل اسم والدهم الراحل، مفيدا في الوقت نفسه بأنه تبقى له بعد وفاة الفقيد 5 أشقاء و4 شقيقات إلى جانب والدتهم.

بينما أوضح حسن الصبحي مدير التحرير للشؤون الاقتصادية في صحيفة «المدينة» أن أسعار لوحات الفقيد تم تحديدها من قبل زملائه، وذلك بهدف تحقيق عائد مادي يعود إلى زوجته التي تنتظر مولودها الأول، معتبرا أن تلك الأسعار تعد أقل من أي سعر للوحات أخرى تباع في المجال نفسه.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تم تثبيت قائمة الأسعار التي تتمثل في 1500 ريال لكل لوحة، خصوصا أن ذلك المعرض يعتبر عملا خيريا نقوم به وليس ربحيا»، مبينا أن أول أيام منتدى جدة التجاري شهد بيع نحو 9 لوحات للراحل.

ولفت إلى أن معرض «إبداعات فوتوغرافي» تم افتتاحه من قبل الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة عن طريق الجناح المخصص لصحيفة «المدينة» في المنتدى، حيث إنه بارك افتتاحه ودعمه بشكل قوي. مضيفا: «تحدث الأمير عن المعرض بأريحية ليبدي إعجابه بالصورة التي جمعته مع الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة كان قد التقطها زميلنا الراحل في منزل أمير المنطقة».

وفيما يتعلق بطريقة اختيار لوحات الراحل بكري القرني للمشاركة بها في المعرض، أفاد بأن اختيارها جاء تلقائيا، إلا أنه تم التركيز على المناسبات الوطنية والإنسانية، والتي من ضمنها صورة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أثناء زيارته لمكة المكرمة، حيث كان يتناول فيها خبز «التميز»، ليبدع الفقيد في التقاط المشهد وتوثيقه بعدسة كاميرته.

وزاد: «يحوي المعرض أيضا مجموعة من الصور التقطها بكري بمجهوداته الفردية لجوانب فنية كثيرة، إلى جانب صورة جسر الجمرات بعد اكتمال بنائه بالكامل ليصوره من على متن طائرة عمودية وهو ممتلئ تماما بالحجيج»، مؤكدا أن الفقيد كان عنصرا أساسيا في مواسم الحج بالنسبة للعمل الصحافي هناك على مدار السنوات الـ7 التي عمل بها.

وبين مدير التحرير للشؤون الاقتصادية في صحيفة «المدينة» أن معرض الراحل بكري القرني لن يقتصر على منتدى جدة التجاري فحسب، وإنما سيتم التنقل به خلال الأشهر الـ7 المقبلة بين أروقة المجمعات التجارية في جدة، خصوصا أنه تم الانتهاء من التنسيق مع 3 مجمعات كبرى بجدة.

الكثير من العبارات أطلقها زملاء الراحل بكري القرني بعد وفاته، دونوا بعضها في كتيب تم توزيعه على مرتادي المعرض، إلى جانب مفردات أخرى كانت مفاد أحاديث جانبية فيما بينهم على هامش «إبداعات» الفوتوغرافي.

«ذكراك خالدة يا بكري» عبارة وثقها محمد بن علي ثفيد المدير العام لمؤسسة «المدينة للصحافة والطباعة والنشر» في الكتيب، والتي أكد خلالها على أن تلك الذكرى امتزج فيها الخلق والعمل والتميز، مضيفا: «حسبنا أن ذلك ما خلده زميلنا الأخ المصور الصحافي بكري القرني، عليه من الله شآبيب الرحمة والمغفرة، فها هي إبداعاته الفوتوغرافية يتوشح بها المعرض الذي تقيمه المؤسسة كلمسة وفاء لزميل رحل وما زال فينا يعيش».

بينما وجه حسن الصبحي من خلال الكتيب نداء حمل عنوان «بكري.. تحققت أمنيتك»، استرجع فيه إحدى ذكرياته مع الراحل أثناء تأدية عملهم لتغطية موسم الحج من مكة المكرمة.

وقال: «في ذات مساء ونحن نمتطي صهوة دراجتنا النارية، نخترق جموع الحجيج في مشعر منى بموسم حج 1431هـ، وفي لحظات عبر لي زميلي (بكري) عن أمنيته في أن ينظم معرضا للصور التي التقطتها كاميرته طوال السنوات الماضية، وقال بالحرف الواحد (يا أبا فيصل.. أتمنى أن أقيم معرضا كبيرا بعد الحج). ولكن القدر كان محتوما ومحددا لك أن تودعنا يا بكري قبل أن تشاهد أمنيتك وهي تتحقق».

عبد الله الشمراني، أحد محرري صحيفة «المدينة» وزميل الراحل، أشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن بكري كان مرافقا له خلال موسم الحج، حيث كان يحكي له تفاصيل حياته، مبينا أنه التقى به عبر الـ«ماسنجر» قبل وفاته بنحو 3 أيام ليتحدث معه قرابة ساعتين حول تحد معين بينهما، غير أنه فجع بخبر وفاته بعدها.

من جهته، أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور فهد آل عقران رئيس تحرير صحيفة «المدينة» أن الإدارة ستستمر في صرف رواتب الراحل بكري القرني لمدة عامين، مشيرا إلى أن المعرض المقام حاليا والذي قام على تنظيمه فريق عمل مكون من 7 أفراد سيكون بمثابة عائد مادي لعائلة الفقيد أيضا.

وأضاف «استغرق منا تنظيم المعرض قرابة شهرين، إذ أنه كان من المزمع إطلاقه في مكان آخر ليفتتحه وزير الثقافة والإعلام السعودي، غير أن أحداث كارثة جدة الثانية دفعت بنا إلى تأجيله». موضحا أن الراحل كان حريصا جدا على عمله بدليل متابعته لوصول الصور المتعلقة بمنتدى خديجة بنت خويلد حتى الساعة الثانية من منتصف ليلة وفاته، لتحين منيته بعد ساعات قليلة من ذلك.

يشار إلى أن معرض «إبداعات فوتوغرافي» للراحل بكري القرني، الذي افتتح أعماله الاثنين الماضي، على هامش فعاليات منتدى جدة التجاري، استمر لمدة 3 أيام متتالية في فندق هيلتون جدة.