«الرسم بالرمال».. يجتذب الكبار والصغار في مصر

من اللعب الحر على الشاطئ إلى ورش خاصة لتعلم جمالياته

نماذج من أعمال الفنانين («الشرق الأوسط»)
TT

لا يحتاج هذا النوع من الفن إلى فرشاة وألوان، أو إلى معارض فنية تحتضن لوحات فنانيه، فبقليل من حبات الرمال وكثير من الإبداع الممزوج بالخيال، وعلى أنغام الموسيقى، يمكنك أن تنتج لوحة تشكيلية أو قصة متحركة على لوح زجاجي تنتمي لفن «الرسم بالرمال».

بدأ هذا النوع من الفن ينتشر مؤخرا في مصر والدول العربية، وحاليا تقام أول ورش من نوعها لتعليم هذا الرسم للصغار والكبار في مدينة الإسكندرية، بعد أن شهدت القاهرة قبل ستة أشهر ورشة لتعليمه قامت بها فنانة روسية، مما لفت الأنظار إلى هذا الفن.

كما لعبت الشابة العمانية شيماء المغيري، من خلال برنامج «Arab got talent» على قناة «MBC4»، دورا في تسليط الضوء على المواهب العربية التي بدأت تنجذب لهذا الفن، بفضل موهبتها الفريدة في الرسم بالرمال، وهو ما أهلها للمرحلة النهائية من البرنامج، ولفت أنظار لجنة التحكيم والجمهور، حيث عبرت لوحاتها الرملية عن الوضع العربي الراهن.

من الإسكندرية يقول أيمن عبد اللطيف، أحد فناني الرسم بالرمال وصاحب فكرة ورش تعليمه لـ«الشرق الأوسط» «كان من هواياتي في الصغر الذهاب إلى الشاطئ، لكي ألعب بالرمال مما كان يوحي لي بأشكال كثيرة، ودائما ما كانت تلقى هذه المجسمات الرملية إعجاب كثير من المصطافين على الشاطئ، ثم لعبت الصدفة دورا في تطوير هذه الموهبة، فقبل 3 سنوات شاهدت على موقع (يوتيوب) أول فيديو لرسم الرمال وكان على يد الفنانة الأوكرانية كسينيا سيمونوفا، التي تعد أشهر فنانات الرسم بالرمال في العالم، وقد أعجبت للغاية به، وفي نفس اليوم قررت أن أسلك هذا الفن، حيث أستطيع من خلاله أن أوصل رسالة بطريقة إبداعية مبتكرة، ولأجل تعلمه حولت مكانا في بيتي لأدرب نفسي على الرسم بهذه الطريقة لعدم وجود مدرسة لتعليمه في مصر».

يستخدم أيمن الرمال الجافة في رسوماته، كما يستخدم قبضة يديه وأصابعه جميعا في مهارة يستطيع بها تقديم لوحة واحدة أو قصة مسلسلة. ويرى أن الرسم بالرمال هو أقرب للفن التشكيلي، ويضيف «يسمى هذا النوع من الفن، أيضا، باسم فن الرسومات المتحركة بالرمال، لأن الفنان يقوم من خلاله بتقديم فيلم رسومي متحرك، يعبر من خلاله عن فكرة معينة، ويعكس حالة من المشاعر الداخلية، فملمس الزجاج مع الرمال يعطي حرية في التعبير، وهنا يكون الاختلاف في قدرة فنان وآخر في صناعة هذه العروض المتحركة بصورة باهرة».

ويذكر أيمن أن أول عرض قدمه للجمهور كان عرض «مذكراتي أثناء الثورة» بمكتبة الإسكندرية، الذي أوضح للكثير أنه يوجد في مصر من يعمل في هذا المجال. كما شارك مؤخرا في مهرجان شتوتغارت للرسوم المتحركة بألمانيا، حيث أعجب الجمهور الألماني بموهبته، ويبين أيمن أن فناني الرسم بالرمال حول العالم لا يكادون يتعدون أصابع اليد الواحدة، أكثرهم في فرنسا وإيطاليا، موضحا أن أشهر فناني الرمال على مستوى العالم العربي هو الفنان والمخرج الفلسطيني أحمد حبش، الذي بهر العالم بالكثير من أعماله الرائعة، ومنها عرض قدمه في ذكرى رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.

يحلم أيمن من خلال الورش التي يقيمها بأن يسهم في انتشار هذا الفن، لكنه لا يرغب في وجود مدرسة أو أكاديمية لتعليمه «لأن ذلك يعني وجود قواعد وقوانين، وأفضل ما في هذا الفن هو التلقائية دون تعقيدات».

من الإسكندرية إلى القاهرة، يبرز اسم الشاب «مايكل روماني» كأحد فناني الرسم بالرمال، يدرس مايكل الهندسة بجامعة القاهرة، وعلى الرغم من سنوات عمره التي لم تتجاوز 22 عاما، فإنه قدم خلال 3 سنوات من ممارسة الرسم بالرمال 50 عرضا، تنوعت مواضيعها بين قصص رومانسية ومشاهد من الطبيعة المصرية والآثار الفرعونية، وأخير ثورة «25 يناير».

يقول مايكل لـ«الشرق الأوسط» «بدأت الرسم بالرمال منذ عام 2008، وفي الحقيقة، فإنني قمت بتعليم نفسي، فمنذ السادسة وأنا أجيد الرسم باستخدام الورقة والقلم، وظللت لفترة طويلة أرسم هكذا حتى شاهدت يوما مقطع فيديو لفنانة ترسم على الرمال، فأعجبت بهذا الفن كثيرا وبدأت أبحث عن مكان لتعلم قواعده في مصر، لكني للأسف لم أجد، فقررت أن أتعلم بنفسي عن طريق مقاطع الفيديو على الإنترنت لمن يرسمون بهذه الطريقة، وحرصت على التدريب بشكل متواصل، حتى استطعت أن أقدم أول عرض لي في محافظة السويس (شرق القاهرة) وأبهر جميع المتابعين».

ويرى مايكل أن الرسم بالرمال ليس فنا تشكيليا فقط، بل إنه قريب أيضا من فن المسرح، ومن الفن الشعبي المصري، وبخاصة «خيال الظل» الذي يعتمد على تحريك دمى بعصا وراء ستار من القماش الأبيض المسلط عليه الضوء.

وعن خطوات تقديم عرض للرسم بالرمال، يقول «في البداية أقوم بتأليف قصة تبرز الفكرة التي أنوي إيصالها للجمهور، وبعد ذلك أقوم باختيار الموسيقى المصاحبة للعرض، وهذه الخطوة من أصعب الخطوات، حيث يتوقف عليها نجاح العرض أو فشله، والخطوة التالية أحاول التدرب على ضبط سرعتي في الرسم مع إيقاع الموسيقى».

أما عن الشروط الواجب توافرها في فنان الرسم بالرمال فيوضح مايكل «الرسم على الرمال مثله مثل أي فن، فلا بد أن يمتلك الشخص موهبة الرسم، وعليه كذلك أن يتمتع بقوة التركيز والتحكم في الرمال، وذلك يتم بالخبرة، والقدرة على نقل مشاعره الداخلية إلى من حوله، والخيال الواسع الذي يمكنه من بناء قصة للعرض الذي يقدمه، وكذلك اختيار الموسيقى المصاحبة».

وبرأي مايكل فالمعادلة الصعبة في فن الرسم بالرمال هو تحقيق السرعة مع الدقة، وهما العنصران اللذان يختلفان من فنان لآخر، ويعد توافرهما في شخص واحد دليلا على موهبته.

ويبين مايكل أن عروضه يقدمها في ساقية الصاوي الثقافية، ودار الأوبرا المصرية، ومسرح الجمهورية، ومسرح السلام، وفي بعض محافظات مصر، كما سافر إلى لبنان وقدم عروضا في كازينو لبنان ببيروت، لكنه يعتبر أن العرض الأهم من بين كل عروضه بالطبع هو عرض ثورة «25 يناير»، الذي يقول عنه «استطعت أن أرسم بالرمال أحداث الثورة المصرية التي دارت في 18 يوما في 18 دقيقة فقط، لأكون بذلك أول فنان مصري يرسم أحداث ثورة (25 يناير) بهذه الطريقة، وقد أقدمت على ذلك لأن كل مشاعري كانت متأثرة بما يدور من حولي، وقد فزت بهذا العرض بالمركز الأول في مسابقة نظمتها كلية الهندسة في شهر أبريل (نيسان) الماضي».

ولا يخفي مايكل نيته في احتراف الرسم بالرمال، وسيبدأ أولى خطواته لذلك الشهر المقبل، بتحضيره لورشة عمل بالقاهرة لتعليم هذا الفن لكل من يرغب في تعلمه في مصر، حيث يحلم بأن ينتشر هذا الفن النادر في مصر والوطن العربي، وأن تصبح هناك مؤسسة تجمع محبي الرسم بالرمال في مصر.

أما أحمد فرحات، 33 عاما، فهو أحد المهتمين بفن الرمال، وقد خاض ورشة تعليمية في ساقية الصاوي الثقافية، يقول «كنت ضمن مجموعة مكونة من 14 شابا وفتاة أقبلوا على تعلم فن الرسم بالرمال، حيث حصلنا على محاضرات مكثفة من جانب مدربة روسية تتخصص في هذا الفن، وفي الفترة الحالية نحاول تجميع أنفسنا ونقوم بعمل رسم جماعي حتى نتقن هذا الرسم بهذه الطريقة، التي أجدها ممتعة للغاية».