ألمانيا تدرس مقترحا لجعل التبرع بالأعضاء الحيوية إلزاميا

3 ألمان يموتون يوميا بسبب قلة المتبرعين

صورة دعائية لحملة التبرع
TT

كسب وزير الخارجية السابق وعضو قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، فرانك فالتر شتاينماير (55 سنة) شعبية كبيرة قبل سنة حينما تبرع بكليته إلى زوجته المريضة إلكه بودنبندر. عاشت الزوجة بفضل السياسي المعروف، انتخب شتاينماير رجل عام 2009، وحقق شعبية داخل حزبه قد تؤهله مجددا لمنافسة المستشارة المحافظة أنجيلا ميركل على منصب المستشارية في انتخابات 2014.

ومن حظ إلكه بودنبندر أن حب زوجها قد أنقذها من الموت، والأهم هو أن فصيلة دمه وتفاصيل جسده الحيوية تلاءمت مع زوجته، وإلا لكان عليها أن تنتظر في طابور طويل بانتظار الحصول على كلية. فهناك في ألمانيا، حسب تقارير وزارة الصحة، أكثر من 12 ألف ألماني بانتظار الحصول على عضو حيوي يتم التبرع به ولا يجدون. ويموت 3 منهم يوميا، أي نحو 1000 شخص سنويا، بسبب النقص في التبرع بالأعضاء الحيوية. ويضطر بعض الأثرياء منهم إلى البحث عن متبرعين خارج ألمانيا، وخصوصا في بلدان العالم الثالث، كي يحتفظوا بالأمل في الحياة.

وإذا كان الحصول على كلية أو قلب سهلا فإن الحصول على كبد احتياطية أصعب، وأصعب منها الحصول على نخاع عظم لمعالجة حالات سرطان الدم المتأصلة؛ فنسبة الوفاة بين هؤلاء عالية ليس بسبب نقص المتبرعين فحسب، وإنما بسبب صعوبة الحصول على نخاع عظم لا يلفظه جسد المتلقي.

في محاولة لإيجاد حل لمشكلة نقص التبرعين، ولمنح المرضى المنتظرين في الطابور مزيدا من الأمل، درس البرلمان الألماني (البوندستاغ) قبل أيام قانونا صحيا جديدا يلزم كل مواطن بالتبرع بأعضائه الحيوية السليمة بعد وفاته. وجاء اهتمام البرلمان بالموضوع بمناسبة الإعلان عن يوم 4 يونيو (حزيران) الماضي «يوم ألمانيا للتبرع بالأعضاء الحيوية». وينص القانون على السماح للمستشفيات، والأطباء، باستئصال الأعضاء الحيوية السليمة من جسد المتوفي ما لم يكن قد أعلن تحريريا عدم رغبته المسبقة في التبرع بأعضائه. وينص القانون على أن على أي ألماني، في هذا العمر أو ذاك، في هذا المستشفى أو ذاك، أن يصرح بموقفه من التبرع بأعضائه وإن لمرة واحدة في حياته. ومعروف أن مثل هذا القانون معمول به في المجر وإسبانيا، وفي جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة.

وحسب مقترح القانون الجديد ستجري عملية التبرع مستقبلا كالآتي: يجري توثيق وفاة الإنسان من قبل طبيبين لا علاقة لهما باستئصال الأعضاء ونقلها، وبعدها يجري التأكد من أن المتوفي لم يترك وصية تحريرية صريحة تؤكد رفضه التبرع بأعضائه، يلي ذلك فحص الأعضاء مختبريا للتأكد من صلاحياتها وعدم وجود مرض فيها. ويتولي المعهد الألماني للتبرع بالأعضاء الحيوية (DSO)، بعد أرشفة المعلومات الحيوية (مثل مجموعة الدم) إبلاغ المراكز الألمانية والأوروبية المتخصصة عن توفر مثل هذا العضو الحيوي. بعد استئصال العضو تجري خياطة جسد المتوفي ورعايتها كما يجري ذلك في العمليات الجراحية الاعتيادية. ويجري إبلاغ المتلقي وأهله بتوفر العضو المطابق حيويا للمواصفات وتتم العملية.

وعلى هذا الأساس فإن التبرع بالأعضاء الحيوية في ألمانيا لن يتحدد بسن معينة، ويتم فقط رفض الأعضاء التي تثبت إصابتها بأمراض سرطانية أو بسبب معاناة المريض من «الإيدز»، أما عن حالات بقية الأمراض فيقرر فيها الأطباء المختصون. وهنا تراعي الجهات المسؤولة تعليمات متشددة تقضي بضرورة إنقاذ المريض وبذل كل الجهود لإبقائه على قيد الحياة، وإن كان يحمل هوية يتبرع فيها بعضو من أعضائه.

شتاينماير وصف طابور الانتظار على الأعضاء الحيوية بأنه مخجل، وأن على كل مواطن التفكير في التبرع بأحد من أعضائه السليمة. وأعلن الوزير السابق أنه يؤيد تماما القانون الجديد الذي يحول الألمان كلهم، عدا من يرفض ذلك تحريريا، إلى بنك للأعضاء الحيوية. هذا يعني، في حالة موافقة الاشتراكيين، الذين يمثلهم شتاينماير، على القانون أن يجري إقراره من قبل البرلمان بالقوى الصوتية الكبيرة للحزبين المتنافسين الاشتراكي والديمقراطي المسيحي.

رفض دانييل بار، وزير الصحة من الحزب الليبرالي (الديمقراطي الحر)، المقترح، وربما يقف حزبه إلى جانبه عند التصويت، لكن الشريك الحكومي لأنجيلا ميركل لن ينجح في وقف القرار بحكم عدد أعضائه القليل في «البوندستاغ».

وواقع الحال أن معهد استطلاعات الرأي المعروف «فورسا» أجرى استطلاعا للرأي بين الألمان يشي بأن نسبة 75 في المائة منهم على استعداد، بعد وفاتهم، للتبرع بعضو أو أكثر من أعضائهم الحيوية السليمة. لكن واقع الحال يشير إلى أن 15 في المائة من هؤلاء «المتبرعين» صرح بذلك رسميا ويحمل معه دائما هوية تكشف استعداده للتبرع بأعضائه. وهذه الهوية مهمة جدا عند حصول حادث مفاجئ، لأن عامل الزمن مهم جدا في عمليات استئصال ونقل وحفظ الأعضاء الحيوية، ومن ثم إيصالها إلى المتلقي.

المعارضون للقرار يرون أن الحل قد يؤمنه التطور العلمي السريع الذي يشهده العالم على هذا المستوى. ففي عام 2007 نجح الجراح الألماني أوليفر امون، من العيادة الطبية في جامعة توبنغن (جنوب)، لأول مرة على المستوى العالمي في زرع كلية لشاب تركي (مجموع دم أو) تبرعت بها أمه (مجموعة ب) التي لا تنطبق مجموعتها الدموية مع مجموعته. وأبقى الأطباء خبر المحاولة سرا فترة 4 أشهر للتأكد من نجاح العملية وبقاء الشاب على قيد الحياة.

وهذا ليس كل الجديد الذي اجترحه امون وزملاؤه في العملية التي أجريت في يوليو (تموز) الماضي. فالجراحون لم يزيلوا، ولأول مرة أيضا، الطحال كما هي الحال مع شروط نجاح عمليات الزرع الأخرى. وذكرت مجلة «الطبيب الألماني»، التي نشرت التقرير أن الفضل في نجاح العملية يعود إلى تقنية جديدة وخاصة لترشيح دم المتلقي من الأجسام المضادة لعملية الزرع. فالطحال هو مصدر معظم الأجسام المضادة التي تسبب ظاهرة رفض (لفظ) الجسم البشري للأجسام المزروعة فيه.

ويبدو أن هذه العمليات لا تزال نادرة ومكلفة، كما يعمل الجراح امون على استكمال تقنياتها لضمان عدم حصول أي خطأ. مع ملاحظة أنها قد لا تتغلب على اختلاف مجموعات الدم في كل الحالات، وربما أنها نجحت على أساس تقارب المعطيات البيولوجية بين الأم والابن.

في الوقت ذاته بدأ اتحاد الصيادلة الألمان مبادرة تستبق الأحداث وتحاول سد الثغرة سريعا في سوق الأعضاء. واتفقت 10 آلاف صيدلية ألمانية يوم 9 يونيو 2011 على البدء بحملة لتشجيع الناس على التبرع بأعضائهم ومنحهم هوية بذلك. وشعار الصيدليات متفائل جدا لأن ينتظر الحصول على 7 ملايين متبرع خلال سنة واحدة.

وتبقى طبعا مشكلة كبيرة يمكن للحكومة الألمانية حلها بالتضامن مع وزارات المالية في الولايات، ومع أهالي المرضى. وهي مشكلة من يتحمل تكلفة عملية الاستئصال والنقل والحفظ وحركة سيارات الإسعاف الضرورية.. إلخ. فحسب معطيات المعهد الألماني للتبرع بالأعضاء، فإن 40 في المائة من المستشفيات مستعدة لتحمل هذه التكلفة فقط. هذا يعني أن على الحكومة الألمانية أن تقدم ضمانات مالية للمستشفيات، أو أن تضع قانونا يشمل استئصال الأعضاء وحفظها بالتأمين الصحي العام. ويمكن هنا للمريض، أو أهله، تحمل جزء من التكلفة أيضا.

تم في ألمانيا عام 2010 زرع 205 أعضاء حيوية تبرع بها أشخاص يحملون هوية التبرع، وكان المرضى بحاجة ضرورية إليها للاستمرار في الحياة. وعموما تجرى 4000 عملية زرع أعضاء ناجحة سنويا باستخدام بنوك الأعضاء الحيوية وبالتعاون أوروبيا. وتبرع عام 2010 نحو 2250 شخصا بالكلى، و385 بالقلب، و1114 بالكبد، و290 بالرئة، و155 بالبنكرياس، و11 بالأمعاء الدقيقة. والمجموع عموما هو 4205 أي أكثر بـ17 عضوا عن عام 2009.

على أي حال سيخصص البرلمان الألماني جلسة خاصة يوم 29 يونيو المقبل للاستماع إلى آراء الأطباء والخبراء والمعاهد في موضوع التبرع بالأعضاء. ويحاول البرلمان هنا أن يسرع عملية تمرير القانون الجديد أمام البرلمان، ومن ثم أمام المجلس الاتحادي الذي يجمع البرلمان مع برلمانات الولايات الاتحادية الـ16.