«متحف الحجاز» في المدينة المنورة كنز يجمع الماضي ليزين المستقبل

الردادي: هوايتنا تشبه التحقيق في القضايا الجنائية

هواية عبد الرحمن الردادي بدأت عندما كان يسعى لاقتناء الأحجار الثمينة والغريبة التي توضع على الخواتم بشكل عام
TT

«هذا بازاري، وهذا صندوق كنزي، يرثه أبنائي من بعدي، حصيلة عقدين من الزمن ظللت أجمع فيه حتى أخرجته بهذا المنظر»، هكذا بدأ عبد الرحمن الردادي، وهو مواطن سعودي في العقد الرابع من عمره، حديثه عن بازاره الذي تتنوع بداخله معروضات تراثية وأثرية ظل يقتنيها عن طريق الشراء والجمع منذ كان في عشرينات عمره. بازاره أو «صندوق الكنز» حسب وصف أحد المبهورين من زوار «متحف الحجاز» يقع على أحد شوارع المدينة المنورة، صاحبه هوايته اقتناء الأثريات والتحف التي سيورثها لأبنائه من بعده. ويقول: «علمت أبنائي كيفية الحفاظ على موروثهم وأصالتهم وتراثهم، وهذا أفضل ما أملك».

يكشف عبد الرحمن الردادي لـ«الشرق الأوسط» أن هوايته بدأت عندما كان يسعى لاقتناء الأحجار الثمينة والغريبة التي توضع على الخواتم بشكل عام، مشيرا إلى أن الأحجار الغريبة الشكل تجعلك تتأملها وتعجب من قدرة الخالق، حسب وصفه، ويضيف: «من الحجارة بدأت أبحث وأنتقي كل الأدوات التراثية والقديمة والتحف والخواتم والأنتيكات، إضافة إلى تعلقي بكل ما يمت بصلة إلى التراث الإسلامي، خصوصا المكي والمدني منه».

وأضاف الردادي: «إذا ما سافرت إلى بعض الدول التي تشدني حضارتها فإنني أقوم بالبحث عن مقتنيات وقطع أثرية تشدني في متاحفها وبازاراتها وأقتنيها لمتحفي».

ويكشف عبد الرحمن الردادي أن مستوى الثقافة التراثية يعد ضعيفا في السعودية، وعزا السبب إلى «الإعلام والتوعية بجميع وسائلها، والأسرة والمدارس»، وقال: «لا توجد حلقة وصل بيننا وبين التعلم، مع العلم أن مؤسسات التعليم تنظم زيارات إلى المتاحف الموجودة في السعودية لطلابها، ولكن ما بعد الزيارة هل هناك متابعة أم لا؟ والجواب يكون: لا»، مضيفا أن عددا كبيرا من الشباب يدخلون المتحف ويوجهون إليه عددا من الأسئلة، منها: ماذا لديك؟ أو ماذا تبيع؟ ماذا تعرض؟، «فأتعامل معهم بحسب ثقافتهم ولا أجادلهم في الحديث، لجهلهم بما يوجد بداخل هذا المتحف».

وحول تعامله مع تلك القطع وبيعها أوضح صاحب متحف الحجاز قائلا: «يكون بالتفاوض دون تحديد سعر محدد، والحقيقة أنني هاوٍ في اقتناء القطع، وبعدما أقتنع بالقطعة الموجودة لدي ويوجد شخص هاوٍ ومهتم وحريص أقوم ببيع القطعة إليه لأنني أعرف أنه سوف يحافظ عليها»، مشيرا إلى أنه يعرف الشخص الهاوي من الشخص الذي يأتي للفرجة، وذلك من خلال كلامه وأسئلته.

وأشار قائلا: «أكثر الذي يشترون هم هاوون سعوديون، وفيهم بعض الحجاج والمعتمرين ممن يزرون المتحف وبعضهم يشتري، فالقطعة الغالية والثمينة يمكن أن تذهب إلى بيت تاجر أو هاوٍ، الأمر الذي يعتمد على الدعاية التي نقوم بها في الحرم».

وأكمل الردادي أن المتحف الذي فتح قبل نحو 6 أعوام لا يقدر بثمن، إذ يحوي معروضات تستخدم في الحج والعمرة، وخواتم وأحجارا بأنواع متعددة وأنتيكات، مشيرا إلى امتلاكه قطعا حصل عليها خلال التوسعة الأخيرة للحرم المدني، وكذلك قطعة زعفران متحجر، وقطعة نحاسية ليست ضاربة في القدم لكنها فنية وتزن 1300 كيلوغرام، وكانت في الحرم النبوي وقت توسعته، مشيرا إلى أن أي قطعة مهما صغر حجمها أو كبر فإنه يسعى إلى أن يجعل لها مقرا في المتحف.

وكشف الردادي عن بعض المواقف التي تواجهه في المتحف، ضمنها قدوم مندوب من شركة «بيبسي» ليساومه في علبة شاني مغلقة يعود عمرها إلى نحو 30 عاما ضمن المعروضات، «ودفع مبلغا غير مجزٍ ولم أرضَ ببيعها، لأنهم لا يملكون مثلها ولا يقدرون قيمة منتجاتها»، مضيفا إلى أن إحدى الشركات الوكيلة لإحدى الكاميرات الشهيرة في السعودية «عرضت عليها كاميرا موجودة لدي يزيد عمرها على 100 عام، فردوا بجواب مضحك مفاده: أعطِنا الكاميرا مع مبلغ من المال بدلا عن كاميرا جديدة لك».

ونوه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالتطور التكنولوجي، معتبرا أنه ساعد على نشر ثقافة التراث والآثار من خلال البحث في المواقع الإلكترونية المتخصصة وعرض معروضات من خلال تلك المواقع وبيعها.

وقال الردادي: «القطعة الأثرية تزيد قيمتها وثمنها يشكل يومي، في المتحف أشتري أكثر مما أبيع، ويأتيني أشخاص لديهم بعض القطع تكون أثرية أو قديمة أشتريها وأجعلها ضمن المتحف، ومع هذا المتحف مستودع مليء بالقطع التي لا تقدر بثمن بالنسبة لي».

وأشار إلى أن هواة المتاحف والتراث يتعقبون التاريخ، فعملهم يشبه عمل المحقق في قضية جنائية في تحقيق الجرائم خلال بحثه عن تفاصيل الجريمة، ولكن «مشكلة قضيتنا أنها منذ مئات السنين فلا جاني ولا مجني عليه ولا متهم، فجميع من هم متعلقون في القضية ميتون، يحصل ذلك حتى نصل في نهاية المطاف إلى حل من خلال خبراتنا وممارستنا في التقصي والبحث عنها».