الكرديات يتعلمن العربية من خلال المسلسلات والأغاني التلفزيونية

بعضهن يتحدثن باللهجة العراقية أو المصرية أو الشامية

طالبات كرديات في كلية الفنون الجميلة بأربيل («الشرق الأوسط»)
TT

حتى سنوات قليلة، وبالتحديد ما بعد عام 2003، كان من الصعب على أي عراقي عربي التفاهم مع مواطنيه الأكراد في مدن إقليم كردستان بسبب عدم إجادتهم اللغة العربية، وباستثناء كبار السن، والأكراد الذين عاشوا في بغداد أو في مدن العراق العربية الأخرى، لم يكن هناك من يتحدث العربية أو يفهمها، وغالبا ما كان الزائر العربي يسمع الجملة الكردية «عربي نازانيم» أي لا أعرف العربية.

لكن الأمور تغيرت كثيرا بعد مرور ما يقرب من 8 سنوات، فاليوم يستطيع العراقي العربي التفاهم سواء في الأسواق أو في أي مكان في غالبية مدن إقليم كردستان مع الأكراد العراقيين بواسطة العربية، سواء كانت عربية الكردي جيدة أو ضعيفة، لكنها تسعفهما على فهم بعضهم بعضا، وليس غريبا أن تسمع من سائق سيارة الأجرة (التاكسي) أو بائع في السوق، أو عامل في مطعم عبارة «عربي نازانيم» لكنه يضيف ومع ابتسامة بأنه سيحاول أن يتفاهم معك.

يقول المواطن الكردي هندرين حكمت، وهو كردي من أهالي السليمانية ويجيد اللغة العربية بصورة تامة كون أمه عربية وهو كان قد درس الموسيقى في معهد الدراسات الموسيقية وسط بغداد، وعاش هناك لسنوات طويلة: «هناك أكثر من جيل من الأكراد العراقيين لم يختلطوا مع إخوانهم العرب من بقية مناطق العراق، وانقطعوا عن بغداد وباقي مناطق العراق منذ نهاية الثمانينات، وهذا ما وضع حاجزا بينهم وبين اللغة العربية التي كانت تدرس أصلا في مدارس كردستان قبل أن يصير إقليما (مشيفا)، كما أن اختلاط الأكراد مع العرب في العراق في الجيش يوم كانت الخدمة العسكرية إلزامية وتوزيعهم كجنود على مختلف مناطق العراق كان قد أسهم كثيرا في أن يتعلموا اللغة العربية».

ويشير حكمت إلى «الحاجز النفسي الذي عاشه معظم الأكراد نتيجة عمليات القتل الجماعي التي كان قد مارسها النظام السابق ضد شعبنا سواء من خلال عمليات القصف الكيماوي أو التهجير الجماعي أو المقابر الجماعية، هذا شكل خشية ليس من أساليب النظام السابق وحسب بل ومن اللغة العربية أيضا»، منبها إلى أن «الأمور قد تغيرت اليوم كثيرا؛ إذ يحرص المواطن الكردي على تعلم العربية بشتى الطرق كونه يشعر بأنه عراقي وأنه يجب أن يكون على صلة ببغداد وبقية مناطق العراق، ذلك أن بغداد عاصمة كل العراقيين وأنا أحتفظ بذاكرتي عنها بصور رائعة».

أما كاميران خوشناو، وهو كردي من مدينة أربيل (هو لير) حسب التسمية الكردية، وهو يصر على أن يصف نفسه بأنه «هو ليري» فإنه تعلم اللغة العربية من خلال مخالطته العراقيين العرب القادمين من بقية مناطق العراق «بغداد خاصة» كما يقول، مضيفا: «أنا بحكم عملي كتاجر لأجهزة الكومبيوتر وتعاملي باستمرار كان مع بغداد ودبي فقد قررت أن أتعلم العربية وبسرعة ليساعدني ذلك على ازدهار تجارتي»، وزاد: «أنا كنت في البداية أحرص على أن يرافقني صديق كردي يجيد العربية ليترجم لي تعاملاتي التجارية المباشرة سواء في بغداد أو في دبي، لكنني أدركت أهمية تعلم اللغة العربية لأقوم بأعمالي بنفسي، فرحت أتعلم من الآخرين وأقرأ الكتب البسيطة وأراقب برامج التلفزيون باللغة العربية، وأستطيع القول بأني اليوم أستطيع التفاهم مع العرب، ومثلما تلاحظون فإن حديثنا هذا يتم بالعربية».

لكن للكردية سركول شاكر، وهي موظفة، تساؤلا مشروعا للغاية يدور عن «سبب عدم تعلم العراقيين العرب اللغة الكردية، لماذا علينا أن نتعلم العربية وهم لا يفكرون حتى في تعلم اللغة الكردية»، وتضيف سركول التي تتحدث العربية بلهجة مصرية، قائلة: «أنا تعلمت العربية من خلال المسلسلات والأفلام المصرية، وبذلت جهدا لتعلم القراءة والكتابة، بينما هنا في أربيل يوجد عراقيون عرب يعيشون بين الأكراد منذ أكثر من 6 سنوات ولم يبذلوا أي جهد لتعلم الكردية، في المقابل نجد لبنانيين وأردنيين وهنود وبنغلاديشيين وإنجليز وغيرهم يعملون في إقليم كردستان تعلموا وأجادوا الحديث باللغة الكردية خلال أقل من عامين».

وتوضح سركول بأن «هنا في أربيل أو السليمانية أو دهوك ستجد أكرادا، النساء منهم خاصة، يتحدثون بلهجات عربية مختلفة، بعضها عراقية والأخرى سورية أو مصرية، وهذا يعتمد على طريقة التعلم التي غالبا ما تعتمد على المسلسلات التلفزيونية»، منبهة في الوقت ذاته إلى أن «هناك مدارس عربية اليوم في الإقليم كما أن اللغة العربية يتم تدريسها في مدارسنا».

أما فيرميسك عبد الله، فنانة مسرحية، فتروي قصتها مع اللغة العربية قائلة: «أنا من أهالي السليمانية، وكنت قد بدأت في العمل مع المسرح الكردي منذ أن كنت طالبة في المتوسطة، وأحببت هذا الفن، وعندما أنهيت دراستي الثانوية قررت دراسة المسرح في أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد لعدم وجود كلية لتدريس المسرح في جامعة السليمانية».

تضيف فيرميسك، التي يعني اسمها بالعربية «دمعة»، على الرغم من أنها تطلق ابتسامتها باستمرار قائلة: «كنت قد فكرت قبل الذهاب إلى بغداد في معضلة عدم معرفتي أي كلمة عربية، وسألت نفسي كيف سأدرس وأمثل على مسرح الأكاديمية في بغداد وأنا لا أجيد اللغة العربية؟! لكنني قررت أن أخوض هذا التحدي وهذه المغامرة حتى النهاية»، وأضافت: «إنني خضت امتحان القبول في الأكاديمية باللغة الكردية وتفوقت في الاختبار وتم قبولي».

وتتحدث فيرميسك عن «الدعم والمساعدة الكبيرين اللذين قدمهما لي أساتذتي وزملائي الطلبة من أجل تعلم اللغة العربية، كنت أقرأ وأسأل زميلاتي وزملائي عن معاني الكلمات وطريقة نطقها وأشاهد الأعمال الدرامية من خلال التلفزيون العراقي وأحضر العروض المسرحية في بغداد حتى تمكنت وبسرعة من القراءة والتحدث بالعربية، وكانت بالفصحى بداية، ومن ثم باللهجة الدارجة».

وتروي هذه الفنانة التي سرعان ما أصبحت معروفة في حركة المسرح العراقي حادثة ظريفة، تقول: «في بداية دراستي ذهبت إلى أستاذ في الإخراج المسرحي، وكنت قد علمت أنه يعمل على إخراج مسرحية لشكسبير فخاطبته بصيغة المؤنث كون اللغة الكردية ليس فيها صيغة مذكر أو مؤنث، وقلت له مباشرة (إني أريد أن أمثل معكِ أرجو أن تقبلي ذلك) فابتسم الأستاذ وقال: (نعم أقبل ذلك)، وكان هذا هو التحدي الأكبر بالنسبة لي، إذ كان علي قراءة وحفظ دوري، وهو مهم في المسرحية، باللغة العربية الفصحى الصعبة، ونجحت في هذا التحدي».

أما نارين، بائعة في محل تجاري، فهي تتحدث العربية بلهجة لبنانية، تؤكد أنها تعلمت اللغة العربية من الأغاني، تقول: «أنا أحب الأغاني، وكنت أتمنى أن أصير مطربة لكن الظروف الاجتماعية منعتني من ذلك على الرغم من أن صوتي جميل حسبما تقول صديقاتي، وأحفظ غالبية الأغاني الكردية، وعندما بدأت أستمع للأغاني العربية صرت أحفظها وأرددها، خصوصا الأغاني اللبنانية لنانسي عجرم وإليسا وهيفاء وهبي وغيرهن من المطربات، بعد ذلك أردت أن أعرف معاني هذه الأغاني التي أرددها في جلساتنا الخاصة والأعراس وسفراتنا إلى الريف، وهكذا تعلمت اللغة العربية بداية من خلال الأغاني، ولأنني أحببت اللغة (اللهجة) اللبنانية فقد صرت أتابع البرامج والمسلسلات اللبنانية عبر الفضائيات، حتى إن من يتحدث معي يتصور أني لبنانية أعيش في السليمانية، مع أني كردية وأعتز بقوميتي».

في محل لبيع العطور في أحد مراكز التسوق الكبرى (مول) في أربيل فوجئنا بصاحب المحل وهو يتحدث العربية بطلاقة إلى جانب تحدثه اللغة الكردية، قال: «أنا عراقي عربي مقيم هنا منذ أكثر من 4 سنوات». يقول قصي حسين: «منذ أن جئت مع عائلتي إلى أربيل لأبدأ نشاطي التجاري هنا قررنا أنا وزوجتي على العمل سريعا لتعلم اللغة الكردية، كما قررنا أن يتعلم أبناؤنا هذه اللغة ما دمنا سنقيم في مدينة كردية وبين إخواننا الأكراد، وهكذا اعتمدنا في البداية على الأصدقاء والجيران، ومن ثم الزبائن، بالإضافة إلى الاستعانة بقاموس عربي - كردي لفهم معاني الكلمات وحفظها، إذ ليس من المعقول أن نعمل هنا ولا نجيد لغة أهل البلد»، ويتساءل عن «سبب تعلم المواطن العراقي اللغة الإنجليزية إذا عاش في بريطانيا أو الهولندية إذا أقام في هولندا أو الألمانية إذا عاش هناك ولا يتعلم اللغة الكردية إذا قرر الإقامة في مدينة كردية بإقليم كردستان»، مشيرا إلى أن «زوجتي أجادت اللغة الكردية بصورة أفضل مني لأنها تتحدث مع جاراتها كما أنها تتابع البرامج التلفزيونية الكردية وتحفظ الأغاني الكردية، وهي أغان جميلة على أي حال».

وتتوزع اليوم في مدينة أربيل خاصة، وباعتبارها عاصمة إقليم كردستان، مدارس خاصة بعضها يدرس الفرنسية والإنجليزية والألمانية والتركية، بالإضافة إلى اللغة العربية، ويقول دانا محمود، وهو مدرس للغة العربية: «أنا درست الأدب العربي في جامعة الموصل، وأحرص على إتمام دراستي العليا في هذا المجال، وأسعى من خلال عملي إلى تعليم طلبتي اللغة العربية بصورة صحيحة لأنها مهمة لهم ما دمنا نعيش في العراق الذي يتحدث غالبية سكانه اللغة العربية»، مشيرا إلى أن «تعلم لغة إضافية مسألة جيدة ومفيدة».