محاكمة جون غاليانو في باريس بتهمة «توجيه شتائم معادية للسامية»

المصمم البريطاني المتهم بالعنصرية وضع اللوم على العقاقير والإدمان

رافقت القضية ضجة إعلامية حدت بالمسؤولين عن عن دار «كريستيان ديور»، التي كان غاليانو يشغل موقع المدير الفني لها، إلى صرفه من العمل (إ.ب.أ)
TT

بشعره الطويل وبقميص أسود وسترة سوداء ومن دون القبعة أو عصبة الرأس المعتادة، وقف أمام آن ماري سوتيرو، قاضية محكمة الجزاء في باريس، أمس، مصمم الأزياء البريطاني جون غاليانو، (50 عاما)، ليرد على قضية مرفوعة ضده بتهمة التفوه بآراء وشتائم ذات طابع معاد لليهود أثناء وجوده في مقهى ومشرب يقع وسط العاصمة الفرنسية. ورافقت القضية ضجة إعلامية حدت بالمسؤولين عن دار «كريستيان ديور»، التي كان غاليانو يشغل موقع المدير الفني لها، إلى صرفه من العمل.

وجيء بمترجم محلف ليتولى ترجمة ما يقوله الطرفان من الفرنسية إلى الإنجليزية وبالعكس، وبدأت القاضية بقراءة عريضة الاتهامات، ومنها عبارات أثارت ضحكا داخل القاعة عند ترجمتها للفرنسية، منها أن المصمم البريطاني شتم امرأة بقوله لها «أنت لست سوى عاهرة يهودية بشعة» و«لديك ساقان من مستوى رديء». لكن المحاكمة مضت في جو هادئ بينما كان عشرات المصورين يزدحمون عند باب الغرفة رقم 17 من قصر العدل ويحاولون الحصول على لقطة للمصمم الذي دخل من باب خلفي. كما أكد أوراليان هاميل، محامي المتهم، للصحافيين أن موكله أمضى شهرين في مصحة أميركية للعلاج من الإدمان على الكحول، وهو ينوي الاعتذار عما بدر منه.

وكان تاريخ الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الماضي حاسما في مسيرة هذا الفنان الذي اشتهر بمظهره الخاص وغرابة أطواره. لقد تحول من مبدع إلى ملعون. ففي مساء ذلك اليوم، نزل غاليانو كعادته لتمضية الأمسية في مقهى «لا بيرل» القريب من شقته في الدائرة الثالثة من باريس. لكنه اشتبك بالكلام مع رجل وامرأة كانا يجلسان إلى الطاولة المجاورة له، على الرصيف الخارجي. وتسارعت الأحداث بعد ذلك حيث تقدمت المرأة، في الليلة نفسها، بشكوى ضد المصمم البريطاني تزعم فيها أنه وجه لها ولرفيقها شتائم معادية للسامية. وبعد يومين، أي في السادس والعشرين، تقدمت امرأة ثانية بشكوى إضافية ضد غاليانو، قالت فيها إنه شتمها بالأسلوب العنصري نفسه، في مشادة وقعت بينهما في خريف العام الماضي. وبتاريخ الثامن والعشرين من الشهر نفسه، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة «الصن» الشعبية البريطانية شريطا مصورا يظهر فيه المصمم وهو يسب، تحت تأثير الكحول، أشخاصا جالسين معه في المقهى الباريسي ذاته، ويقول لهم «أنا أعشق هتلر».

وحاول عدد من أصدقاء غاليانو وزبوناته الدفاع عنه ضد تهمة العنصرية، موضحين أنه كان يصمم الثياب لنساء من كل الأعراق والجنسيات. كما نفى هو نفسه أن يكون معاديا للسامية بأي شكل من الأشكال. وكشف محاميه أن موكله سيبني دفاعه على كونه أفرط في الشراب وفي تناول العقاقير المهدئة التي أدمنها بسبب ضغط العمل الشاق الذي يقوم به ويقتضي تقديم عدة عروض للأزياء كل سنة. وهو قد بدأ العلاج للتخلص من الإدمان وشفي منه بالفعل، لذلك فإنه يواجه المحكمة بكامل الارتياح. وأضاف المحامي أن غاليانو كان في حالة فقدان للوعي، أثناء حدوث المشادة، وهو يؤكد أن أيا من الأقوال المنسوبة إليه لا ينسجم مع ما يؤمن به من أفكار.

وتقدمت عدة جمعيات ومنظمات فرنسية معادية للعنصرية والسامية كأطراف مدنية في الدعوى المرفوعة ضد غاليانو من ثلاثة من زبائن المقهى. وكان خبراء قانونيون قد أشاروا إلى عقوبة هذا النوع من التهم تصل إلى السجن لستة أشهر وغرامة قد تزيد على 22 ألف يورو. ومن الواضح أن الخاسر الأكبر في القضية ليس المتهم بل دار «ديور» التي ساهم وجوده فيها برفع معدلات البيع بشكل غير مسبوق. وكان من رأي المجموعة المالية المالكة لأسهم هذه العلامة التجارية التي أطلقها المصمم الفرنسي كريستيان ديور، عام 1947، أن من غير الوارد السماح للفضيحة التي تلاحق غاليانو بتشويه السمعة الراقية للدار. وإذا كان من فضل للنجاح الكبير الذي تتمتع به هذه العلامة التجارية، فإنه يعود إلى المصمم البريطاني الموهوب الذي ترك دار «جيفنشي» والتحق بـ«ديور»، عام 1996، خلفا للمصمم الإيطالي جيانفرانكو فيري، وتمكن من الاستفادة من شهرة زبوناته في تحقيق دعاية ضخمة للدار، خصوصا بعد أن خطط للتوسع في إنتاج بضائع جديدة تتنوع ما بين ملابس وحقائب ومجوهرات وساعات وأحذية وعطور ولوازم للسفرة. وحقق غاليانو «ضربة معلم» عندما جعل الأميرة البريطانية الراحلة ديانا سبنسر ترتدي زيا من أزيائه بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس «ديور».

واعتبارا من عام 1998، صار غاليانو مسؤولا عن كامل الخطوط المتعلقة بالموضة النسائية لدى الدار، من الملابس إلى الحملات الإعلانية. وعلى امتداد سنوات عشر، نجح في أن يطبعها بطابعه وأن يجعل من كل عرض من عروضها الموسمية للأزياء الراقية حدثا تترقبه وسائل الإعلام العالمية كما تترقب الاستعراضات الفنية والموسيقية والمسرحيات الكبرى. ولتحقيق ذلك الإشعاع، تمكن غاليانو من استقطاب شهيرات الممثلات والعارضات لكي يصبحن سفيرات لهذه العلامة، مثيلات شارون ستون وكيت موس وماريون كوتيار، النجمة الفرنسية الحائزة «الأوسكار». كما جاء بخيرة المصورين للعمل في الحملات الإعلانية، أمثال نك نايت وكريغ ماكدين والمخرجين وونغ كار واي وأثوليفييه دهان وديفيد لينتش. ونتيجة للجهد الذي خاضه غاليانو بلا هوادة، تضاعفت المبيعات أربعة أضعاف، مع افتتاح متاجر جديدة في كل بقاع العالم، ومثلت المبيعات في بلدان منها عواصم الشرق الأوسط والخليج نسبة 35 في المائة من مجموع ما تحققه الدار، خلال السنوات العشر الماضية. وبموازاة ذلك، كانت شخصية غاليانو ومبادراته الجريئة ومظهره المثير للاستفزاز وهو يربط رأسه بعصبة على طريقة قراصنة البحر، تسبب ردود فعل لا تبعث على الارتياح، ومن ذلك العرض الذي استوحاه من ثياب المشردين، عام 2000. وكان المصمم قد راقب أولئك الذين ينامون على الأرصفة وعلى مصاطب الحدائق العامة، وهو يمارس رياضة الجري الصباحية، كل يوم. لقد كان تبذيره في العروض والتصاميم والفخفخة الإعلامية يتناسب عكسيا مع الأزمة الاقتصادية التي راحت تضرب الاقتصاد العالمي. وانتهى الحلم الجميل والباذخ بصرف القرصان البريطاني من العمل، وغيابه عن العرض الأخير لمجموعة الثياب التي صممها لحساب «ديور»، تاركا وراءه دموعا في أعين كل الذين اشتغلوا تحت إمرته.