جبهة للفنانين المصريين من أجل الحفاظ على الحريات الجديدة

تحالف من 80 منظمة ثقافية يعمل على إدخال تعديلات على القانون تعطي الجماعات الفنية وضعية مستقلة

استخدام الالكترونيات وبرامج الكومبيوتر من أساسيات جودة العمل وإتقانه وفقا للمعايير العصرية للفن
TT

منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، قامت الفنانة لارا بلدي ببناء ما وصفته بـ«برج الأمل» للمشاركة في العرض الأول لمهرجان الفنون الذي عقد في أحد الأحياء الراقية بالقاهرة. وتم بناء هذا العمل الفني من الطوب الرخيص والخرسانة، وهي مواد البناء الأساسية للأحياء الفقيرة المترامية الأطراف التي تطوق المدينة، لذا كان البرج بمثابة استفزاز واضح في مواجهة قوية مع الواقع الكئيب الذي يعيش فيه معظم المصريين. وقد شعر القائمون على المهرجان بالتوتر إزاء هذا العمل، لدرجة أن الفنانة لارا بلدي قامت بتغطية البرج عندما جاءت السيدة الأولى سوزان مبارك لزيارة موقع قريب.

لقد كانت مصر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك مكانا معقدا للفنانين ومليئا بما يسمونه بـ«الخطوط الحمراء» التي لا يمكن أبدا تجاوزها، ولكنها كانت أيضا مليئة بالفرص لهؤلاء الذين يعرفون قواعد اللعبة ويعرفون كيف يغلفون الرسائل بالسخرية ويحزمون الغضب بطبقات من التعتيم بكل بعناية. ولكن «برج الأمل» الذي صنعته لارا بلدي، والذي يشمل الصوت السريالي لموسيقى السيمفونية ونهيق الحمير بالداخل في آن واحد، لم يتسبب لها في أي أذى. واليوم وفي دولة لا تزال تتحسس معالم الحرية بعد الثورة، لا تعمل لارا بلدي في صناعة الفن، وقالت إنها تكرس وقتها لبدء تشغيل محطة راديو على الإنترنت للترويج لثقافة ما بعد مبارك. وعلى غرار العديد من الفنانين الكبار في مصر، تقول لارا بلدي: «سيكون من الخطأ أن تتواجد في مرسمك في هذه اللحظة - هناك الكثير من الأشياء الخطيرة التي ينبغي المضي قدما فيها بدلا من الانحدار لصنع، ما وصفته، بفن (بولارويد) السطحي الذي يقوم فقط بتوثيق الثورة».

ويقول كثير من الفنانين الآن إن النشاط، وليس الفن، هو أفضل وسيلة لإصلاح بلدهم. ويرون أن هناك فرصة، بعد عقود من السبات الفكري والتعفن الثقافي، لعودة مصر مرة أخرى إلى وضعها البارز الذي كانت تحتله كمركز للثقافة العربية.

إنهم يستوحون الإلهام من وفاة أحمد بسيوني، الفنان الذي قتل خلال مظاهرة مؤيدة للديمقراطية في الثامن والعشرين من يناير (كانون الثاني). لقد برز بسيوني ليكون بمثابة الشهيد الذي يقودهم - رائد من رواد الوسائط المتعددة أمسك كاميراته عندما خرج الناس إلى الشوارع وتوفي تحت أقدام مؤيدي مبارك.

لقد أصبحت وفاته رمزا لإنكار الذات بين الفنانين المصريين، إنه إنكار الذات الذي يوجهونه إلى أعماق الحس القومي والمجتمعي.

يقول شادي النشوقاتي، وهو صديق ومدرس لعائلة بسيوني، إنه كان يمتلك ذكاء شديدا تمخض من اليأس العميق إزاء عدم وجود أي أمل سياسي من الحياة في عهد مبارك. لقد كان لديه بحر من الأفكار، وكثيرا ما يبدو كأنه يعيش على كوكب آخر.

لقد كان بسيوني واحدا من أكثر الفنانين التجريبيين موهبة في مصر، الذين استخدموا الإلكترونيات والأداء وبرامج الكومبيوتر لإنشاء الأعمال التي كانت متطرفة وفقا للمعايير المصرية.

ويقول النشوقاتي: «كان أحمد في الواحدة والثلاثين من عمره. لقد ولد وتوفي في عهد النظام السابق، ولم يعرف أي شيء آخر. كان يشعر باليأس ولم يكن لديه أي أمل». وكان النشوقاتي، وهو فنان وأستاذ الأداء والفنون البصرية بالجامعة الأميركية في القاهرة، يختنق غيظا عندما يفكر في طفلي بسيوني.

وقال وهو يمسح دموعه: «ليس هذا هو الوقت المناسب للعمل، إنه وقت الفهم». ولم يدخل النشوقاتي، (39 عاما)، مرسمه منذ ما قبل الثورة. وبدلا من ذلك، يقوم بالإعداد للاشتراك في جناح مصر في بينالي فينيسيا الذي سيخصص لأعمال بسيوني.

وفي مطلع يونيو (حزيران) القادم وفي مساحة كانت يوما ما تحت رقابة وسيطرة وزارة الثقافة، سوف تعرض مصر ملف فيديو لعمل بارز من أعمال بسيوني بعنوان «30 يوما من الجري محلك سر» التي قام فيه بلصق أجهزة استشعار بجسده واستخدم خدع الكومبيوتر لعمل حكاية رمزية بصرية للركود الحركي، في كناية عن ثلاثة عقود من حياته في عهد الرئيس السابق مبارك.

وقال النشوقاتي: «كان يعتقد أنه لم يتحرك قيد أنملة لمدة 30 عاما من حياته، 30 عاما من إهدار الطاقة في ظل هذا النظام». وسيكون عرض العمل الخاص ببسيوني خروجا جذريا عن الحالة التي كان عليها الجناح المصري، الذي ظل طيلة السنوات الماضية مخصصا للفنانين المؤيدين لنظام مبارك.

ثمة إحساس بالضياع بين الفنانين هنا - ضياع الأرواح والوقت والثقافة المصرية. ويبدو أن هذا الإحساس قد غذى الشعور بالإلحاح.

تأتي نجلاء عزت ضمن الفنانين الشباب الذي أصبحوا ناشطين. منذ عقد من الزمان، عندما كانت أعمالها معروضة في السفارة المصرية في واشنطن، عرفت بالضبط ما هي الخطوط الحمراء: تجنب الموضوعات الحساسة، أن تكون النظرة إيجابية، وألا يتم انتقاد النظام أبدا.

واليوم، تقوم نجلاء باستغلال كل طاقاتها في نشر كتاب فكاهي يصور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذلك باستخدام أعمال رسامي الكاريكاتير المصريين البارزين. وتم تصميم هذا العمل بهدف تعليم الدروس الأساسية في الديمقراطية.

وبغض النظر عن نوع الحكومة التي ستحل محل النظام القديم، يقول الفنانون إنهم مصممون على الحصول على مزيد من الحرية والأمن. في الماضي، اضطر العديد من المجموعات الفنية للعمل سرا، أو للتسجيل على أنها منظمات غير حكومية، مما يعني التمحيص الدقيق لمحتوى أنشطتها السياسية من قبل وزارة التضامن الاجتماعي.

وتقول بسمة الحسيني، التي تدير منظمة لخدمة الفنون في القاهرة، إن تحالفا مكونا من 80 منظمة ثقافية من مختلف أنواع الفنون يعمل على اقتراح إدخال تعديلات على القانون المصري يكون من شأنها أن تعطي الجماعات الفنية وضعا مستقلا وغير هادف للربح، مثل هذا الوضع الذي تتمتع به الجماعات الفنية في معظم البلدان الغربية.

إن هذا التغيير البسيط، الذي يسمح لهم بالعمل بشكل علني وقبول التبرعات من دون أن تخضع للضريبة وخلق الفن من دون تدخل الحكومة، يمكن أن يشعل نهضة الفنون في مصر. وأضافت الحسيني: «إنهم لا يريدون التوقف عن ذلك».

ويفكر الفنانون هنا بشكل كبير في كيفية التأثير على مستقبل حرية التعبير. وهناك الكثير من المكاسب التي من الممكن أن تجنيها الثورة، كما يقولون، مع وجود مصالح قوية وراسخة تجر مصر في اتجاهات مختلفة. إنهم في صراع مع الشكوك التاريخية الضخمة: ماذا حدث؟ هل تغير شيء؟ ويتجهون إلى أدب أميركا الجنوبية، وأفلام أوروبا الشرقية بعد سقوط الشيوعية، وحتى الكتب الفرنسية المصورة التي تمت كتابتها في الستينات من القرن الماضي، للحصول على إجابات لهذه الأسئلة. أما لارا بلدي، التي صممت برج الأمل، فتستخدم عبارات صوفية تقريبا وهي تصف الأيام التي قضتها في ميدان التحرير. وقالت لارا بلدي وهي تصف الحشود التي احتلت مركز القاهرة: «لقد كانوا مثل المجال المغناطيسي»، وأضافت: «بعد الثورة السياسية، قدم ميدان التحرير للمصريين رؤية للوحدة الدينية والاجتماعية التي يمكن أن تعيد تشكيل القيم الأساسية للأمة». وتتصور لارا بلدي، وهي مسيحية ذات جذور مصرية لبنانية، أن الثورة المصرية لن تحول مصر فقط بل ستحول العالم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»