نجمات مضيئات.. تركن بصماتهن على مهرجان «كان»

ممثلات معروفات أو مبتدئات ساعيات إلى الشهرة أو حتى فقاعات موقوتة

TT

منذ بداياته، وبالتحديد منذ تجاوزه محنة الحرب العالمية الثانية وتمركزه في واحدة من أجمل بقاع الشاطئ اللازوردي، جنوب فرنسا، بنى مهرجان «كان» السينمائي الدولي شهرته على الظهور الساطع للممثلات الحسناوات اللواتي كن يلقين بشيء من أضوائهن على سجادته الحمراء الشهيرة وهن يرتقين الدرجات الأربع والعشرين لقصر المهرجان.

وحيثما تكون النجوم يكون «البابارازي»، أي أُولئك الرجال الذين يحملون الكاميرات ذات العدسات المقربة، قاطعين جادة «الكروازيت» بالطول وبالعرض، عدة مرات في اليوم، سعيا وراء لقطة تتخاطفها المجلات الفنية. لكن الصور المثيرة قد لا تكون، بالضرورة، ملتقطة من داخل أروقة المهرجان بل على الرمال الدافئة للشاطئ حيث تستلقي شابات مبتدئات يحلمن بالعمل في السينما ويسعين للفت أنظار المنتجين والمخرجين من خلال الظهور بملابس السباحة المختصرة ذات القطعتين، أو باختزال قطعة منها، أحيانا.

في بداياته، كان المهرجان يراهن على حسناوات إيطاليا، وأبرزهن، آنذاك، جينا لولو بريجيدا وصوفيا لورين. لقد ذهبت صوفيا إلى المهرجان الفرنسي عام 1954 ولم يكن مشوارها في السينما يزيد على أربع سنوات. لكن الحسناء الإيطالية كانت قد صورت في ذلك العام وحده أربعة أفلام، منها «ابنة النهر». وهي قد ظهرت مرتدية فستانا غاية في الأناقة، بقبة بيضاء وأزرار بيضاء، لا يكشف عن صدرها لكنه يشد خصرها النحيل بشكل مذهل. لقد كان لصوفيا وقع القنبلة في «كان»، وصارت، منذ تلك السنة، من الضيوف الذين يترقبهم الجمهور والصحافة ويهلل لقدومهم.

وفي عام 1961 هبطت جينا لولو بريجيدا على «كان» في زيارة خاطفة وهي ترتدي قبعة صيفية بيضاء وتقف في سيارة مكشوفة، مثل الزعماء والملوك، لتحية المعجبين وإهداء توقيعاتها لهم. لقد كانت جينا في قمة مجدها الفني بعد أن سحرت الفرنسيين بفيلم «فانفان لا توليب». لذلك هجم المعجبون والمصورون على سيارتها ومنعوها من التحرك وكادوا يرفعونها بالأيدي. لكن جينا لم تكن السمراء الإيطالية الساخنة الوحيدة في دورة عام 1961 بل قاسمتها الأضواء مواطنتها اليافعة، آنذاك، كلوديا كاردينالي، الحسناء المولودة في تونس وجاءت إلى السينما بعد أن لاحظها منتج شاطر في مسابقة لملكات الجمال وجعل منها بطلة من بطلات المخرج فيسكونتي. كانت كلوديا قد انتهت من تصوير «روكو وإخوته» وتستعد للوقوف أمام الكاميرا لتصوير دورها الأبرز في فيلم «الفهد». وهي قد لفتت الأنظار في «كان» بقوامها الممشوق وبابتسامتها وبشاشتها بحيث كتبت عنها الصحافة أنها صاحبة أحمل ابتسامة في المهرجان.

إن الأضواء لا تتركز، دائما، على النساء ذوات المفاتن البارزة أو الشابات الرشيقات، ففي دورة عام 1953 خطفت الأضواء طفلة ذات شعر أشقر طويل لم تتجاوز عامها العاشر، كانت تلهو على رمال الشاطئ برفش وسطل من البلاستيك. إنها بريجيت فوسيه، الصغيرة التي أدت دورا في فيلم «ألعاب ممنوعة»، رائعة المخرج الفرنسي رينيه كليمان. وحقق الفيلم نجاحا عند عرضه في المهرجان وواصلت بريجيت، بعد ذلك، عملها في السينما لتصبح من أبرز الممثلات الفرنسيات وما زالت تظهر في المناسبات الفنية، بين الحين والآخر، حتى اليوم. لكن الممثلة التي خطفت كل الألباب في «كان»، جاءت عام 1955 وكان اسمها بريجيت، أيضا: بريجيت باردو. ولم تكن تلك الصبية ذات الفم المكتنز نجمة معروفة، بل صاحبة دور وحيد ستصوره في السنة التالية مع المخرج روجيه فاديم في فيلم يحمل عنوان «وخلق الله المرأة». إنه الدور الذي «خلقها» رمزا للجاذبية، وجعل منها من المواظبين على حضور مهرجان «كان»، قبل أن يأخذها طبعها الخاص بعيدا عن الأماكن المكتظة.

ما زالت ذاكرة المهرجان تحتفظ بواحدة من أجمل قصص الحب التي كان الشاطئ اللازوردي مسرحا لها، تلك هي وقوع أمير موناكو في غرام الممثلة الأميركية غريس كيلي وزواجه منها. لقد جاءت النجمة التي صارت، فيما بعد، تعرف بلقب «أميرة موناكو» إلى «كان» عام 1955 لتصوير فيلم «اليد على الطوق» للمخرج ألفريد هتشكوك. ثم عادت إلى الولايات المتحدة وفي إصبعها خاتم خطوبة وفي السنة التالية تم الزواج، وارتدت النجمة فستان عرس شبيه إلى حد كبير بالفستان الكلاسيكي الذي ارتدته عروس ثانية، أصبحت أميرة أيضا منذ أُسبوعين، هي كاثرين قرينة الأمير البريطاني ويليام. وفي دورة عام 1955 حضرت إلى «كان» ممثلة إيطالية لم تكن معروفة بشكل واسع، اسمها جيلييتا ماسينا، ولعل لقبها الأهم لدى الفرنسيين هو «مدام فيدريكو فيلليني». أما مناسبة الحضور فلتقديم فيلم من بطولتها وإخراج زوجها بعنوان «بدون». وعادت جيلييتا بعد عامين إلى المهرجان لتنال جائزة أفضل ممثلة عن دورها في «ليالي كابيريا» لفلليني، أيضا.

متى ظهرت إليزابيث تايلور على السجادة الحمراء للمهرجان للمرة الأُولى؟ كان ذلك عام 1957 لتقديم فيلمها «شجرة الحياة» مع زميلها الممثل الأميركي مونتغمري كليفت. لقد كانت ليز نحيفة في تلك الفترة المبكرة من حياتها، حين كانت في ربيعها الخامس والعشرين، وقد استقطبت الاهتمام كله بعينيها البنفسجيتين وأناقتها التي لم تكتمل بدون تاج غرسته في شعرها الفاحم. وبعد نصف قرن من تلك المشاركة الأُولى أصبحت ليز من الوجوه المألوفة في «كان» وراعية العشاء الخيري الكبير الذي يقام لجمع التبرعات لمؤسسة تعنى بالبحث عن علاج لمرض «الإيدز». وعلى الرغم من رحيلها عن الدنيا مؤخرا، فإن ليز ستكون حاضرة في كل الأذهان، في الدورة الحالية، وسيكون غيابها هو الأكثر صخبا.

وشهدت دورة عام 1959 حضور ممثلة فرنسية أُخرى صار اسمها لصيقا بـ«كان» في كافة دوراته التالية. إنها جان مورو التي تقول عن المهرجان إنه «سوق المدهشات ولهذا أعشق التردد عليه». ومع دورها الجريء في فيلم «علاقات خطرة» أشاعت جان مورو في أجواء المدينة الساحلية المتفتحة ذلك العطر الملعون للمواضيع الخارجة على القيم السائدة المحترمة. وفي فترة لاحقة، أصبحت مورو أول ممثلة ترأس، مرتين، لجنة تحكيم مهرجان «كان». وفي تلك الدورة نفسها وصلت إلى المهرجان ممثلة فرنسية أكثر تحفظا، ترتدي بدلة محتشمة وتغطي شعرها بمنديل وتتأبط ذراع المغني والممثل إيف مونتان، زوجها. إنها سيمون سينيوريه التي أصبحت، بعد ذلك، من العلامات الفارقة في السينما الفرنسية. وكانت سيمون، آنذاك، قد انتهت من تصوير فيلم «ساحرات سالم» أمام زوجها، وفي العام التالي حققت ضربة لم تسبقها إليها أي من زميلاتها الفرنسيات عندما نالت «الأوسكار» عن فيلم «دروب المدينة العليا». ومنذ ذلك الفوز صار تردد الممثلة على مهرجان «كان» قليلا. والحقيقة أن دورة 1959 كانت حافلة بالوجوه الواعدة، فقد حلت على الشاطئ الجميل ممثلة من أُصول نمساوية تدعى رومي شنايدر، وكانت محبوبة الجماهير بعد أن أدت دور البطولة في سلسلة أفلام «الملكة سيسي». وجاءت رومي بصحبة النجم الوسيم ألان ديلون، الذي ربطتها به قصة حب شهيرة، ونزل الاثنان في جزيرة قريبة من سواحل «كان» وتلاعبت بمشاعر المصورين وتمازحت معهم بقبعاتها الكبيرة الملونة من القش. ولم «تتكبر» الممثلة على الجمهور الذي أحاط بها في كل مكان وكانت لطيفة ومرحة وجديرة بلقب محبوبة الجماهير.

في عام 1958 وصلت الأميركية جين مانسفيلد إلى المهرجان الفرنسي مثل بارجة شقراء مدمرة، يتقدمها مدفعاها والكلب الصغير الذي لا يفارق أحضانها. وكانت نجمة الإغراء تخفي عينيها من الشمس وراء نظارتين على شكل فراشتين سوداوين. ولمزيد من لفت النظر في إحدى الحفلات الساهرة، تعمدت أن تدع حمالة فستانها تتهدل لكي ترفع منسوب التوتر في صفوف المصورين. ومن الخامة نفسها، تركت ممثلة أميركية أُخرى بصمتها الشقراء على المهرجان وهي شارون ستون. لقد ذهبت إلى «كان» عام 1995 بعد ثلاث سنوات من دورها الفضائحي في فيلم «غريزة أساسية». إنها مدعوة لا كممثلة فحسب بل كمنتجة أيضا لفيلم «موت أو حياة»، وقد عرفت كيف تدير كل الرؤوس بجمالها وثيابها الطويلة الأجمل و... الأجرأ.

ولم تتوقف عدسات المصورين عند ممثلة واحدة أو اثنتين. إن المهرجان يغذي «ثقافة الفضيحة». ومن أبرز تلك المشاهد حضور الممثلة السويدية أنيتا آكبرغ عام 1960 لتقديم فيلمها «دولتشي فيتا» أمام النجم اللذيذ مارشيلو ماستروياني. لقد عرف فيلليني كيف يجعل من عارضة الأزياء السابقة الممتلئة نجمة لفيلم دخل تاريخ السينما من خلال مشهد وحيد يجمع البطلين في مياه نافورة شهيرة في روما. إنه مشهد لا يغيب عن دفاتر عشاق الفن السابع. وما بين أنيتا وشارون ستون، ما زال أصحاب الذاكرة القوية يستعيدون صورة الممثلة سيلفيا كريستيل، بطلة فيلم «إيمانويل»، يوم ذهبت إلى المهرجان عام 1974 تسبقها شهرة الفيلم الملعون الذي أخرجه جوست جايكان. ورغم أن سيلفيا ظهرت في أدوار أكثر ثقلا ومع مخرجين من أمثال كلود شابرول وألان روب غرييه، فإنها لم ترعو وظلت تحن إلى «إيمانويل» وعادت، عام 1992 لتصوير الجزء السابع منه. وقبل عام من هذا التاريخ، أي في 1991، اهتزت أركان المدينة الساحلية الفاتنة وهي تستقبل المغنية مادونا لتقديم فيلم وثائقي يتحدث عنها بعنوان «في الفراش مع مادونا». ولاستكمال العدة المناسبة لمثل هذا النوع من الأفلام، ظهرت المغنية الأميركية في حفل الافتتاح وهي ترتدي صدرية بيضاء صاروخية من تصميم جان بول غوتييه. وعلى غرار رؤساء الولايات المتحدة، كانت مادونا تنزل، كل صباح، لممارسة ساعة من الهرولة على رمال الشاطئ، يلاحقها فيها عشرات المصورين وهم يلهثون تحت ثقل حقائب الكاميرات والعدسات المقربة.

لم تكن كل النجمات اللواتي تركن بصماتهن على المهرجان من نوع شارون ومادونا. ففي عام 1986 جاءت ممثلة سوداء لم تكن معروفة على نطاق واسع، تدعى ووبي غولدبيرغ، وقلبت كل التكهنات بعد أن شاهدها الجمهور في فيلم «اللون القرمزي» للمخرج ستيفن شبيلبرغ. كان فيلما مؤثرا عن ظروف العيش القاسية للسود في أميركا. ولم تقف ووبي عند حدود ذلك الدور بل عادت في سنوات لاحقة مع دور كوميدي ساحر في «سيستر آكت» تظهر فيه في زي راهبة تعشق الموسيقى.

في السنوات التالية تركزت الأنظار على جيل جديد، أو كان جديدا، من الممثلات الفرنسيات، مثيلات إيزابيل أدجاني وصوفي مارسو. لقد غابت أدجاني لفترة، بعد عدة أدوار لافتة على شاشات «كان»، قبل أن تعود إلى المهرجان رئيسة للجنة تحكيم الدورة الخمسين. أما صوفي التي برزت في أول أدوارها «الحفلة» وهي بعد مراهقة، فما زالت من الضيفات المدمنات على «كان» حتى بعد أن كبرت وتزوجت وصارت أُما.