الكشف عن جينات نوع أشجار النخيل

تساعد في السيطرة على خصائص مثل مقاومة الأمراض وتحسين نوعية ومذاق الثمار

تمتاز التمور بقيمتها الغذائية العالية وفوائدها الطبية العديدة، مما جعلها غذاء متكاملا، حيث تحتوي على العديد من العناصر الغذائية («الشرق الأوسط»)
TT

تعد التمور مصدرا مهما لاقتصاد دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تقوم عليها العديد من الصناعات الغذائية المهمة، كما أنها من السلع الأساسية للملايين في هذه المناطق. والتمور هي ثمار أشجار النخيل، وتقسم إلى ثلاثة أقسام: رطبة، وشبه جافة، وجافة. وتمتاز التمور بقيمتها الغذائية العالية وفوائدها الطبية العديدة، مما جعلها غذاء متكاملا، حيث تحتوي على العديد من العناصر الغذائية، منها السكريات والبروتينات والكربوهيدرات والماء والأملاح المعدنية والفيتامينات والألياف.

وشجرة النخيل تعد من أقدم الأشجار، كما تتحمل درجة الحرارة العالية والجفاف والملوحة وتقاوم البرودة، وهي شجرة مباركة ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من موضع، كما أوصى بها الرسول الكريم، فقال: «أكرموا عمتكم النخلة»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها» أو كما قال.

والنخلة خيرها كثير ودائم، فبخلاف ثمارها، تستخدم أليافها في صناعة الحبال وحشو الأثاث، وجريدها في صناعة الأثاث الخفيف والسلال والأوعية، ونوى التمور في استخراج الزيوت وصناعة الأعلاف، وجذع النخلة في أسقف المنازل وكدعامات. والنخيل من الأشجار ثنائية المسكن وتعني أن الأزهار الذكرية تحمل على شجرة، والأزهار الأنثوية تحمل على شجرة أخرى، ولا تنتج الثمار سوى أشجار النخيل الأنثوية، بينما تنتج الزهور الذكرية حبوب اللقاح، وعادة ينتج زوج من الأشجار الذكرية كمية من حبوب اللقاح تكفي لإخصاب 50 شجرة أنثوية، ولا يمكن للمزارع تحديد نوع جنس النخيل قبل النضوج وهو ما يستغرق من 3 إلى 5 سنوات، كما أن أشجار النخيل من النباتات ذات التركيب الوراثي غير المتجانس، وحيث إن أشجار النخيل ثنائية المسكن فإن ذلك يتطلب إجراء التلقيح الخلطي وذلك بنقل حبوب لقاح الأزهار في الأشجار المذكرة إلى الأزهار في الأشجار المؤنثة. ويمكن الإكثار من أشجار النخيل عن طريق غرس النوى أو الشتلات، وفي حالة غرس النوى يكون نصف الأشجار من النوع الذكري، وفي حالة الشتلات، تكون الأشجار النامية مطابقة للشتلات الأم.

ويعد فهم ومعرفة خصائص المعلومات والبيانات الجينية أو الوراثية الأساسية لشجرة النخيل، من الأمور المهمة للسيطرة والتحكم في صفاتها وخصائصها، مثل نوعية وكمية الثمار من حيث حجمها ولونها ومذاقها ورائحتها ومحتواها وموعد ومعدل نضجها، وكذلك في فهم ومقاومة الأمراض والآفات الخطيرة والظروف البيئية المعاكسة مثل درجات الحرارة العالية والجفاف الشديد والملوحة والبرودة، وذلك بهدف تحسين معايير الجودة الإنتاجية والنوعية للتمور.

وفي خطوة علمية مهمة في الكشف عن نوع أشجار النخيل، تمكن فريق بحثي من كلية طب وايل كورنيل في قطر، من كشف النقاب عن جينات نوع أشجار النخيل، والتي تفيد في التعرف على البذور الإناث في مرحلة مبكرة، الأمر الذي يجعل التكاثر الجنسي (بواسطة البذور) للأشجار أكثر قابلية للتطبيق، ويعد هذا الكشف نقطة انطلاق مهمة ومفيدة في الدراسات الوراثية لأشجار النخيل وفي التنوع الوراثي لنخيل التمر، وكذلك في المساهمة في تحسين نوعية وكمية الثمار والحماية من الأمراض والآفات.

فوفقا لما نشر في 29 مايو (أيار) الماضي على وحدة «نيتشر ميدل إيست» الإلكترونية التي تهتم بالاكتشافات العالمية في الشرق الأوسط وإبرازها على الصعيد العالمي والتابعة للموقع الإلكتروني لمجلة «نيتشر» (الطبيعة) العلمية الأسبوعية البريطانية الشهيرة، تمكن باحثون من كلية طب وايل كورنيل في قطر، من وضع مسودة من جينوم النخيل وتحديد تسلسل الجينات المرتبطة بنوع جنس النخيل، وقد نشرت نتائج البحث على الموقع الإلكتروني لمجلة «نيتشر بيوتكنولوجي» في 29 مايو الماضي.

يقول جويل مالك، الباحث في علم الجينات في كلية طب وايل كورنيل وقائد الفريق البحثي ومدير معمل الجينوم بالكلية: «يوجد العديد من نظم تحديد الجنس في الطبيعة، وتعد النباتات من بين النظم الأكثر تنوعا من حيث الطرق المختلفة لتحديد الجنس، من بينها درجة الحرارة والمواد المغذية وغيرها»، وأضاف: «على غرار نظام كروموسومات (إكس وايXY) في البشر، فإن ذكر النخيل يحدد جنس السلالة، ولكن وبخلاف البشر، فإن كروموسومات الجنس في النخيل غير متجانسة، كما أنها متشابهة جدا في الحجم والمظهر الخارجي تحت الميكروسكوب، وهذا ما يدفعنا لعمل مقارنة في التسلسل الجيني لتحديد موضع وجود الجينات، وهذا يختلف عن البشر، إذ إن كروموسومات (إكس وايXY) كروموسومات مختلفة جدا في الحجم، لدرجة يمكن التفريق بينها بسهولة باستخدام الميكروسكوب». وقال مالك «سوف يستطيع مزارعو النخيل تحديد جنس النخيل من الشتلات، عندما يمكن استخلاص الحمض النووي من الأوراق، وعندما يتم وضع طريقة لاستخراج الحمض النووي من الجنين، وبدون التأثير على سلامة وصلاحية البذور، سوف نكون قادرين على القيام بذلك من مرحلة البذور، وسوف تساعد نسخة مسودة جينوم النخيل في فهم الكثير عن نوع شجرة النخيل».

وقد أوضح الباحثون أن هناك أيضا جينات أخرى مسؤولة عن خصائص مهمة مثل لون الفاكهة والرائحة ووقت النضوج، ونقل المياه داخل النبات ومقاومة الجفاف، وسوف تكون الجينات المسؤولة عن جودة الثمار هي القادمة على جدولهم البحثي، وهذا من بين الأهداف المهمة للمزارعين لتحسين أصناف أشجار النخيل.

وقال الدكتور عبد الوهاب زايد، كبير الخبراء الفنيين ومدير مشروع وحدة دراسات وبحوث تنمية النخيل والتمور في جامعة الإمارات العربية المتحدة وأمين عام جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر، «كونك قادرا على تحديد نوع جنس شتلات النخيل في وقت مبكر من النمو، سوف يكون مفيدا بالفعل، إذ يسمح لمربي النبات باختيار فقط النباتات الذكرية أو الأنثوية ومن دون الحاجة للانتظار عدة سنوات حتى مرحلة النضج، وهذا قد يكون مفيدا عند تربية أشجار النخيل لسمة معينة مثل مقاومة الأمراض، دون إضاعة أي موارد على الأشجار التي لن تستخدم خلال برنامج التربية»، وأضاف أن «تحديد جينات النخيل، سوف يسهم أيضا في توضيح المسارات الأيضية (التمثيل الغذائي) والتفاعلات الحيوية التي تتم في داخل أشجار النخيل».