العالم يودع «بيكاسو الهند»

مقبول فدا حسين اشتهر بالسير حافيا حتى في تجمعات الصفوة

الفنان الهندي مقبول فدا حسين في مرسمه (أ.ب)
TT

بجانب عاشقي الفنون في شتى أرجاء العالم، تتشح الهند بالسواد حزنا على وفاة مقبول فدا حسين، 95 عاما، الرسام الشهير الذي أطلق عليه معجبوه «بيكاسو الهند».

كان الفنان الأسطوري يعيش في عزلة اختيارية بعيدا عن وطنه بسبب تهديدات بالقتل من راديكاليين هندوس. وتدهورت صحة حسين لبعض الوقت بسبب مشكلات تتعلق بتقدمه في العمر، وصعدت روحه لبارئها أثناء وجوده بمستشفى في لندن بعد معاناته من أزمة قلبية، حسبما ذكر أقارب له في نيودلهي، ومن المقرر أن تقام مراسم الجنازة في لندن، وليس الهند. وذكرت مصادر أنه أوصى بدفنه في المكان الذي يتوفى به، وقال أقارب له إن الجنازة ستقام تبعا للشريعة الإسلامية وسيحضرها أقارب له من الهند.

عمل حسين لبعض الوقت في رسم إعلانات دور السينما، ثم صعد نجمه ليصبح واحدا من أشهر فناني العالم وصارت أعماله تباع بملايين الدولارات. إلا أنه أجبر عام 2006 على الرحيل عن الهند بعدما أثارت رسوماته لآلهة هندوسية عارية موجة من الهجمات ضد أعماله وتقدمت منظمات هندوسية يمينية بشكاوى ضده للشرطة. في تسعينات القرن الماضي، أثارت بعض لوحات حسين الجدال بسبب رسمه آلهة هندوسية عارية أو على نحو قيل إنه يحمل إيحاءات جنسية. كان حسين قد رسم هذه اللوحات عام 1970، لكن لم يثر جدال حولها سوى عام 1996 عندما نشرت بمجلة بجانب مقال بعنوان «إم. إف. حسين: رسام أم جزار».

وبسبب تلك اللوحات تعرض حسين لرفع 8 شكاوى جنائية ضده علاوة على تعرضه لتهديدات بالقتل. وفي عام 2004، رفضت محكمة دلهي العليا الشكاوى من أن حسين «يؤجج الكراهية بين المجموعات المختلفة.. بتصويره آلهة هندوسية». وفي عام 1998، تعرض منزل حسين لاعتداء من جانب مجموعات هندوسية وتم تدمير بعض أعماله الفنية. وعليه، غادر الفنان البلاد مبررا ذلك بأن «المسائل القانونية شديدة التعقيد وقد نصحني البعض بعدم العودة إلى الوطن». وبالفعل، لم يعد للهند بعدها، وقضى السنوات الأخيرة من عمره بين دبي ولندن.

وبينما عجزت الحكومة الهندية عن إعادته للبلاد في حياته، قوبل خبر وفاته بحزن بالغ في أرجاء البلاد من الرئيسة إلى رئيس الوزراء إلى نجوم بوليوود والكثير من محبي الفنون أبدوا حزنهم على وفاته. على سبيل المثال، تحدثت عنه الرئيسة براتيبها باتيل قائلة: «إنه رجل تميز بموهبة متعددة الجوانب، وسيخلق رحيله فراغا كبيرا بعالم الفن والإبداع». بينما أكد رئيس الوزراء مانموهان سينغ أن موته «خسارة وطنية».

جدير بالذكر أن حسين حصل على الجنسية القطرية العام الماضي.

ولد حسين، الذي علم نفسه بنفسه، في باندهاربور في ولاية ماهاراشترا الواقعة غرب الهند، في 17 سبتمبر (أيلول) 1915. وفي سن مبكرة، تعلم فن الكتابة والخط وأتقن الخط الكوفي برسومات هندسية. كما تعلم أيضا كتابة الشعر، أثناء إقامته مع خاله وارتياده مدرسة دينية، وهو فن ظل ملازما له لبقية حياته. وحينما كانت تتاح له الفرصة، كان يحمل عدة الرسم على دراجته ويقودها نحو المناطق الريفية المجاورة ليرسم مشاهد طبيعية. وانتقل إلى مومباي، عاصمة الترفيه الهندية، في سن صغيرة وأصبح فنانا يرسم لوحات إعلانات الأفلام السينمائية لكسب قوته، لكن دخله كان محدودا للغاية وعاش في غرفة رخيصة في حارة يسكنها قوادون وفتيات بغاء، وفي أواخر الأربعينات، انضم لأتباع المدرسة التقدمية.

جذب حسين الأنظار إليه للمرة الأولى عام 1947 عندما فاز بجائزة في معرض سنوي أقامته جمعية مومباي للفنون. بعد ذلك، دعي من جانب سوزا للانضمام إلى مجموعة الفنانين التقدميين. بحلول عام 1955، أصبح واحدا من الفنانين الرواد في الهند. وكان ضيفا خاصا بجانب باولو بيكاسو في معرض ساو باولو بينيال عام 1971. وقد شارك في العديد من المعارض الدولية التي أقامتها جمعيات الفن الهندي المعاصر والأكاديمية الملكية للفنون بلندن عام 1982، ومعرض تيت غاليري في لندن عام 1985، كما شارك في معرض الرسم الهندي الحديث وغاليري غراي آرت في نيويورك عام 1986.

وفي عام 1976، فاز حسين بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين الدولي للأفلام عن فيلمه الوثائقي «خلال أعين رسام».

وسار الجدال والشهرة جنبا إلى جنب في حياة حسين، حيث اشتهر بالسير حافيا حتى في تجمعات الصفوة. وبمرور الوقت أصبح أعلى الرسامين الهنود أجرا وبلغ سعر إحدى لوحاته مليوني دولار خلال مزاد أقامته دار «كريستيز» مؤخرا.

مطلع عام 2008، حصدت لوحة «معركة غانغا وجامونا» سعرا بلغ 1.6 مليون دولار، والذي اعتبر رقما قياسيا لقسم الفنون جنوب الآسيوية المعاصرة لدى الدار. وظهر اسمه بقائمة أكثر 500 شخصية مسلمة مؤثرة في العالم الصادرة عن المركز الملكي للدراسات الاستراتيجية الإسلامية في الأردن.

وظل حسين مولعا بالسينما، وأعجب بشكل خاص بالنجمة الهندية مادهوري ديكستي، وحرص على التعاون مع فيلم يضم الجيل الحالي من نجوم بوليوود، مثل فيديا بالان.

وعقب إعلان وفاته تدفق سيل من رسائل التعزية من نجوم بوليوود عبر «تويتر» وقال معجبوه إنه من العار أن يعجز حسين عن العيش في وطنه. مثلا، كتب الممثل راهول بوز عبر «تويتر» أنه: «توفي حسين، وترك رؤوسنا مطأطأة بسبب الحزن والخجل من أنه عجز عن قضاء سنواته الأخيرة في وطنه». وقالت وزيرة الإعلام أمبيكا سوني عندما سئلت عن المظاهرات التي نظمها نشطاء يمينيون ضد حسين: «لقد دعي إلى الهند.. لكن لا أتذكر عدد المرات تحديدا. من المؤسف للغاية أن ينظر أناس ضيقو الأفق إلى الفن والإبداع بأسلوب يعكس قصورهم، لكن غالبية الشعب الهندي لم تدعم وجهة نظرهم قط».

في المقابل، أعلن رئيس جماعة «شيف سينا» الهندوسية اليمينية، بال ثاكيري، أن جميع الجدال حول الرسام الشهير ينبغي أن تنتهي الآن بعد موته.