أمر مفاجئ للغاية أعلنت عنه، صباح أمس، كوليت نوفل التي تنظم «مهرجان الأفلام الممنوعة»، ويبدأ أعماله يوم الأربعاء 22 من الشهر الحالي في بيروت؛ إذ بعد أن كان المهرجان الذي ينظم بموافقة الرقابة اللبنانية، قد وزع برنامجه المتضمن خمسة أفلام بينها فيلم لبناني، وآخر وثائقي إيراني، وفيلم فرنسي - جزائري، وآخران إيطاليان، عاد الأمن العام اللبناني صباح أمس (أي قبل يومين فقط من بدء المهرجان) ليبلغ نوفل بأنه سحب إجازة عرض الفيلم الإيراني «الأيام الخضر»، وبالتالي فإنها مضطرة لإقامة مهرجانها بأربعة أفلام فقط.
هذا المنع الذي قد يبدو عاديا في أي بلد عربي لن يمر بسهولة، على الأرجح، في لبنان، لأسباب كثيرة، أهمها أن إجازة عرض الفيلم جاءت منذ عشرة أيام، أي بينما كانت حكومة الرئيس سعد الحريري، لا تزال في مرحلة تصريف الأعمال. أما سحب الإجازة ومنع عرض الفيلم الإيراني الوثائقي الذي يصور المظاهرات التي صاحبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009، وما رافقها من أحداث، فيأتي بعد أيام فقط من تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، التي يصفها فريق 14 آذار بأنها «حكومة حزب الله».
وبالتالي فإن منع هذا الفيلم، في بلد غالبا ما تثور ثائرة المثقفين فيه، ويعلو صوتهم بقوة، حين تتدخل الرقابة لمنع أي عمل لأسباب سياسية أو دينية أو حتى اجتماعية، لن ينظر إليه بعين الرضا. وإذ بدا أن الوزراء الجدد كانوا مشغولين بالأمس ببداية تسلم مهامهم، لم نتمكن من معرفة سبب المنع أو الجهة التي تقف وراءه.
وقال مدير عام وزارة الثقافة، الدكتور عمر حلبلب لـ«الشرق الأوسط»: «إن وزارة الثقافة في لبنان غير مخولة بمنع أو السماح بأي فيلم، وإن الأمر يعود إلى المديرية العامة للأمن العام التابعة لوزارة الداخلية».
وجدير بالذكر أن الحكومة السابقة، وتفاديا لمثل هذه المطبات، كانت قد شكلت لجنة تشارك فيها عدة وزارات، الهدف منها النظر في المنتج الثقافي وإجازته. وكان ثمة رغبة في الحكومة السابقة عند وزيري الإعلام، طارق متري، والداخلية، زياد بارود، بإلغاء الرقابة فعليا، وتحرير الحياة الثقافية اللبنانية منها، وهو ما جعل ولادة اللجنة ممكنة ومتفق عليه.
لكن مدير عام وزارة الثقافة بالأمس قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يعلم ما هو مصير هذه اللجنة بعد تشكيل الحكومة الجديدة، لأن وزارة الثقافة غير ممثلة فيها من الأساس». وفكرة «مهرجان الأفلام الممنوعة» ولدت بفضل هذه اللجنة التي كانت قد أعادت النظر في أفلام منعت الرقابة عرضها في «مهرجان بيروت السينمائي الدولي» العامين الماضيين، وسمحت اللجنة بعرض هذه الأفلام في أطر محددة. وهو ما دفع بمديرة المهرجان، لأن تحتفي بالأمر، وتنظم له مهرجانا خاصا.
ومع تشكل الحكومة الجديدة، كانت نوفل قد شعرت بمخاوف جديدة تراودها، لكنها ظنت أن الوزراء الجدد عندهم من المشاغل مع بدء تسلم عملهم ما يكفي، كي ينشغلوا عن بضعة أفلام تعرض في مهرجان جمهوره محدود العدد.
لكن للأسف تروي نوفل لـ«الشرق الأوسط» أن الأمن العام اللبناني اتصل بها يوم أمس، واعتذر وهو يعلمها بأنه تم سحب رخصة الفيلم الإيراني، ولم يعد بإمكانها عرضه.
وأضافت: «أنا لا أريد الاتصال بأي أحد، أو حتى أن أستفسر عن أي شيء، هذه مسخرة، لا أحمل المسؤولية لأي جهة، لكنني أقول إن ما يحدث مؤرق لنا، ومؤشراته غير مريحة، نحن نحضر لمهرجان جديد في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وسؤالنا ما الذي سيحدث في المستقبل».
وتقول نوفل: «لبنان أكثر الدول العربية انفتاحا وحرية؛ فهل يريدون إرجاعنا إلى الوراء. هذا ما يجب أن نتحسب له في الفترة المقبلة».
الفيلم الإيراني «الأيام الخضر» هو للمخرجة هانا مخملباف (22 عاما)، وهي ابنة المخرج محسن مخملباف وشقيقة المخرجة سميرة مخملباف، وهي نالت في عام 2008 «الأسد الكريستال» في مهرجان برلين السينمائي عن فيلمها «الدفتر». وفيلم «الأيام الخضر» كان يفترض أن يعرض خلال دورة العام الماضي من «مهرجان بيروت الدولي للسينما» وأعطيت رخصة للمهرجان بذلك، لكن الأمن العام تمنى على كوليت نوفل عدم عرضه أثناء زيارة محمود أحمدي نجاد إلى لبنان، وبما أن الرئيس الإيراني لم يغادر إلا بانتهاء مدة المهرجان، فلم يُعرض الفيلم، ثم أعطي الفيلم رخصة ثانية هذه المرة ليدخل «مهرجان الأفلام الممنوعة»، إلا أن الرخصة سُحبت، ومُنع الفيلم، بعد طباعة البرنامج، مما أربك المنظمين والجمهور أيضا.
وتقول نوفل: «كل الأفلام موجودة في لبنان بشكل مقرصن، وتحديدا ما يُمنع منها. وما فعلته الرقابة الآن، هو أنها فتحت باب رزق للمقرصنين الذين سيوفرون الفيلم بسرعة البرق لزبائنهم».
وتعتقد نوفل أنه كان ثمة من يترقب الفرصة وهو منزعج من عرض الفيلم، لينقض على المهرجان بمجرد تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا مؤسف ومحزن للبنان، خاصة أن تسجيلات هذه المظاهرات الإيرانية التي يصورها الفيلم موجودة بكثافة على «يوتيوب»، وليس من الذكاء منع عرضها في صالة سينمائية، وفي إطار مهرجان محدود الجمهور».
تجدر الإشارة إلى أن «مهرجان الأفلام الممنوعة» سيشمل، بعد منع فيلم هانا مخملباف، عروضا لأربعة أفلام فقط وهي «شو صار» للمخرج اللبناني ديغول عيد، و«غناء العروسين» (Le Chant des mariées) للمخرجة الفرنسية الجزائرية الأصل كارين إلبو، و«fortorioCon» للمخرج الإيطالي باولو بينفينوتي، و«غوساتازا دا ليبيانو» (Gostanza Da Libbiano) لبينفينوتي أيضا.