انتخاب أمين معلوف عضوا في الأكاديمية الفرنسية

ثاني عربي يدخل «مجمع الخالدين» المؤلف من 40 شخصية ثقافية رفيعة

TT

كما كان متوقعا ونشرته «الشرق الأوسط» هذا الأسبوع، فاز الكاتب والروائي اللبناني الأصل أمين معلوف بعضوية الأكاديمية الفرنسية، أمس، حاصلا على أغلبية الأصوات من دورة التصويت الأولى. ويحل معلوف في الكرسي الذي شغر بوفاة عالم الأجناس كلود ليفي شتراوس. وبفوزه، يكون معلوف ثاني عربي في هذا الصرح الثقافي الفرنسي الرفيع بعد الكاتبة والسينمائية الجزائرية آسيا جبار.

ولد صاحب «ليون الأفريقي» في 25 فبراير (شباط) من عام 1949 في بيروت. وأمضى سنوات طفولته الأولى في مصر، البلد الذي كان جده لوالدته يعيش فيه. ولدى عودته إلى لبنان أقام في حي مختلط من أحياء بيروت التي كانت، في خمسينات القرن الماضي، قبلة للمنفيين العرب وللدارسين الجامعيين وللباحثين عن الحرية. أما أشهر الصيف فكان يمضيها في مشرح، البلدة الواقعة في الجبل والتي تتحدر منها عائلة معلوف التي اشتهر منها أكثر من صحافي وأديب.

استفاد أمين معلوف من سير عدد من أفراد أسرته وجيرانهم في مواضيع كتبه ورواياته التي تدور، في جوانب أساسية منها، حول الهجرات والتمازج الثقافي وتعدد الأديان وتداخل الهويات تبعا للتقاطعات التاريخية والحروب والاحتلالات التي لعبت بمصائر شعوب المنطقة.

درس معلوف في مدرسة للآباء اليسوعيين في بيروت وقرأ الأدب العربي والعالمي واهتم بالتاريخ لكنه اختار التخصص في العلوم الاجتماعية والاقتصادية في الجامعة. وعلى مقاعدها تعرف على زوجته السيدة أندريه التي أنجبت له ثلاثة أبناء. وقد عمل، بعد التخرج، صحافيا في «النهار». ومع قيام الحرب في لبنان، عام 1975، عرفت الأسرة الصغيرة، في السنة التالية، طريق المهجر إلى فرنسا، البلد الذي سيكون للصحافي اللبناني الشاب شأن كبير فيه. ففي عام 1983 أصدر كتابه الأول، بالفرنسية، بعنوان «الحروب الصليبية من وجهة نظر العرب»، وتلته رواية «ليون الأفريقي» التي حققت نجاحا لافتا شجعه على التفرغ للكتابة الأدبية. ونشر، بعد ذلك عدة روايات وكتب، منها «سمرقند» و«حدائق النور» و«سلالم المشرق»، و«صخرة طانيوس» التي جاءت له بجائزة «غونكور» عام 1993، أبرز الجوائز التي تمنح للروايات الصادرة بالفرنسية. أما كتابه المهم «الهويات القاتلة»، فقد نال عنه جائزة «شارل فايون» الأوروبية للأطروحات.

جرب معلوف كتابة الأوبرا، وصدر له في هذا الفن «الحب من بعيد» مع المؤلفة الموسيقية الفنلندية كايا سارياهو. تم تقديم تلك الأوبرا عام 2000، في مهرجان سالزبورغ. وأثمر التعاون مع سارياهو عن ثلاثة نصوص أخرى. وبعدها نشر كتبا فكرية وكانت آخر رواياته بعنوان «رحلة بالداسار».

يختبئ أمين معلوف من المشاغل التقليدية في فترات طويلة من السنة ليكتب في منزل ريفي من بيوت الصيادين يملكه في جزيرة «يو» على الساحل الغربي لفرنسا. وبفضل مثابرته لم يخطئ موعدا له مع النجاح. وقد نال العديد من التكريمات والتقديرات وشهادات الدكتوراه الفخرية، وكانت آخر مكافأة كبرى حصل عليها المبدع اللبناني هي جائزة «أمير أستوريس» الإسبانية.

إلى ذلك، تأسست الأكاديمية الفرنسية التي استقبلت معلوفا، عام 1653، على يد الوزير الكاردينال ريشيليو وبمرسوم من الملك لويس الثالث عشر. وينشغل أعضاؤها، بشكل أساسي، بالسهر على اللغة الفرنسية وحمايتها من غزو المفردات الدخيلة من لغات أخرى، وإصدار معجم ضخم يتابع تطوراتها. وهي تتألف من 40 عضوا ينتخبون مدى الحياة، ولا يدخلها عضو جديد إلا ليشغل مقعد أحد الراحلين. ولم تدخلها سوى 6 نساء، بينهن الكاتبة والمؤرخة هيلين كارير دونكوس، التي تشغل منصب الأمينة العامة الدائمة لهذا الصرح الذي يسمى «مجمع الخالدين». وتقام لكل عضو ينتخب فيها مراسم احتفالية يتقلد فيها السيف ويرتدي خلالها الزي الخاص المؤلف من بدلة خضراء اللون. ولن تكون البدلة غريبة على الأديب الآتي من لبنان الأخضر.