مدير متحف الـ«أرميتاج»: السعودية تضم حضارات عظيمة يجهلها العالم

أكد أن معرض «روائع الآثار» يكشف وجه المملكة التاريخي.. وتوقع إقبالا كبيرا من الزوار

اقبال كبير من الجمهور الروس على المعرض
TT

أكد مدير متحف الـ«أرميتاج» بمدينة سان بطرسبرغ في روسيا البروفسور ميخائيل بتروفيسكي، أن معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، الذي يستضيفه المتحف بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، يبرز أهمية الجزيرة العربية وتاريخها والحضارات المتعاقبة عليها، مشيرا إلى أن المعرض سيعرف الروسيين وزوار متحف الـ«أرميتاج» بالحضارات التي سادت أرض المملكة العربية السعودية التي لا يعرفونها، بل ويجهلها كثيرون.

وأوضح أن الجزيرة العربية تحظى بأهمية حضارية وتاريخية كبيرة، وقدمت للتاريخ البشري كثيرا من الحضارات على مر العصور، مشيرا إلى أهمية المعرض والقطع المعروضة فيه في التعريف بحضارات الجزيرة العربية والبعد التاريخي والحضاري للمملكة، لافتا إلى أن المملكة تزخر بآثار ذات قيمة عالية وفيها مواقع أثرية مهمة تظهر الأصول الحقيقية للجزيرة العربية التي كانت مركزا لطرق التجارة القديمة.

ووصف بتروفيسكي معرض روائع الآثار، بأنه متميز، لأن فيه قطعا أثرية ذات قيمة تاريخية كبيرة، وتبرز اكتشافات أثرية جديدة ومعلومات مهمة، موضحا أن الناس يعرفون الكثير عن الحضارة المصرية وحضارة بلاد الرافدين، وليست لديهم المعلومات الكافية عن حضارة الجزيرة العربية. وتوقع بتروفيسكي أن يحظى معرض «روائع الآثار» بإقبال كبير من الزوار، سواء من الروسيين أو السياح في المدينة، وهم موجودون بكثرة حاليا. كما كشف مدير متحف الـ«أرميتاج» أنه تم الاتفاق مع مسؤولي الهيئة العامة للسياحة والآثار، على مشروع اتفاقية بين متحف الـ«أرميتاج» وجامعة سان بطرسبرغ، والهيئة العامة للسياحة والآثار حول اشتراك الهيئة في تطوير قسم الآثار الإسلامية في متحف الـ«أرميتاج». وإلى نص الحوار:

* نود معرفة بداية انطلاق فكرة استضافة متحف الـ«أرميتاج» لمعرض «روائع آثار المملكة عبر العصور»، وأسباب اهتمام المتحف العريق بإقامة مثل هذا المعرض.

- أولا، أنا متخصص في الدراسات العربية، ولدي خلفيات عن الجزيرة العربية وعن علم الآثار في المملكة العربية السعودية، كما أنني وزملائي نهتم بهذه الدراسات والنتائج الكبيرة والمهمة.

وعندما سمعت أن هناك معرضا في «اللوفر» واطلعت على الكتالوغ الخاص بالمعرض، وجدت أن هذا المعرض وما يحتويه والاكتشافات الجديدة في السعودية يجب أن تعرض للجماهير في روسيا، وأن تكون في متناولهم، وبالتالي قمنا بالاتصال بالسفارة السعودية والهيئة العامة للسياحة والآثار، واتفقنا على إقامة المعرض في الـ«أرميتاج».

ومتحف الـ«أرميتاج» يعتبر معرضا للحضارات والثقافات العالمية، والموضوع الأساسي للمتحف والرسالة الأساسية له هو حوار الحضارات، ومعرض «روائع آثار المملكة» وما يحتويه من قطع أثرية من الجزيرة العربية، والقطع الجديدة غير المعروفة للعالم، سيساهم في تطوير حوار الحضارات الذي نريد نحن في متحف الـ«أرميتاج» أن نقدمه للجماهير.

* من خلال اطلاعكم، على القطع المعروضة في المعرض والبالغ عددها 347 قطعة أثرية، تمثل مختلف الحقب التاريخية والحضارية التي مرت على أرض الجزيرة العربية، كيف تقرأون البعد الحضاري لهذه الشواهد الأثرية، وأهميتها في الكشف عن التسلسل التاريخي للحضارات التي تعاقبت على أرض الجزيرة العربية؟

- أعتقد أن كل هذه القطع الأثرية والمعرض عموما، يؤكد لنا الوحدة التاريخية للجزيرة العربية، وليس الوحدة الجغرافية أو اللغوية فحسب، فالجزيرة العربية قارة صغيرة مثل الهند، لها تاريخ خاص ومختلف، وقد كنا لا نعرف أن الإنسان الأول مر عبر الجزيرة العربية إلى آسيا.

كما أن المعرض يتناول الحضارات والثقافات المرتبطة بالطرق التجارية في شمال الجزيرة العربية وجنوبها، وأن هناك اتصالا دائما للجزيرة العربية بمختلف الحضارات، وأدى وجود طرق التجارة إلى تبادل الثقافات واللغات والكتابات، وهذا شيء مهم جدا، ومن المهم أن نعرف كل هذه التطورات التاريخية من خلال هذا المعرض، كما أن كل هذه الطرق تؤكد الوحدة التاريخية للجزيرة العربية، إضافة إلى طرق الحج.. كل هذه الطرق والمدن الموجودة في الطرق، تقودنا إلى التعرف على الحضارات القديمة المهمة في الجزيرة العربية، ومعرفة تطور الثقافة والحضارة الإنسانية.

* أضيفت إلى معرض «روائع الآثار» في الـ«أرميتاج» 27 قطعة أثرية جديدة لم تعرض في «اللوفر» وإسبانيا، كيف ترون أهمية مثل هذه الخطوة؟

ـ أنا أعتقد أن هذا الأمر يعود أولا إلى العلاقة الجيدة التي تربط بين متحف الـ«أرميتاج» وبين الهيئة العامة للسياحة والآثار، والقطع الجديدة التي تعرض للمرة الأولى توضح تطور التاريخ في الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية، لأن كل هذه القطع هي قطع مكتشفة حديثا، ولم تعرضها الهيئة العامة للسياحة والآثار في متحف «اللوفر» لأنها لم تكن قد اكتشفت بعد، أو تم اكتشافها قريبا.

وتشير كل القطع المعروضة إلى أن هناك تطورا كبيرا في علم التنقيب في المملكة العربية السعودية، ودائما تخرج من أرض الجزيرة العربية اكتشافات أثرية جديدة، وهذا شيء مهم لدراسة الحضارات التي قامت على أرض المملكة العربية السعودية.

ونحن مسرورون بهذه الاكتشافات الجديدة، وهي اكتشافات جميلة، وتقدم لنا معلومات جديدة عن تاريخ الجزيرة العربية، فيوجد قطع من تيماء، وتوجد قصص في الرسوم، وهي قصص غير معروفة حتى الآن بدقة، لكنها قصص جديدة يمكن أن ننظر إليها ونناقشها ونقدم فيها مختلف التفاسير.

وهناك من القطع ما يقدم لنا معلومات جديدة جدا ومختلفة عن الأماكن المعروفة، وكل شيء جديد يقدم لنا معلومات ومفاهيم مهمة، فمثلا هناك جرة فخار كان فيها كنز، وتشير إلى وجود نشاطات متعددة، وليست فقط أثرية، وإنما نشاطات معمارية في الجزيرة العربية.

* عطفا على حديثكم حول التطور الملحوظ في المملكة العربية السعودية في مجال التنقيب عن الآثار والكشف عنها وإبرازها للعالم أجمع، خاصة أن قطاع الآثار والمتاحف لم يتم ضمه إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار إلا قبل سنتين تقريبا.. كيف ترون جهود الهيئة خلال تلك الفترة القصيرة في مجال التنقيب وإبراز الاكتشافات الأثرية؟

- حقيقة أنا أرى أن نشاطات الهيئة العامة للسياحة والآثار متميزة وجيدة جدا، لأن الهيئة تعمل بالأسلوب العلمي الحديث، وقد التقيت بكثير من المسؤولين في الهيئة، ووجدت أنهم على دراية كبيرة بما يقومون به، وينفذون أعمالهم بشكك احترافي، وهناك أيضا انفتاح على العالم، لأن علماء الآثار من السعودية يعملون مع علماء الآثار من مختلف البلدان الأخرى، وهذا شيء ضروري لمثل هذه النشاطات الكبيرة والواسعة، وأنا أعتقد أن كل شيء يتم بطريقة جيدة جدا.

الشيء الثاني الذي أود أن أشير إليه هو أهمية الرقابة على نشاطات البناء، لأن المملكة الآن فيها كثير من مشاريع البناء، حيث تشهد نهضة في كل المجالات، ومن المهم جدا أن لا تؤثر أو تدمر هذه النشاطات ما يوجد من آثار في المملكة.

* كيف ترون مستقبل العلاقة بين متحف الـ«أرميتاج» والهيئة العامة للسياحة والآثار، خصوصا بعد إقامة معرض «روائع الآثار السعودية»، والزيارة الرسمية التي قام بها الأمير سلطان بن سلمان إلى مدينة سان بطرسبرغ ومتحف الـ«أرميتاج»؟

- أتوقع أن يكون هناك كثير من النتائج الجيدة والمهمة، وقد اتفقنا خلال اللقاءات والحوارات الشخصية أن نقدم مشروع اتفاقية بين متحف الـ«أرميتاج» وجامعة سان بطرسبرغ، والهيئة العامة للسياحة والآثار حول اشتراك هيئة السياحة والآثار في تطوير قسم الآثار الإسلامية في الـ«أرميتاج»، ومن الممكن أن يكون هناك مشروع لبعثة سعودية - روسية في أحد المواقع الأثرية في المملكة.

الشيء الثاني، وكما فهمت من خلال لقائي بالأمير سلطان بن سلمان، ومن لقاءاتي وحواراتي مع المسؤولين في الهيئة، أن هناك أفكارا لتطوير المجال السياحي بين المملكة العربية السعودية ومدينة سان بطرسبرغ، وهي مدينة جميلة ورائعة ونعتقد أن كثيرا من الضيوف الجدد من المملكة العربية السعودية يمكن أن يصلوا إلى هنا، ولدينا أحيانا طقس جيد، كما سيتم تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية التي تعد جسرا جيدا لكثير من النشاطات الأخرى.

* أقيم العديد من المعارض الزائرة في متحف الـ«أرميتاج»، من مختلف الحضارات في العالم، بصفتكم متخصصا في هذا المجال، ما الذي يميز المعرض السعودي عن المعارض السابقة؟

- أعتقد أن هذا المعرض متميز لأن فيه أشياء قيمة وثمينة، واكتشافات أثرية جديدة ومعلومات مهمة.. الناس يعرفون عن الحضارة المصرية وحضارة بلاد الرافدين، ولا يعرفون شيئا بصورة عامة عن حضارة الجزيرة العربية، والمعرض يمثل شيئا جديدا للمتخصصين والجماهير، وهو معرض تنويري مهم جدا يكشف للعالم الثراء الحضاري والتاريخي والثقافي لأرض الجزيرة العربية.

* يعد الترويج الإعلامي أمرا مهما جدا في تعريف سكان مدينة سان بطرسبرغ بوجود معرض لآثار المملكة العربية السعودية.. ما الجهود التي بذلها المتحف للتعريف بهذا المعرض؟ وما توقعاتكم للإقبال الذي سيشهده المعرض خلال الفترة المقبلة؟

- أتوقع أن يكون الإقبال جيدا جدا، لأن الناس في مدينة سان بطرسبرغ مثقفون ويحبون المعلومات الجديدة، وأنا أعرف كثيرا من الناس الذين زاروا المعرض والذين سيزورونه في وقت لاحق.

ونحن في الفترة الحالية لدينا كثير من السياح في المدينة، ونبذل جهودا كبيرة كي يقوموا بزيارة متحف الـ«أرميتاج» ومعرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية»، ومثل هذه الزيارات ستكون مفيدة جدا، وأنا أعتقد أن وجود المعرض في الـ«أرميتاج» والقطع الأثرية الموجودة فيه مهمة جدا، كما أن متحف الـ«أرميتاج» له زواره، ووجود المعرض في الـ«أرميتاج» يعد ضمانا لوجود عدد كبير من الزوار.

* بتروفيسكي في سطور:

* نشأ البروفسور ميخائيل بتروفيسكي، مدير متحف الـ«أرميتاج» في مدينة سان بطرسبرغ، في عائلة تعشق الشرق وتحترم الحضارات العريقة، وكان والده عالما أثريا معروفا ومديرا لمتحف الـ«أرميتاج»، ووالدته عالمة آثار أيضا.

ودرس بتروفيسكي في قسم الشرق في جامعة لينينغراد في مدينة سان بطرسبرغ، وفي عام 1967م أصبح باحثا في معهد لينينغراد للاستشراق، وحصل عام 1973م على الدكتوراه في موضوع قصة الملك الحميري أسعد الكامل، ثم توجه إلى اليمن حيث عمل مترجما ومدرسا لتاريخ اليمن في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية.

وفي عام 1983م عمل في البعثة السوفياتية - اليمنية التاريخية المشتركة التي قامت بالدراسات الميدانية لطرق المواصلات التجارية العريقة. وعكف بتروفيسكي على دراسة جزيرة العرب، وله دراسات حول مملكتي سبأ وحمير، وتاريخ الإسلام والنقوش العربية القديمة في الجزيرة العربية، وملاحم العرب وحكاياتهم القديمة.

واهتم بتروفيسكي بصورة خاصة بالعلاقة بين الحضارتين الجاهلية والإسلامية، وتناولت دراساته أواخر العصر الجاهلي ومطلع العصر الإسلامي، وقد ترجمت دراساته الكثيرة في موضوع تاريخ العرب إلى اللغة العربية، وألقى محاضرات في جامعات الدول العربية، حيث حظي بشهرة كبيرة في مجال الآثار والتاريخ.

وفي عام 1984م حصل على دكتوراه الدولة في موضوع جنوب الجزيرة العربية في مطلع القرون الوسطى، وأسند إليه عام 1992م إدارة متحف الـ«أرميتاج» الذي يعد من أغنى متاحف الفنون التشكيلية والتحف التاريخية والحضارية في العالم، وافتتحه القيصر الروسي نيكولا الأول في فبراير (شباط) عام 1852م.