هل يملك الطبيب الفرنسي دوكان العصا السحرية للرشاقة؟

حميته الغذائية التي تجلب له الملايين تقوم على اللحوم وتعتبر الإنسان صيادا بالفطرة

د. بيير دوكان
TT

باريس عاصمة الموضة في كل شيء. وهذا لا ينطبق على الثياب فحسب بل يسري على الطعام والشراب والفنون والأفكار وحتى وصفات الحمية الغذائية. وفي مجال الحمية، أو «الريجيم»، فإن الموضة التي تلتزم بها الفرنسيات، في الآونة الأخيرة، هي وصفة الدكتور بيير دوكان. وبين عشية وضحاها صار هذا الطبيب نجما في الصحافة والتلفزيون وكاتبا بيعت من كتابه الذي يشرح فيه حميته والصادر عن منشورات «فلاماريون» في باريس، ملايين النسخ وترجم إلى تسع لغات في عشرين بلدا، من كوريا إلى روسيا. كما امتلأت الشبكة العنكبوتية بمواقع عنه وعن حميته «السحرية» التي يفقد فيها المرء وزنه الزائد وهو يلتهم اللحوم والطيور والأسماك ومن دون أن يجوع.

يعدك دوكان بأن تفقد 4 كيلوغرامات من وزنك، على الأقل، إذا التزمت بنصائحه ووصفاته الغذائية. ففي سوق عالمية تدور فيها المليارات من البحث عن الرشاقة، سرعان ما يفرخ الكتاب الأول عدة كتب تالية، تنتقل من الشروحات الطبية والنصائح الغذائية إلى الوصفات المطبخية وأسرار الطعام الصحي. وقد بلغ عدد مؤلفات الطبيب الفرنسي 19 كتابا حتى الآن، نافس فيها أطباء التغذية الذين سبقوه إلى هذا الميدان وتفوق عليهم. وهو يقول إن حميته هي ثمرة 30 عاما من العمل والممارسة والملاحظة والتجارب والبحث. فهو ليس طبيبا للتغذية فحسب بل متخصص في مراقبة العادات الشائعة في الطعام. ويسعى دوكان لنوع من العولمة الغذائية التي تعلم الفرد كيفية تناول طعام صحي مهما كانت ثقافته الخاصة وعاداته وجنسه وجنسيته. كما يرى أن مشكلة البدانة المتزايدة بين كل الشعوب سببها العادات الجديدة للإفراط في كل شيء.

يدعوك الدكتور دوكان، قبل كل حمية، إلى التعرف على «شخصيتك الجسمانية» لكي تختار الأسلوب الغذائي المناسب لك. وهو قد عمل بمساعدة 32 طبيبا من زملائه على تحديد أنماط وعادات مختلف الأشخاص، تبعا لأوزانهم، وتوصل الفريق إلى وضع جدول غذائي خصوصي لكل شخص، يساعده على التخلص من وزنه الزائد. وطبعا فإن من يقرأ الخطوط العامة لحمية الدكتور ديكان والتي تركز على تناول البروتينات بشكل أساس، يجد تشابها بين هذه الطريقة وبين «الريجيم» الأميركي الشهير الذي ابتدعه، قبل عقود، الدكتور آيتكنز. ونظرا لتركيز دوكان على اللحوم، انبرى للاختلاف معه عدد من مشاهير أطباء التغذية في فرنسا وخاضوا معه المناظرات الساخنة على شاشة التلفزيون وحذروا من مخاطر حميته، على المدى البعيد. فهل هي خصومة علمية بحتة أم منافسة ضارية على اجتذاب المراجعين إلى العيادات الخاصة وعلى سوق بيع الكتب التي تبشر بالرشاقة والحيوية والجمال؟

يطلق خصوم ديكان على حميته تسمية «ريجيم آكلي اللحوم ومصاصي الدماء». وهي تقوم على عدة مراحل، تبدأ المرحلة الأُولى منها بتناول البروتينات فقط، لمدة 5 إلى 8 أيام، حسب طاقة الشخص على التحمل، مثل اللحوم الخالية من الشحوم والبيض واللبن الرائب المنزوع الدسم وبالمقادير التي يريدها الشخص. وتكون نتيجة هذه الأيام فقدان 3 إلى 5 كيلوغرامات، حسب طبيعة كل شخص. وفي الأيام التالية يسمح بإضافة الخضار ذات اللون الأخضر، بين يوم ويوم، أو يوم بين كل ثلاثة أيام من البروتينات، حسب قدرة الشخص على التحمل. وإذا تمكن من الاستمرار لعدة أسابيع أو أشهر، من دون خروقات، فإنه يفقد الوزن الزائد ويصل إلى هدفه لتبدأ المرحلة الأخيرة التي تسمى مرحلة التثبيت وفيها يسمح للشخص بمقادير معينة من الفاكهة والخبز المصنوع من القمح الكامل والجبنة والحبوب، مع وجبتين حرتين في الأُسبوع، يتناول المرء فيهما كل ما يشتهي. فهل هناك من أصحاب الأوزان الثقيلة من هو مستعد للعيش من دون خبز ولا أرز ولا فواكه لفترات طويلة؟. وما هي نتائج الاقتصار على تناول البروتينات على الصحة، خصوصا على من يعانون من ارتفاع معدلات الكولسترول؟.

تقول دراسة أجرتها الوكالة الوطنية الفرنسية للسلامة الصحية إن لهذه الحمية فوائد ومضارا. وتتلخص الفوائد فيما يلي: فقدان للوزن قد يكون مدهشا منذ الأُسبوع الأول، خصوصا لمن يعانون من سمنة مفرطة. كما أنها تتميز بالسماح لمن يمارسها بتناول اللحوم واللبن الرائب في أي وقت عند الإحساس بالجوع وبالكمية التي يريد. وتقدم هذه الحمية برنامجا زمنيا واضحا وخيارات متعددة من وصفات الطبخ المنشورة في كتب صاحبها، بالإضافة إلى تشجيعها على ممارسة المشي لمدة 20 إلى 30 دقيقة في اليوم والتخلي عن عادة استخدام المصعد.

أما المآخذ على حمية الدكتور دوكان فهي: أن الاقتصار على البروتينات الخالصة في الفترة الأُولى تشعر الشخص بالحرمان والتوتر، عدا عن الإفراط في اللحوم والبيض واللبن قد يكون ضارا للكلى، وبالمقابل فإن حذف الفواكه والخضار المتنوعة قد يتسبب في نقص الفيتامينات والأملاح المفيدة للجسم. كما أن غياب المواد الدهنية يؤدي إلى الإمساك. وقد يشعر من يلتزم بهذه الحمية بالتعب بسبب غياب الكربوهيدرات. وأخيرا فإن هذه الحمية تتطلب إرادة قوية على المدى البعيد لأن الفقدان السريع للوزن قد يجعل من الصعب المحافظة عليه وعدم استعادة الوزن السابق.

وحسب دراسة الوكالة فإن كمية البروتينات التي تسمح بها هذه الحمية تزيد بثلاث إلى أربع مرات على الكميات اللازمة للجسم في حين أن الكربوهيدرات غير كافية. كما أن ما يمنحه اللبن من كالسيوم يزيد مرتين عن حاجة الجسم بينما تقل كمية الألياف، حتى في الأيام التي يسمح فيها بتناول الخضار، بعشر مرات عن اللازم. وبسبب اللحوم فإن كميات الملح تزيد عن تلك التي حددتها منظمة الصحة العالمية، الأمر الذي قد يسبب ارتفاع الضغط الشرياني وأمراض القلب. وأخيرا فإن هذه الحمية لا تغطي حاجة الشخص البالغ من فيتامين «سي».

بماذا يرد الدكتور دوكان على هذه الانتقادات؟ إنه يقول: «بخلاف ما ورد في الدراسة، فإنني أنصح مرضاي، دائما، بإضافة أقل قدر ممكن من الملح إلى الطعام. أما الألياف فإنها موجودة في النخالة وفي الخضار التي يسمح بتناولها بين يوم ويوم. وفي الواقع، يمكن في المرحلتين الأُولى والثانية أن يكون هناك نقص في الفيتامينات. لكنني أنصح مرضاي بتناولها على شكل أقراص. وفيما يخص الدهون فإنني لا أسمح إلا باللحوم الخالية من الشحوم والفقيرة بها، فلا لحم غنم ولا ضلوع ولا لحم خنزير. وأخيرا فإنني الوحيد الذي يقترح أُسلوبا غذائيا يدوم طيلة الحياة».

يحاول دوكان، في حواراته، أن يفلسف طريقته الغذائية ويرجعها إلى أصل الإنسان، الذي كان صيادا يعيش على لحم طرائده. وهو يشير إلى الرسوم الموجودة على جدران الكهوف القديمة والمحفورة على الآثار ويقول إن مغارة «لاسكو» مثلا، التي ترك عليها الإنسان القديم آثاره ورموزه، لا تحمل رسما لأي ثمرة فاكهة بل الكثير من رسوم الحيوانات، حالها حال العديد من آثار الحضارات القديمة في العالم. وهو يكرر أن الاقتصار على تناول البروتينات الخالصة لا يستمر سوى في الأيام الخمسة الأُولى، وهي ليست نهاية العالم. وفي اليوم السادس أسمح بتناول الخضار بأي كمية كانت، يوما من كل يومين. وفي هذه الخضار الكثير من الفيتامينات، كما الفواكه، لكنها لا تحتوي على نفس كمية السكر الموجودة في الفاكهة. إن في الكرنب والفليفلة من فيتامين «سي» ما يفوق ذلك الموجود في البرتقال.

يضيف دوكان ردا على منتقديه أنه يتعامل مع الواقع، وعندما يأتيه مريض محبط أو مريضة مع زيادة في الوزن تتجاوز 25 كيلوغراما فإنه لا يملك سوى التعامل مع معاناته الهائلة ولا يمكنه أن يتحدث معه عن أُمور جانبية مثل الفلور الذي يترسب في الأمعاء أو عن المبيدات التي تدخل في الأغذية أو عن البلاستيك، لأن الكلام على أطعمة غير معدلة وراثيا هو نوع من البطر أو الترف مع شخص يحمل أثقالا على كاهله وقلبه. إن هذا الشخص يريد التحرر من الوزن الزائد، أما إذا استطاع أن يتناول طعاما خاليا من تأثير الأسمدة والمواد الكيمياوية فهذا أفضل. لكن الهدف الأساسي هو إنقاص الوزن.