باعة الصحف في تونس: حرية أكبر ومبيعات متواضعة

سي عبد الرزاق الكسرواي: النخبة هي التي تشتري «الشرق الأوسط»

عبد الرزاق الكسرواي مع أحد الزبائن وهو يتصفح «الشرق الأوسط»
TT

شهدت تونس بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) حالة من الانفتاح الإعلامي، لم تعرفه البلاد من قبل، ففي عهد الاحتلال الفرنسي، كان هناك 23 صحيفة، قلصها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة إلى 4 صحف فقط، «تسبح بحمده» على حد قول الأكاديمي البارز، عبد العزيز التميمي. وفي فترة الثمانينات شهدت تونس عناوين جديدة للمعارضة، تعرضت بدورها للمصادرة والمنع والمضايقات المستمرة، لكن ذلك المنع زاد من شعبية تلك الصحف وأصحابها، حتى ظهرت الإنترنت، والتي تعرضت بدورها لعملية قمع متواصلة في عهد بن علي، وأصبح التونسيون يتندرون على عملية حجب المواقع الإلكترونية بمقولة «عمار 404». ولم يكن اسم عمار الذي يحمل معنى ساخرا، ويعطي للحقائق وصفا مقلوبا، سوى الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

لا يكتفي باعة الصحف في تونس بما تعود به عليهم تجارتهم من مردود مادي، بل يبيعون أيضا أشياء أخرى كالسجائر، والشوكولاته، والحلوى، والبسكويت وما شابه، أو يضعون آلات تصوير وتغليف وثائق لزيادة دخلهم اليومي.

بعد الثورة غزت العناوين القديمة والجديدة محلات بيع الصحف المنتشرة في تونس، حتى تجاوزت 88 عنوانا بعضها سلك طريقه إلى القراء وكسب شعبية، وبعضها لا يزال يبحث عن زبائن في السوق. فماذا يقول باعة الصحف ونقاط التوزيع عن الوضع الإعلامي الجديد في تونس؟ قال موزع وصاحب محل لبيع الصحف عبد الرحمن الفريقي (56 سنة) لـ«الشرق الأوسط»»: «بدأت أعمل مع الوالد في بيع الصحف منذ 1969 أي منذ كان عمري 13 سنة».

ويرى عبد الرحمن أن مردود مبيعات الصحف على نقاط التوزيع مجز مرددا باللهجة التونسية «باهي والحمد لله» كما أن «الإقبال على شراء الصحف أكثر من ذي قبل، ولا سيما ما بعد الثورة» وحول ما إذا كان المواطن التونسي قد استرجع الثقة في الصحافة أفاد بأن «الصحافة في السابق لم تكن تتمتع بالحرية الكافية وكانت التعليمات تأتيها من فوق، أما اليوم فهي حرة تكتب بحرية» ويستدرك «الحرية تعيش تسيبا وليست مسؤولة كما يجب». وعما إذا كان شخصيا يقرأ الصحف أفاد «أنظر في العناوين وأتابع بعض المقالات القصيرة التي يشدني إليها العنوان».

وحول الجرائد الأكثر انتشارا في تونس بعد الأسماء الكثيرة التي ظهرت مؤخرا على الساحة الإعلامية قال عبد الرحمن «الأكثر مبيعا، (الشروق)، و(الصريح)، التي كانت أسبوعية، وكانت من صحف الموالاة، واحتفاظها بزخمها لكونها متنوعة وشاملة». ولا يعرف عبد الرحمن بالتحديد مستقبل الصحافة الورقية بعد أن زحفت الإنترنت على مساحات من الحيز الذي كانت تغطيه الصحف. «الصحافة الورقية لا تزال تلقى رواجا، ولكني أعتقد مع الوقت ستتقلص كثيرا».

ويوافق العم يوسف الدعلوش (78 سنة) عبد الرحمن في أن أكثر الجرائد مبيعا، هي «(الشروق)، و(الصريح)، و(الأنوار)، و(أخبار الجمهورية)، و(الأخبار) وغيرها». وعما إذا كان يقرأ الجرائد قال «كنت أقرأ في السابق، أما الآن فضعف بصري يمنعني من متابعتها بشكل جيد» ولم يكن ذلك سوى محاولة للتهرب من الإجابة، حيث رفض في البداية أي حديث لوسائل الإعلام. وذكر العم يوسف أن «ما بعد الثورة هناك صراحة أكثر، ويستطيع الصحافي أن يقول ما يريد، أما في السابق فكان لا يستطيع أن يكتب أو يقول ما يمكن أن يؤاخذ عليه» وتابع «وحتى إذا تسرب مقال أو خبر لا يعجب النظام السابق، تقوم السلطات عن طريق البوليس بمصادرتها». وفي رده على سؤال بخصوص من يشتري الجرائد أكثر، الكهول والشيوخ أم الشباب أكد على أن «الشباب يشتري في المرتبة الأولى لا لشيء سوى أنه مغرم بالرياضة أكثر، ولا سيما كرة القدم، أما السياسة فيتابعها الجميع». ويقول بأن «الرجال يشترون الصحف أكثر من النساء لأن الرجال تعودوا على ذلك، بينما اهتمامات النساء في الغالب مختلفة».

صاحب محل لبيع الصحف من بينها «الشرق الأوسط» سي عبد الرزاق الكسرواي، يقول بأنه يمارس هذا العمل منذ 29 سنة. ويرى أن الوضع حاليا أفضل من السابق، أو باللهجة التونسية «خارق للعادة» وعن تقييمه لوضع التوزيع قال: «الآن هناك حرية أكبر، ولها نتائج إيجابية على الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي». وعن كم الجرائد الهائل في السوق التونسية، وكيف يختار القارئ صحيفته أبرز الكسرواي أن «هناك من يختار صحيفته لأسباب ذاتية، حزبية أو غيرها، وهناك من يختار حسب الموضوع الذي يريد متابعته، وهناك من يشده عنوان في صحيفة فيشتريها، أو علمه بأن موضوعا ما أو قضية ما تطرقت إليها صحيفة من الصحف فيشتريها لأن الموضوع يهمه» ويضيف الكسرواي «جريدة (الفجر) التي عاودت الصدور بعد الثورة من الصحف الأكثر مبيعا في تونس، إلى جانب، (حقائق)، و(الصباح)، و(الشرق الأوسط)، والصحف الفرنسية (لوموند)، و(لوفيغارو)، و(ليبراسيون)، وغيرها. وهناك نخبة تتابع هذه الجرائد».

وحول، «الشرق الأوسط»، يرى سي عبد الرزاق أن «أشخاصا يشترونها حسب المواد المنشورة على الإنترنت، وكما هناك من يشتريها بشكل يومي بقطع النظر عن المحتوى» وأردف «هناك أناس يشترون، صحيفة (الشرق الأوسط)». وعن مستقبل بيع الجرائد كما يراه أوضح سي عبد الرزاق بأنه «إذا كثرت أعداد الجرائد قلت المبيعات، فالقارئ يضيع بين العناوين المختلفة، ومبيعات المجلات تقلصت بشكل كبير». ويختلف سي عبد الرزاق مع البعض في تقييم صحف جانب من المعارضة «كثير من صحف المعارضة قلت شعبيتها، عما كانت عليه قبل الثورة، فقد كان هناك إقبال كبير على هذه الصحف من قبل، ولكن ذلك الإقبال تراجع كثيرا ومن الصحف التي تراجعت كثيرا، صحيفة (الموقف)، و(الطريق الجديد)». وعن تأثير الإنترنت، رد بلهفة وبلهجة تونسية غير مفهومة للآخرين «أبوي أبوي هي الأولى» بمعنى أن الإنترنت سحبت أعدادا كبيرة من القراء على حساب الصحف الورقية. ويضيف «القارئ يجد الصحيفة على الإنترنت فما الذي يدفعه لشرائها، وحتى المواد التي يقال إنها لا توجد سوى على الطبعة الورقية يضحي بها من أجل المواد الموجودة بالمجان أو يبحث عنها بنفس الطريقة في مصادر أخرى».

رضا الذويبي، يقيم عملية بيع الجرائد بأن العناوين السابقة التي تلقى رواجا، أكثر من العناوين الجديدة «جرائد المعارضة في السابق كانت تباع أكثر من الوقت الحالي، أما اليوم فإن الجرائد التي تلقى رواجا هي (الشروق)، و(الصريح)، و(الصباح)، وبعض الجرائد الأخرى». وعن تفسيره لذلك قال: «التونسي لا يزال في مرحلة البحث عن ثقة، لذلك غالبية الزبائن ظلت على عادتها القديمة إلى جانب متابعة أخبار الرياضة وهو سلوك تحول إلى إدمان من قبل البعض». ويضيف «إذا كان هناك حدث ما يشغل الرأي العام تشترى الجريدة التي تغطيه، وهناك اهتمام بالمناقصات» وهذا من أسرار مبيعات «الشروق». ويرى أن «النساء يهتممن بالمجلات في الغالب لاحتوائها على الصور الملونة».

الإعلامي ومدير تحرير جريدة «الفجر»، التي صودرت في العهد السابق، وعاودت الصدور بعد الثورة، محمد الفراتي، قال في حديث جانبي مع «الشرق الأوسط» إنهم راضون عن المبيعات «مقارنة مع الآخرين نحن نحمد الله» وتابع «هناك نسخ تعود لأننا نطبع بكميات كبيرة، وفي المقابل توجد صحيفة تطبع 10 آلاف فقط ولكنها لا تبيع سوى عدد قليل جدا من النسخ».

صحيفة «الشروق» كتبت على صفحتها الأولى «الأكثر مبيعا في تونس» و«الصباح» لديها ملحق تحت عنوان «الأسبوعي» ورغم الكم الهائل من الصحف، والوضع الاقتصادي الصعب الذي يجعل أولويات التونسي الخبز وليس الخبر، فإن الكثيرين ينتظرون الإذن القانوني بإصدار صحف جديدة.