«مهرجان الأفلام الممنوعة» فرصة قد لا تتكرر في بيروت

أسباب الحظر متنوعة ويسمح بالعرض في أماكن محدودة

فيلم «غناء العروسين»
TT

أخيرا، سيتمكن اللبنانيون من مشاهدة الأفلام التي حرمتهم منها الرقابة خلال السنتين الأخيرتين. وسيقام لهذه الأفلام مهرجان خاص يحمل اسم «مهرجان الأفلام الممنوعة» يتمكن خلاله المتفرجون من رؤية ما كانوا قد سمعوا عنه كثيرا وقرأوا دون أن يتمكنوا من معرفة مضمونه، وذلك بدءا من الأربعاء المقبل وحتى يوم الأحد 26 يونيو (حزيران) في سينما «بلانيت أبراج» في بيروت، وبوتيرة فيلمين كل يوم، لمن هم فوق الثامنة عشرة من العمر.

تعبر كوليت نوفل مديرة «مهرجان بيروت الدولي للسينما» التي كانت وراء هذا الإنجاز، عن سعادتها، واصفة المهرجان بأنه «صغير يتضمن خمسة أفلام فقط، لكنه مهم ولا بد أن يجتذب الكثير من المتفرجين الذين سيدفعهم فضولهم لاكتشاف ما اعتبرته الرقابة محظورا».

وتستغرب نوفل لأنها تنظم أحد المهرجانات السينمائية الأساسية في بيروت منذ عام 1997، ومع ذلك لم تعترض الرقابة على أي من الأفلام المعروضة منذ ذلك التاريخ، لكن شيئا ما تغير في السنتين الماضيتين، حيث منعت هذه الأفلام الخمسة من العرض. وأثار منع الفيلم اللبناني «شو صار» لمخرجه ديغول عيد، ضجة كبيرة العام الماضي، وامتثل المهرجان لقرار الرقابة بعدم عرضه في الصالة، لكنه شوهد من قبل لجنة التحكيم ونال جائزة، مما أثار غضب الجمهور الذي طالب بحقه في مشاهدة فيلم حصل على رضا اللجنة، وترافق غضب الجمهور مع حملة إعلامية واسعة، لا بد أنها وصلت بقوة إلى مسامع المسؤولين.

والمخرج ديغول عيد صور في هذا الفيلم رحلة بحثه عن قاتل عائلته، في مجزرة شهدها بأم عينيه حين كان في العاشرة من عمره، وغادر لبنان وهو في التاسعة عشرة، ليعود إليه بعد ما قارب عشرين سنة، محاولا إعادة تركيب ما حصل. وأثناء التصوير في قريته في منطقة عكار، صادف أن وقع المخرج على أحد القتلة، فواصل التصوير، وهو يقول له: «هل عرفتني؟». طبعا لم يعرف القاتل ابن الضحية، فما كان من المخرج إلا أن أضاف من وراء الكاميرا: «أنت الذي قتلت أمي». منعت الرقابة الفيلم لأنه يوجه أصابع الاتهام إلى حزب سياسي، معتبرة أنه «يثير النعرات».

تروي كوليت نوفل أن الرقابة كانت قد سمحت بعرض الفيلم في المهرجان، شرط حذف بعض المشاهد، وهو ما لا يوافق عليه أي مخرج. لكن بعد انتهاء المهرجان، وتحت تأثير الضجة، شكل رئيس الوزراء السابق سعد الحريري لجنة خاصة للنظر في الأفلام الممنوعة، وعرض عليها فيلم «شو صار»، فأعطت رخصة بعرضه. وتضيف نوفل: «عندها خطر لي، كيف أعرض هذا الفيلم وحده وأين، ما دامت الرخصة أعطيت لعرضه خلال المهرجان فقط، عندها أخرجت الأفلام الممنوعة الأربعة الأخرى وعرضتها على اللجنة، فوافقت أيضا. وبالتالي صار بمقدوري أن أقول إننا أمام مجموعة من الأفلام التي تستحق مهرجانا صغيرا».

وإذا كان فيلم «شو صار» قد منع لحساسيات داخلية لبنانية قد يثيرها، فإن منع الأفلام الأخرى يثير الاستغراب، لا سيما فيلم المخرجة الإيرانية هانا مخملباف «الأيام الخضراء»، وهو وثائقي يصور مظاهرات إيران بعد انتخابات عام 2009. وتروي نوفل، أن موعد المهرجان صادف وقوعه مع زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان، لذلك طلب منها عدم عرضه، قبل مغادرة نجاد الأراضي اللبنانية. وبما أنه لم يغادر إلا مع نهاية المهرجان فقد أصبح العرض مستحيلا. وتقول: «الموقف لم يكن مفهوما لأن مشاهد المظاهرات في إيران موجودة بشكل كثيف على (يوتيوب)، والفيلم لا يختلف كثيرا عنها!».

الفيلم الثالث الذي كانت قد منعته الرقابة وسيكتشفه الجمهور أخيرا هو «غناء العروسين» للمخرجة الفرنسية من أصل جزائري كارين البو، الذي تدور أحداثه في تونس أثناء الحرب العالمية الثانية، ويعرض لعلاقة المسلمين باليهود في تلك الفترة من خلال فتاتين هما نور وميريام اللتان تعيشان في حي يجمع مسلمين ويهودا. وتعلق نوفل قائلة: «كم من فيلم رأيناه عن علاقة المسلمين باليهود في تلك الحقبة! ولماذا يشكل عرض مثل هذا الفيلم مشكلة اليوم؟!».

رغم الموافقة التي أعطيت للأفلام، فإن اللجنة - حسب ما تروي نوفل - عادت وطلبت نسخة من فيلم مخملباف مرة أخرى مؤخرا للنظر فيه، «وهو ما جعلنا مرة أخرى نعيش على أعصابنا، لكن لحسن الحظ لم يتراجعوا».

الفيلمان الآخران الممنوعان، يثير حظرهما الغرابة بالفعل، وهما «غوساتازا دا ليبيانو» و«كونفورتوريو» للمخرج الإيطالي باولو بينفينوتي المعروف بأعماله ذات المنحى الديني التاريخي. في الفيلم الأول غوساتازا هي امرأة راهبة توسكانية ستينية، اتهمت بأنها ساحرة، وأنها مسكونة بالشياطين فقتلتها الكنيسة. والفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية دارت أحداثها في القرن السادس عشر. أما الفيلم الثاني للمخرج بينفينوتي الذي تم حظره، فهو عن لصين يهوديين تعود حكايتهما إلى القرن الثامن عشر، سجنا وعذبا لإرغامهما على اعتناق المسيحية، والتخلي عن دينهما، لكنهما قاوما التعذيب ورفضا الخضوع.

وعادة ما تعرض الأفلام التي يمكن أن تمس مشاعر أي طائفة، على الجهة الدينية المعنية. ويبدو أن هذين الفيلمين لم يروقا للمرجعية المسيحية. وهنا تشرح نوفل «إن الشريطين ذهبا إلى الرقابة حينها، وأرسلا إلى المطار لتسفيرهما فورا وترحيلهما من لبنان». وهو موقف غير مفهوم أيضا، إذ إن الكنيسة المسيحية تغيرت رؤيتها للأمور، ولم تعد كما كانت عليه في القرون الوسطى، وبالتالي فإن استعادة التاريخ أو جزء منه، من المفترض ألا تشكل أي خطر على الحاضر، أو تثير حساسيات المتفرجين.

«الإفراج عن هذه الأفلام لعرضها خلال مهرجانات، وفي أطر أكاديمية وثقافية محدودة، لا يفي بالغرض، لأنها لن تصل إلى الناس أجمعين»، بحسب كوليت نوفل. وما تطالب به اليوم، وهي تعد العدة لـ«مهرجان بيروت الدولي للسينما» في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أن ينتهي لبنان من مرض الرقابة، وأن يتم الاهتمام بدلا من منع الأفلام، بتصنيفها، تبعا للأعمار. فهناك ما يناسب الصغار، وما يجب أن يكون للكبار فقط كما في كل دول العالم، مستغربة «كيف للبنان أن يبقى قابعا في دائرة ضيقة، فيما الدول التي حوله تتحرر؟!».