الغولف لعبة الساسة في واشنطن.. تجمع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي

استخدمها أعضاء الكونغرس للتعرف على نقاط ضعف بعضهم البعض

السياسة تختفي في أميركا عند لعب الغولف (ا.ب)
TT

ربما تكون بطولة أميركا المفتوحة رقم 111 أول بطولة في تاريخ الحدث يشارك فيها أربعة شخصيات شهيرة من داخل الكونغرس الأميركي في عطلة نهاية الأسبوع. وفي صبيحة يوم السبت، سيظهر واحد منهم بوصفه قائدا للبطولة المفتوحة في منتصفها ويحاول تحمل كل الضغط الذي ينتظره لاحقا. وفي الوقت نفسه، سيشارك فيها كل من الرئيس أوباما ورئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر.

وسينضم إلى أوباما وبوينر نائب الرئيس بايدن وجون كاسيتش الذي يشترك مع بوينر في كونه من ولاية أوهايو وينتمي إلى الحزب الجمهوري. لك أن تنسى نادي «كونغرشنال كانتري»، الواقع في مدينة بيثيسدا الذي أقيمت فيه ثاني بطولة غولف مهمة هذا العام. ولك أن تغفل البطولة المفتوحة، التي تعتبر رابع بطولة تقام في واشنطن. المهم هنا هو وجود عضوين ديمقراطيين وعضوين جمهوريين في لعبة تجمع بين الحزبين. تلك هي لعبة الغولف في واشنطن.

«دعني أخبرك: إذا كنت شغوفا برياضة الغولف، فمن المذهل كيف تساعد تلك البطولة في تسوية كثير من الخلافات»، هذا ما جاء على لسان السيناتور ليندسي غراهام (عضو جمهوري عن ولاية ساوث كارولينا). وأضاف: «إذا كان في استطاعتك أن تقنع لاعبا طوله 6 أقدام بمساعدتي في اكتساح زملائي، فسأتبنى وجهة نظر مغايرة بشأن سياساتك في نهاية اليوم».

وفي واشنطن أكثر من أي مكان آخر، امتزجت السياسات ولعبة الغولف معا منذ وقت طويل. فقد لعبها الرؤساء، وبعضهم كان مولعا بالفعل بها. وقد استخدمت جماعات الضغط هذه اللعبة في التقرب إلى أعضاء الكونغرس. وقد استخدمها أعضاء الكونغرس في التعرف، بعضهم على بعض، على نقاط ضعفهم. والجميع يقول شيئا واحدا: إذا لعب الأشخاص المسؤولون عن إدارة مجريات الأمور في واشنطن مزيدا من مباريات الغولف معا، ألن يكون العالم مكانا أفضل؟ (عن جد، يعتقد الناس ذلك).

«لأن عددا كبيرا من الساسة من الحزبين اعتادوا لعب الغولف بشكل ودي معا، باتت سياسات واشنطن أقل إثارة للجدل والخلاف في ما بينهم، نظرا لأن هؤلاء الساسة كانوا أصدقاء يلعبون لعبة تتطلب منهم الالتزام بقيم معينة»، هكذا تحدث دين بيمان، من سكان واشنطن الأصليين الذي فاز ببطولة الهواة مرتين والذي كان مسؤولا بمؤسسة «بي جي إيه تور» منذ 1974 إلى 1994. وأضاف: «باتت الأمور محل جدال. لكنني لا أعتقد أن العداء الشخصي الذي تراه أو صور الهجوم الشخصية التي تلاحظها كانت موجودة من قبل. أرى أن لعبة الغولف كان لها دور مهم حينها، لأنها كانت تجعلهم يديرون ظهورهم لأمور السياسة ويركزون على ملعب الغولف».

لقد فاز فراكلين روزفلت مرة برهان على أنه يمكنه قذف كرة غولف لمسافة 300 ياردة، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى انتظاره حتى حلول الشتاء، ثم تصويبها نحو بركة متجمدة. ولعب وودرو ويلسون الغولف باستخدام كرات غولف ملونة (تقول بعض الروايات إنها حمراء، في حين تشير أخرى إلى أنها كانت سوداء) في الشتاء. ولعب دوايت أيزنهاور أكثر من 100 مباراة سنويا إبان فترة تقلده منصب رئيس الولايات المتحدة الذي ظل فيه لمدة 8 سنوات. ولعب جورج دبليو بوش في إحدى المرات في ملعب به 18 حفرة لمدة ساعة و25 دقيقة. ويذكر أن جون كينيدي قام بجز العشب في عزبته بولاية فيرجينيا لإقامة ملعب غولف مؤقت.

بيد أن هناك قصصا عن شغف الرؤساء الأميركيين منذ بداية التسعينات من القرن الماضي بلعبة الغولف. وآخر هذه القصص: في صباح يوم 1 مايو (أيار)، توجه الرئيس أوباما إلى ملعب الغولف بقاعدة «آندروز» الجوية، الواقعة على أطراف واشنطن، وكان الطقس باردا بعض الشيء، مع سقوط أمطار خفيفة، وتوقف أوباما، الذي اعتاد أن يحاول تسديد الكرة في 18 حفرة صباح أيام الآحاد، عن اللعب. وكان يرتدي حذاء الغولف وهو يسير على العشب في البيت الأبيض متجها إلى المكتب البيضاوي، لحضور اجتماع بالغ الأهمية مع مسؤولين من إدارته ومن فريق الأمن القومي ووزارة الدفاع. وقبل ذلك بيومين، كان أوباما قد صدق على عملية لقتل أسامة بن لادن.

قال عضو الكونغرس الديمقراطي جيم كليبورن (ممثل ولاية ساوث كارولينا): «لم أندهش على الإطلاق حينما اكتشفت أن الرئيس قد منح أربعة خيارات للتعامل مع بن لادن وانتقى أكثرها خطورة. فقد لعبت الغولف معه».

كيف يمكن إذن الربط بالأساس بين اقتفاء أثر أكثر رجل مطلوب في العالم والاستمتاع بمباراة غولف في جزيرة مارثاز فينيارد؛ حيث لعب كل من كليبورن وأوباما أثناء إجازة الرئيس العام الماضي؟

قال كليبورن: «أكثر الأمور المرعبة بالنسبة لأي لاعب غولف هاو هو أن تكون هناك مصيدة رملية». وأضاف: «لاعبو الغولف المحترفون يلعبون في وجود مصايد رملية من دون كثير من التفكير. أما نحن، فبوصفنا لاعبي غولف هواة، نصاب بالرعب من المصايد الرملية. وقد اعترضت الرئيس أوباما خمس أو ست مصايد رملية حينما كنا نلعب. وتمكن من إصابتها كلها بنجاح».

«كان الأمر مذهلا بالنسبة لي. وكان مرجعه بدرجة كبيرة إلى ثقته بنفسه وثقته بتسديداته. لقد فعل كل شيء بالطريقة المفترض أن يتم بها. وتخيلته (حينما سمعت عن العملية الموجهة لقتل بن لادن) يواجه مصيدة رملية في مباراة غولف».

هناك صور لرؤساء يقذفون الرمية الأولى في مباريات فريق البيسبول «واشنطن سيناتورز»، وقام أوباما وجورج دبليو بوش بذلك في مباريات فريق البيسبول «واشنطن ناشيونالز». وكان ريتشارد نيكسون من أشد المعجبين بفريق كرة القدم «ريد سكينز» إلى حد أن هناك روايات تدعي أنه قد نظم مباريات كرة قدم، وأبرز الصور المجسدة لحياة كيندي مع أسرته كانت في مباريات كرة قدم مثيرة في كيب كود. ولكن لم تجذب أية رياضة هذا العدد الكبير من الرؤساء بقدر ما جذبتهم رياضة الغولف. فنادي «كونغرشنال» وحده يتباهى بخمسة رؤساء سابقين (هم هربرت هوفر وويليام هيوارد تافت وودرو ويلسون ووارين جي هاردينغ وكالفين كوليدج) كأعضاء مؤسسين دائمين، مع أن هوفر لم يكن لاعبا. ويضعه هذا في مجموعة أخرى تضم رؤساء منذ نهاية القرن العشرين: فقط لم يكن هوفر وهاري ترومان وجيمي كارتر لاعبي غولف، مع أنه لم يكن كل من لعبوا الغولف مفتونين بها. وقدم ويلسون وصفا شهيرا لرياضة الغولف، وهو أنها «محاولة غير مثمرة لوضع كرة مراوغة في حفرة بعيدة غير ظاهرة مع عدم تهيئة الوسائل بالصورة المطلوبة لتحقيق ذلك الهدف»، وهو قول تكرر بعد ذلك عدة مرات في سياقات مختلفة.

«لعب الغولف مع رؤساء أميركا هو مستوى ممتاز في اللعب»، هكذا قال الممثل الكوميدي الراحل بوب هوب، الذي كان شغوفا بالغولف والذي لعب مع العديد من الرؤساء الأميركيين. وأضاف: «الطريقة التي يتعامل بها رئيس مع مصيدة رملية لهي مؤشر جيد على رد فعله في حالات الطوارئ، وأثبتت بعض خطاباتهم ذلك».

وعلى الرغم من أن تافت كان أول رئيس عاشق لرياضة الغولف، فإنه لم يقدم أي رئيس للعبة الغولف ما قدمه لها دوايت أيزنهاور؛ فهو لم يجعل من المقبول أن يلعب أحد قادة العالم الحر الغولف فحسب، وإنما أيضا أن يلعبها بانتظام.

«كونك رئيسا ليس أمرا هينا على الإطلاق»، هكذا قال بيمان المسؤول بمؤسسة «بي جي إيه تورز» الذي لعب عدة مباريات غولف مع أيزنهاور، بداية من مرحلة المراهقة في نادي «بيرنينغ تري» (ناد للرجال في بيثيسدا). وأضاف: «لكن أيزنهاور كان يواجه كل يوم حقيقة تعريضه آلاف القوات للموت، وكان منشغلا بوضع الاستراتيجيات والتكتيكات. إنني فقط لا أعتقد أن مهمة الرئاسة كانت تتطلب منه جهدا مضنيا بشكل يومي، لذلك لعب كثيرا من مباريات الغولف».

يعتبر أيزنهاور واحدا من رئيسين انضما إلى قاعة مشاهير الغولف «غولف هول أوف فيم»، كما أن عربة الغولف خاصته معروضة في القاعة الكائنة في منطقة سانت أوغسطين في ولاية فلوريدا. أما الرئيس الثاني، فهو جورج دبليو بوش، الذي تم ضمه للقاعة في مايو (أيار). وكان جده، جورج هربرت ووكر، رئيسا للجمعية الأميركية للغولف، وسميت بطولة «ووكر كاب» – النسخة الموجهة للهواة من بطولة «رايدر كاب» – بهذا الاسم نسبة له. وتعلم بوش قواعد اللعبة من أبيه، الذي رأس أيضا الجمعية الأميركية للغولف، واكتسب مستوى كافيا من المهارة في اللعبة إلى حد أنه فاز ببطولة نادي «كيب أورندل»، التي كانت تقام بمنزل عائلة بوش الذي يقضون فيه فترة الصيف في كينيبنكبورت بولاية مين، عام 1947. ولم تكن هناك رمية أو مهارة معينة جعلت من بوش لاعب غولف ممتازا، بل كان السبب في ذلك السرعة التي كان يلعب بها. «عليك أن ترتدي حذاء مرززا عندما تلعب معه»، هذا ما قاله هيل إروين الفائز ببطولة أميركا المفتوحة للغولف ثلاث مرات. وربما يكون هذا ما جعل مباراة 15 فبراير (شباط) أصعب مباراة لعبها بوش على الإطلاق.

«إلى الأمام!»، كانت أول كلمة تفوه بها جيرالد فورد ذلك اليوم، عندما وجه تسديدته الأولى في نادي «إنديان ويلز» في بالم سبرينغز في ولاية كاليفورنيا. وكان اثنان من شركائه في اللعب هما بوش وبيل كلينتون ينظران إليه، كانت تلك هي المرة الأولى التي يشارك فيها ثلاثة رؤساء - يجمعون بين الماضي والحاضر – معا في مباراة غولف. وقد هزأت روايات لأشخاص حضروا المباراة، التي نظمها هوب الذي كان عمره وقتها 91 عاما، بالرجال الثلاثة.

وجاء في الصفحة الأولى بصحيفة «واشنطن بوست»: «مع ارتفاع الكرات عاليا في كل مكان، باتت النزهة التي أعلن عنها بوصفها تاريخية بمثابة رحلة منهكة بكل ما تحمله الكلمة من معنى».

قال كورتيس سترينج، الفائز ببطولة أميركا المفتوحة مرتين: «إذا كنت تلعب خلفهم، ليس لك أن تطلب من المسؤول عن المباراة أن يأمرهم بزيادة سرعتهم، إنهم ثلاثة رؤساء».ومع نهاية اليوم، كان كلينتون قد سجل 92 نقطة، وبوش 93 نقطة، وفورد 100 نقطة. وكان الأمر الجدير بالذكر أن بوش أرسل امرأة إلى المستشفى بعد أن ارتدت إحدى رمياته بعد ارتطامها بشجرة وأصابت قصبة أنفها، وكانت واحدة من اثنين من المتفرجين أصابهما بوش بتسديدته، كما أصاب فورد رجلا أيضا.

* خدمة «واشنطن بوست»