معرض صاخب الألوان ينقل بومباي ودلهي إلى باريس

يستضيفه مركز بومبيدو بعد تجربة في تبادل الزيارات بين فرنسا والهند

يسعى القائمون على المعرض إلى تقديم نظرة عامة لما هي عليه الهند، اليوم، من تقدم علمي وعمراني وثقافي
TT

تخيل أنك تأخذ الطائرة، من بلاد الشرق، لكي تسافر إلى باريس فتجد الشرق يستقبلك بكل ألوانه ومذاقاته في أكبر مركز ثقافي في عاصمة النور. وعلى غرار تسمية خط القطار الشهير «باريس ـ ليون ـ مرسيليا» الذي كان يقطع فرنسا من شمالها إلى جنوبها، أوائل القرن الماضي، يحمل المعرض اسم «باريس ـ دلهي ـ بومباي» ويستمر حتى التاسع عشر من سبتمبر (أيلول) المقبل.

إنها الهند تحل ضيفة على حي «الشاتليه» العتيق المتجدد في باريس. لكنها لم تأت من هناك بل من هنا، لأن المعروضات تعكس نظرة الفنانين الفرنسيين إلى شبه القارة الهندية ومدى تأثرهم بأنماط الحياة فيها. فقد سافر خلال الأشهر الماضية مجموعة من الرسامين والمصورين إلى كبريات مدن الهند وعادوا بحصيلة تستحق أن يجمعها معرض خاص. وفي المقابل، كان عدد من الفنانين الهنود قد حلوا في فرنسا ورسموا مشاهداتهم وصوروا جوانب مما استقر في رؤوسهم من حياة باريس وألوانها وطبيعتها ونهرها وجسورها وسحنات أهلها وما رسخ من تاريخها. وهكذا فإن العنوان الفرعي لهذا المعرض هو «انسجام الأضداد».

قبل سنوات لا تزيد على العشرين، لم يكن للهنود والباكستانيين حضور كبير ملحوظ في باريس، خصوصا أن الحضور المغاربي والصيني كان طاغيا في المطاعم والأسواق ومحلات البقالة والمساجد والمعابد البوذية. ثم جاء الهنود أفواجا، من دون سابق إنذار، وصارت المطاعم التي تقدم الرز والكاري والتندوري وخبز النان تتفتح في الأحياء الباريسية بالعشرات، ثم بالمئات، وإذا بجادات منطقة «لاشابيل»، شمال العاصمة، تتحول إلى حي هندي كبير تعرض واجهاته كل ما تنتجه تلك القارة من أزياء وصحف وأطعمة وتوابل وشاي وأسطوانات موسيقية وبخور فواح.

يسعى القائمون على المعرض إلى تقديم نظرة عامة لما هي عليه الهند، اليوم، من تقدم علمي وعمراني وثقافي. وإذا كان الجمهور الفرنسي يعرف السينما الهندية ويحفظ مصطلح «بوليوود»، فإن النخبة وحدها كانت على إلمام بالفنون التشكيلية الهندية والأدب الذي لم يترجم بشكل واسع وكان أغلبه منقولا من الإنجليزية ومجرد أصداء لنجاحات حققتها هذه الرواية أو تلك في بريطانيا. وحتى الفنانون الفرنسيون الذين شاركوا في هذا المعرض، فإن الرحلة إلى هناك كانت لمعظمهم أول سفرة إلى الهند. وقد وضعت الجهة المضيفة تحت تصرفهم متخصصين في تاريخ الفن وعلماء اجتماع وفلاسفة وخبراء سياسة، ساهموا في إغناء فهمهم للتشابكات الكثيرة التي تستعصي رموزها على الزائر الأجنبي، والأوروبي بالأخص.

كان هناك من امتشق الريشة وراح يرسم، وكان بين الفرنسيين من اكتفى بتدوين الملاحظات وتسجيل التفاصيل، بينما عمد آخرون إلى تسجيل الأصوات أو الأفلام أو التقاط الصور، كل ذلك وهم ينتقلون من ندوة إلى عرض فني ومن زيارة لعائلات هندية إلى حضور أعراس أو طقوس محلية. وحصر الزوار اهتماماتهم في 6 موضوعات هي: السياسة، الأديان، الهوية، التخطيط المدني، الحرف اليدوية، وتقاليد العائلة. لقد جالوا في المشاغل الصغيرة ودخلوا المطابخ وحضروا مواعيد الصلاة وتناقشوا مع ممثلي الأحزاب وتفرجوا على الطرقات والجسور ووسائط النقل وحاولوا أن يهضموا «الوليمة الهندية» بأيسر السبل، أي بالحواس الخمس.

يفاجأ زائر المعرض بأنه شديد التنوع، تتجاور فيه اللوحات مع الصور الفوتوغرافية والمنحوتات والتصاميم المعمارية وأزياء الموضة. ويشترك أغلب الفنانين الهنود المشاركين فيه بأنهم ولدوا في سنوات الستينات من القرن الماضي، أي من أبناء الطفرة التنموية الهندية والاستقرار النسبي. لذلك فإن بعض المعروضات لا تعكس الفكرة المسبقة عن بلد مثقل بالتقاليد بل تقدم تعبيرات فنية تنتمي إلى أحدث المدارس وتقترب من أدوات التكنولوجيا الراهنة. لذلك فإن المعرض يعتبر فرصة للسائح الذي يزور باريس للخروج عما هو مألوف من متاحف ومناهج ترفيهية، ومشاهدة النتائج الطيبة للحوار التبادلي الثقافي الذي خاض مغامرته نحو من 50 فنانا من الهند وفرنسا.