«غوغل» يفاجئ متصفحي موقعه ويحتفي بذكرى ميلاد ابن خلدون

وضع لمؤسس علم الاجتماع رسما على واجهة زارها الملايين

صفحة محرك البحث «غوغل»
TT

لطالما قيل ولا يزال يقال حتى الآن إن العرب لا يكادون يتنبهون إلى مكانة رموزهم العلمية والأدبية والفكرية التي كان لها دور في إثراء مختلف العلوم والمعارف، قبل أن يهتم بهم هناك في الغرب أو في الشرق الأقصى قبل ذلك.

فـ«غوغل» الأميركية، صاحبة أشهر مواقع البحث الإلكتروني، في إطار تفاعلها مع ما في العالم من أحداث، احتفت، منذ أيام، بالذكرى الـ679 لميلاد الفلكي والمؤرخ والفقيه، والدبلوماسي والفيلسوف عبد الرحمن بن خلدون.

كانت لابن خلدون فلسفة خاصة نتجت عن كثرة اطلاعه على أخبار البلدان التي جالها؛ فهو، علاوة على كل الصفات العلمية التي يحملها، رحَّالة طاف الأندلس والمغرب العربي ومصر والحجاز، وبنى على تلك الفلسفة أكثر إنتاجه الفكري لاحقا؛ إذ كان ضمن السلالة الزيتونية العريقة، ومن تجربته الحياتية استقى أفكاره ونظرياته في علم الاجتماع والتاريخ، وعمل على التجديد في طريقة عرضهما.

وفي وجهة نظره كمؤرخ، رأى ابن خلدون أن رواة التاريخ قبله كانوا يعمدون إلى خلط الخرافات بالأحداث من دون تفرقة بينهما، هذا بالإضافة إلى تفسيرهم التاريخ استنادا إلى التنجيم والوثنيات، فاختصر ذلك كله عند تعريفه إياه بقوله: «التاريخ في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها»، وذلك لأن التاريخ «هو خبر عن المجتمع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة هذا العمران من الأحوال». وابن خلدون هو أول من قدم التاريخ لا دينيا، كما يذكر الكتاب الغربيون عنه.

لم تنحصر نظرة ابن خلدون التجديدية في التاريخ؛ فقد كتب في الفلسفة والاقتصاد، وعلى الرغم من أنه يرفض تدخل الدولة في الإنتاج والتجارة، لما فيه من ضرر على اقتصادها، فإن ذلك لم يمنع فلاديمير لينين، قائد الثورة البلشفية في روسيا وأول رئيس للاتحاد السوفياتي، للتعجب من ابن خلدون والتساؤل إن كان ثمة في الشرق مثله من الفلاسفة، على حد وصفه.

ولابن خلدون اجتهادات فقهية؛ فقد اعترض على آراء عدد من العلماء السابقين، إلا أنه كان أمينا، سواء في عرضه لهذه الآراء والمقولات أو نقده لها، وكان يرجع آراءهم غير الصحيحة في بعض الأمور نظرا لجهلهم بطبائع العمران وسُنة التحول وعادات الأمم، وقواعد السياسة وأصول المقايسة.

عندما كان ابن خلدون يقول عن أحداث التاريخ إنها «لا تحدث بمحض الصدفة أو بسبب قوى خارجية مجهولة، بل هي نتيجة عوامل كامنة داخل المجتمعات الإنسانية» وجدت لدى العالم الموسوعي أقصى درجات التجديد، وذلك عندما تأسس بين أنامله وبحبره فقط ما سماه علم العمران البشري وسمي لاحقا «علم الاجتماع».

وُلد عبد الرحمن بن خلدون، ذو الأصول الحضرمية، بتونس في 27 مايو (أيار) 1332م، الذي وافق غرة شهر رمضان المبارك من عام 732هـ، وذلك في عهد أبي يحيى أبي بكر الحفصي ضمن السلالة البربرية التي حكمت بين طرابلس والجزائر بين عامي 1229 و1574م.

كان لوقوع ابن خلدون في تلك الحقبة من التاريخ أثر في تكوينه الفكري؛ إذ شهدت إخضاع الأعراب، في ذلك الوقت، إلى سلطة الدولة مقابل خضوع سلطان الملك نفسه للمرينيين، حكام المغرب، كما شهدت لاحقا ثورة شقيق الملك التالي على أخيه وإجباره على الخروج من العاصمة ومن ثم عودة الملك بعد أسبوع ليخمد الثورة ويقتل قائدها. ولم تهدأ الأمور في بلاده التي هاجمها المرينيون وقتلوا ملكها، وما لبث الملك التالي فترة في الحكم حتى عُزل، وجاءت سيطرة الحاجب على الملك التالي إبراهيم بن أبي بكر الذي تولى الحكم قاصرا، ثم ما كبر حتى حصل تمرد بالجنوب التونسي.

استمرت الاضطرابات في تلك الدويلة التي عاش ابن خلدون فيها وأثرت في إنتاجه الفكري الذي برز في وقوفه معلما وملقيا في قاعات جوامع الزيتونة – التي يعتبر من سلالتها وخريجيها - والأزهر وجامعة القرويين، وهي المؤسسات العلمية التي تعتبر الأقدم والأشهر في حينه.

وكذلك في مؤلفاته، ومنها كتاب «العبر وديوان المبتدأ والخبر» ذو الـ7 مجلدات، الذي بدأه بالمقدمة الشهيرة، وهي التي شهدت أسفارها تلك النقلات العلمية في العلوم الإنسانية المختلفة، في إطار بحثه عن كينونة «العمران البشري»، كما يطلق عليه.

ينكأ احتفاء الموقع البحثي، الذي تجرى عليه مئات الملايين من عمليات البحث يوميا، الجرح أمام العرب والمسلمين، الذين يتجاهلون ما يقدمه رموزهم ومبدعوهم حتى هذه الأيام، فنظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني، عالم البلاغة والأسلوبية، لم تعرفها كتب العرب ولم يذكرها بلاغيوهم، قبل أن يكتبها ذي سوسير ويسميها «البنيوية» ويؤسس مدرسة تبنى عليها.