النقل الريفي في تونس: معاناة متعددة الأبعاد

منصف الفطناسي لــ«الشرق الأوسط»: أعمل منذ 22 سنة بالقطاع ولم أحصل على رخصة نقل

منصف الفطناسي.. سنوات قضاها يطالب برخصة قيادة دون جدوى.. والحاصل دفع رشى
TT

يسيطر قطاع النقل الريفي في تونس على نصيب الأسد من وسائل النقل المخصصة لهذا الغرض، ويسد بذلك ثغرة كبيرة في بنية الاقتصاد التونسي، بل أوسع من ذلك، إذ يستخدم الطلبة والأساتذة والعمال والفلاحون وجميع فئات المجتمع وسائل النقل الجماهيرية، التي يطلق عليها في تونس «النقل الريفي». ويقول العاملون في القطاع في منطقة الباطن إنهم إذا ما فكروا في الإضراب فإن مصالح كثيرة ستتوقف، فـ«نحن الحلقة الأولى في سلسلة الاقتصاد والتنمية في تونس، إذا توقف النقل تتوقف قطاعات كثيرة»، بينما ذكر السائق محسن السبري لـ«الشرق الأوسط»: «نعاني من مشكلة غلاء المحروقات بالدرجة الأولى، وكذلك نعاني من التسعيرة غير المناسبة مع المردود المادي، إلى جانب علاقة المستهلك معنا ومع وسيلة النقل التي نستخدمها جميعا»، ويعلل ذلك قائلا: «البعض لا يحترم وسيلة النقل أو الركاب الآخرين، معتبرا الثمن الذي يدفعه يخول له فعل ما يشاء». وضرب عدة أمثلة على ذلك، منها: «أحدهم وضع أعقاب سجائر على سطح السيارة الأمامي، وآخر صعد بملابس تصليح السيارات، وعندما احتججت على ذلك كان الرد: أليس هذا بنقل ريفي؟». ويضرب محسن مثلا بسيارة الأجرة التاكسي، «في سيارات الأجرة يبدأ العداد عمله منذ اللحظة التي تنطلق فيها السيارة، ولا يستطيع أحد أن ينبس ببنت شفة، ولكن في النقل الريفي يمكن أن يتطاول عليك». ويتساءل متعجبا: «ألسنا قطاعا خدماتيا كبقية القطاعات؟ ومع ذلك يكاد يكون السعر مجانيا!».

ومن الأمور التي تقلق سائقي النقل الريفي في تونس ما يصفونه بمشكلة «الدخلاء»، فهناك عشرات السائقين الذي أمضوا في القطاع أكثر من 20 سنة ولم يحصلوا على رخصة نقل ريفي، بينما جهات أخرى نافذة تحصل على الرخصة لتأجيرها والتعيش منها، وفي كل الأحوال لدى أصحابها مهن وممتلكات أخرى يعيشون منها في أرغد عيش. وقال عماد: «هناك أشخاص تقوست ظهورهم من طول المدة التي عملوا فيها كسائقي سيارات نقل ريفي، ولم يحصلوا على رخصة سياقة»، وتابع: «من المشكلات التي يعانيها العاملون في قطاع النقل عدم وجود نقابة تدافع عن حقوقهم، وعندما نذهب لاتحاد الصناعة والتجارة يقولون لنا: نحن لا نعترف سوى بالملاك، ونقابة العمال لم تتدخل لصالحنا، ونحن في حاجة لاستشارة قانونية، نعرف من خلالها حقوقنا.. هناك من مرض بالسكر وأصيب بأمراض مختلفة بسبب العمل وليس لديه أي حقوق ولا ضمانات حقوق».

أحد العاملين في القطاع وهو منصف الفطناسي، قال: «منذ عدة سنوات وأنا أسعى لدى السلطات المختصة للحصول على رخصة نقل ريفي، وفي كل جلسة يتم سحب ملفي ووضعه في الأدراج». وأردف: «منذ 1995 قدمت ملفي، وتوجهت إلى وزير النقل والمحافظ والعمادة دون جدوى». واتهم المنصف السلطات في عهد الرئيس المخلوع بن علي بأخذ رشى من المواطنين من أجل الخدمات التي يقدمونها لهم، والذي لا يدفع لا تقضى مطالبه». هناك طلبة كانوا يركبون معي في السيارة، أصبحوا اليوم أصحاب رخص، وما زلت أنتظر». وعن أسباب ذلك أكد أن الأمر يتعلق بالرشى، «إذا كان هناك من يملك 3 آلاف دينار (1500 يورو تقريبا) يدفعها لمن خول أو وسد إليه الأمر فيحصل على رخصة، أنا لا أقدر على ذلك، فإذا كان لديك واسطة ومال تحصل على ما تريد، هذا ما كان عليه الوضع ولا نعرف ما إذا كان هناك شيء قد تغير».

وإلى جانب السائقين يشتكي ملاك سيارات النقل الريفي من تكاليف الأعباء التي يتحملونها، وقال مالك رخصة نقل ريفي، وعضو نقابة اتحاد الصناعة والتجارة، يدعى عماد: «هناك حل لمن قضوا في المهنة أعمارهم ولا يملكون رخصا، ولا يستطيعون القيام بأي عمل آخر لأن الكثير منهم تقدم في السن، ومن الصعوبة أن يقبل به قطاع آخر، وهو أن تدفع السلطات من يملكون رخصا لأكثر من خط سير أن يتنازلوا عن بعض تلك الخطوط للسائقين القدماء في الميدان، وبذلك نحل جانبا كبيرا من المشكلة»، بيد أن آخرين يربطون ذلك بتحرك السلطات ذاتها. ويذكر قائمة طويلة من السائقين العاملين في قطاع النقل الريفي ممن يعتقدون بأنهم أولى بالرخص من الآخرين ومن بينهم «المنصف وعبد الستار الفطناسي، وعمر الخياري، وحسن مستور، ومحفوظ الربعي، والشاذلي الفرحاني، وفوزي السبري، وغيرهم»، وتابع: «نحن نخدم المواطنين بجميع الشرائح، معلمين، وأساتذة، وطلبة، وعمالا، وفلاحين، ومن مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين، وما يربطنا بالزبائن هو هذه المحطة التي تفتقد لأبسط الضرورات. في الصيف نعيش مختلف أشكال المعاناة، دون سقف يظلنا، وعرضة للغبار المنبعث مع كل هبة ريح لغياب التنظيف بالماء، وفي الشتاء نكون عرضة للأمطار، وللحفر المملوءة بالوحل». ويؤكد عماد على أنهم يدفعون أموالا كل ثلاثة أشهر للبلدية، «ندفع للبلدية الضرائب المستحقة ومع ذلك مستعدون للمساهمة في تحسين الخدمات البلدية بالمحطة، من أجل ظروف عمل أفضل، وخدمة المواطنين الذين يعانون من قيظ الصيف وبرد الشتاء». ونفى ما تردده السلطات من وجود إعفاء جبائي للنقل الريفي، «لا نتمتع بأي إعفاء جبائي، مع أن الخدمات التي نسديها إلى بلادنا أكثر من أي قطاع آخر، إلى جانب السعر المشط للمحروقات، فاللتر الواحد من الديزل بأكثر من دينار (أكثر من نصف يورو)، والسيارة مشتراة بأكثر من 50 ألف دينار (نحو 25 ألف يورو)». وأشار عماد إلى التفاوت بين الجهات، معتبرا مناطق الوسط «من المناطق المضطهدة منذ عهد الاحتلال الفرنسي لتونس، وليس منذ الاستقلال، لأنه لم يكن هناك استقلال، ففي الساحل توجد المشاريع الاقتصادية والتنمية، ووسائل النقل هناك تعمل دون انقطاع في حين ننتظر نحن في الباطن الساعات للحصول على نصاب مقبول من الزبائن لإيصاله إلى المدينة، ونعود دون زبائن من هناك»، ومن جملة ما يشتكي منه سائقو سيارات النقل الريفي أيضا مزاحمة النقل العام، «الحافلة التي يخصص لها 39 مقعدا تنقل 150 راكبا، وهذا ليس إجحافا بحقنا، بل خطر على الراكبين أنفسهم».

ويطالب سائقو سيارات النقل الريفي في تونس، ولا سيما خط الباطن، السلطات التونسية بإيلاء الأولوية للعاملين في القطاع، قبل منح تراخيص للآخرين، وتوفير حقوق التقاعد والتأمين على المرض والحماية من البطالة والطرد التعسفي، والتخفيض في أسعار السيارات.