موسكو والإسكندرية تتذكران أصوله الأفريقية وثقافته العربية

في احتفالاتهما بذكرى ميلاد بوشكين

TT

عن عائلة ذواقة للشعر والأدب تنحدر من أصول حبشية ولد ألكسندر بوشكين أعظم شعراء روسيا وأحد أهم رموز لغتها المعاصرة، الذي تحتفل الأوساط الأدبية بذكرى ميلاده هذا الأسبوع. وجاءت الاحتفالات بهذه الذكرى في توقيت مواكب لربيع الثورات العربية لتعيد إلى الأذهان ما سبق وتغنى به بوشكين من أشعار دعوةً إلى الثورة وتمجيدا لروح التمرد ضد الظلم والاستبداد، إلى جانب ما سجلته ريشته من إبداعات تعكس اهتمامه بأصوله الأفريقية وبالثقافة العربية.

وفي إطار الاهتمام المتبادل بهذه المناسبة حرصت السفارة المصرية في موسكو بالتعاون مع الأوساط الأدبية الروسية على إقامة احتفالية خاصة جاءت متزامنة مع موعد إزاحة الستار عن أول تمثال له على الأرض الأفريقية اختارت له مصر مكتبة الإسكندرية مكانا بعد تردد لم يدم طويلا. وذكر الدكتور علاء الدين الحديدي سفير مصر في روسيا الاتحادية أن الرأي استقر على مكتبة الإسكندرية على ضفاف البحر المتوسط بديلا لخياري دار الأوبرا وكلية الألسن في القاهرة رغم ما لكل منهما من نصيب وافر من صلات مباشرة وغير مباشرة تربطهما مع الشاعر والأديب الذائع الصيت عبر اللغة الروسية وما يكتنزه تراثها من ملاحم شعرية كانت موضوعا للكثير من أشهر عروض الأوبرا والباليه. وتوقف الدكتور الحديدي عند ترحيب مصر بذكرى وتراث بوشكين الذي سبق وأعرب عن اهتمام منقطع النظير بها وبالكثير من مقدساتها، وفي مقدمتها القرآن وسيرة الرسول الكريم ومخزون الثقافة العربية التي انعكست في الكثير من مؤلفاته ومنها «ليالٍ مصرية» و«قبسات قرآنية» وملحمة «كليوباترا» الشعرية.

ويذكر التاريخ أن بوشكين تأثر أيضا بقراءاته في التاريخ والأدب العربي بينما اعترف بإعجابه البالغ بـ«ألف ليلة وليلة» التي لمس الكثيرون من القراء والنقاد تأثره بها لدى كتابة «روسلان ولودميلا»، وهو الذي كتب القصيدة والمسرحية الشعرية والرواية والأغنية وجاب كل دروب الأدب والثقافة وانخرط في السياسة التي أودت به إلى سجون روسيا لبعض الوقت ليصبح أحد ملهمي الأدباء والشعراء والعشاق والثوار في آن واحد. ولعله من المناسب التوقف أيضا عند السيرة الذاتية لـ«عبد بطرس الأول» التي سجلها بوشكين ليؤرخ عبرها قصة جده لأمه هانيبال، ذلك الطفل الأفريقي الأسود الذي اشتراه القيصر بطرس الأكبر وأولاه اهتماما خاصا نشأة وتعليما. ويذكر التاريخ أن بطرس الأكبر حرص على تزويجه هانيبال، تلك النبيلة الروسية التي أضحت في ما بعد جدة لأم ألكسندر بوشكين. وثمة من يقول إن ذلك التاريخ كان مبعث اهتمامات بوشكين بأصوله الأفريقية التي سجلتها ملامحه وقسمات وجهه وشعره الأجعد. وهناك أيضا من يقول إن الحرص الواضح من جانب بوشكين على دراسة التراث العربي والإسلامي نجم عن إعجابه برسالة الإسلام الذي قالوا إن جده لامه هانيبال كان يدين به رغم إقامته في روسيا المسيحية. وقد أعاد المتحدثون في احتفالية السفارة المصرية الكثير من ذلك التاريخ ومعه بعض ما جادت به قريحة ذلك العبقري الذي ترك تراثا شعريا وأدبيا وفلسفيا هائلا، ولم يكن تجاوز الثامنة والثلاثين من العمر، حيث قضى نحبه متأثرا بجراحه إثر منازلة اختارها سبيلا للدفاع عن العرض والشرف وثأرا لكرامته بعد معاكسة أحد غرمائه لزوجته ناتاليا غونتشاروفا. وبهذا الصدد نشير إلى ما كتبته الدكتورة مكارم الغمري أستاذة الأدب الروسي والعميدة السابقة لكلية الألسن بالقاهرة حول تأثر بوشكين بالقرآن الكريم الذي قالت إنه كان «أول كتاب ديني يدهش خيال الشاعر ويقوده إلى الدين»، بينما أشارت إلى أن ذلك يفسر الاهتمام الكبير من جانب النقاد الروس ثم السوفيات بدراسة قصائد «قبسات من القرآن»، وهو ما يتسق مع المكانة الفكرية والفنية التي تحتلها هذه القصائد بين مؤلفات بوشكين. ونقلت الدكتورة الغمري عن الباحثة الروسية كاشتاليفا قولها إن اهتمام بوشكين بالقرآن يعود إلى أسباب شخصية فسرتها بقولها إن جده هانيبال كان مسلما، وهو ما جعل بوشكين يستشعر اهتماما شخصيا تجاه القرآن فضلا عن أن هذا التوجه كان تجسيدا وتعبيرا عن المعاناة الذاتية للشاعر الكبير، حسب قول جوكوفسكي، أحد أشهر النقاد الروس المعاصرين له. ولم تغفل الدكتورة الغمري ما أشار إليه الناقد براجينسكي حول أن تأمل بوشكين في القرآن كان أيضا من منطلقات فلسفية، حيث لجأ إليه «من أجل الوعي بدروس التاريخ ولخدمة الواقع».