رحلة بين عواصم الثقافة العربية

«الطريق إلى القدس» لحازم الخالدي.. بين السرد القصصي والمعلومة التاريخية

غلاف كتاب « الطريق الى القدس»
TT

يحمل كتاب «رحلة بين عواصم الثقافة العربية.. الطريق إلى القدس» للكاتب الصحافي حازم الخالدي تفردا في موضوعه، من خلال رحلة تسير فيها بكل سهولة بين العواصم الثقافية العربية، لكنها تتوقف عند القدس. والكتاب الذي صدر عن مديرية الثقافة في أمانة عمان الكبرى هو أشبه بأدب الرحلات الذي يمتعك ما بين السرد القصصي والمعلومة التاريخية التي تأخذك عبر الماضي لتستشف منه العبر والدروس.

هو رحلة لم تكن لتتحدث عن العواصم الثقافية العربية وتاريخها، أو عن مدينة القدس العظيمة وتاريخها عبر العصور، ولم يكن كتابا لتسجيل مرحلة معينة أو جانب من تاريخ المدينة المقدسة للمسلمين والمسيحيين، أو يتحدث عن تاريخ المدينة ومنزلتها الحضارية والعلمية والدينية، وإنما يسجل رحلتنا عبر العواصم الثقافية العربية، التي تجولنا فيها منذ أن أعلنت القاهرة أول عاصمة للثقافة العربية في عام 1996، فكانت البداية التي مهدت لأن تواصل العواصم العربية احتفالاتها في الثقافة، خط الدفاع الأول عن هويتنا، وتراثنا، وتاريخنا المشترك، لتحتفي من بعدها تونس عام 1997 بعرسها عاصمة للثقافة العربية، جمعت الماضي العريق بما فيه من معالم تاريخية وتراثية، والحاضر المتجدد، الزاخر بالكثير من المعالم السياحية والثقافية.

وتتواصل الرحلة إلى الشارقة، إحدى أهم منارات الثقافة؛ ليس في الإمارات العربية المتحدة، وإنما في منطقة الخليج، ثم تأتي بيروت التي أتحفها المثقفون، والشعراء بإبداعاتهم وأفكارهم، بيروت التي تعتبر قصيدة في حد ذاتها بابتسامتها وجمالها.

ونمر عبر هذا الكتاب، في عام 2000، على مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية، لتأخذ راية الثقافة من بيروت، وتسلمها من بعدها إلى الكويت في عام 2001، كعاصمة لها تاريخها الثقافي والإبداعي، لتتواصل رحلتنا عبر العواصم الثقافية العربية، وتصل إلى العاصمة الأردنية عمان في عام 2002، ومنها تنتقل الراية إلى مدينة الرباط، في المملكة المغربية في عام 2003، ليعود الامتداد والترابط بين أفريقيا العربية، والعواصم العربية في آسيا، ليحط بعدها مركب الثقافة في عام 2004 في مدينة صنعاء، عاصمة الجمهورية اليمنية، وتتبادلها من بعد مع أفريقيا، لتصل في عام 2005 إلى مدينة الخرطوم عاصمة جمهورية السودان.

نتابع سيرنا عبر محطات الثقافة العربية، لتبدأ رحلة جديدة في عام 2006، عندما أقر وزراء الثقافة العرب، مجموعة جديدة من العواصم الثقافية العربية، التي تؤهلها مكانتها الحضارية والتاريخية، لأن تتزعم راية الثقافة خلال عام كامل، فكان أن احتفت مسقط بتاريخها وتراثها في عام 2006، لتأتي من بعدها الجزائر في عام 2007، التي أخذت تمتد على كل العواصم العربية، لتعزيز الترابط والتلاقي في ما بينها، ويسير بنا مركب الثقافة من بعد ذلك إلى دمشق في عام 2008، لكن رحلتنا تتوقف في عام 2009 عند القدس، بعد أن منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي إقامة أي فعالية ثقافية داخل أسوارها، فكانت مدينة حزينة، تعيش في صمت وكأنها تنادي من يضيء ليلها، تتوقف عند بواباتها فلا تجد أي اتجاه إليها من أي عاصمة عربية يحدد بوصلتها التي اهتزت وتراجعت إلى الوراء، فتنظر إليها من بعيد فتراها تعيش في زمن الحصار؛ محاطة بغلاف من الحجارة فرضته سياسات الاحتلال البغيض، الذي لم يستطع رغم تلك المعاناة التي أصابت الإنسان الفلسطيني أن يمحو تاريخها وهويتها العربية الإسلامية وحضارتها الممتدة عبر آلاف السنين.

يقول المؤلف حازم الخالدي «إن رحلتنا توقفت عند القدس؛ فلا مراكب تأتيها، ولا رايات ترفرف من حولها، ولا سيوف ولا خيول ولا فرسان يثيرون الغبار على أتربتها، ولا حناجر تنادي بالنصر، رغم الآهات والأحزان ومرارة العيش تحت حراب الاحتلال، عندها ليس لك من حيلة إلا أن تحمل رسائل الخلاص وتمسك أهلها بالنصر القادم، الذي لن يكون بعيدا، رغم قسوة الاحتلال الذي ما زال يسعى إلى تفريغها من سكانها العرب الأصليين، وإلى تهويدها وجعلها مدينة للمستوطنين الذين يأتون من أصقاع العالم ليقيموا بداخلها».

إنه كتاب يمر عبر العواصم الثقافية العربية ويتوقف عند بعض المحطات المضيئة في تاريخها، لتتجدد شعلة الإرادة بالتلاقي من جديد؛ فهو كتاب يجمع بين المشاهدة والوثيقة، ويسجل جانبا من المشهد المقدسي في عام 2009، عام احتفال القدس عاصمة للثقافة العربية، فإن وصلت القوافل إلى القدس، فأي مشهد تراه أمامها وإجراءات التهويد مستمرة للمدينة المقدسة في سعي سلطات الاحتلال إلى إلغاء عروبتها، والمستوطنون يواصلون تهديداتهم ضد أقدس أقداسها، وعمليات التغيير مستمرة لمعالمها العربية والإسلامية.. والانتهاكات والخروقات لا تنقطع ضد المسجد الأقصى، لإعادة بناء الهيكل اليهودي المزعوم.

ويستمر المشهد أكثر إيلاما، كما يقول المؤلف «ونحن نشاهد متطرفين يعتدون على المدينة، ويعزلون سكانها الأصليين ويمنعونهم من دخولها. وتتصاعد الهجمات الإسرائيلية على القدس، لتغيير ملامحها التاريخية والعمرانية، وتستمر المخططات على المدينة المقدسة لتقسيمها أو لتفريغها، خاصة على البلدة القديمة منها، لمحو أي آثار إسلامية أو مسيحية؛ في وقت بدأت تظهر فيه مع بداية عام 2009 تصدعات في ساحات المسجد الأقصى، بسبب الحفريات التي يقوم بها متطرفون يهود، من الجامعات اليهودية ومستوطنون، وبدعم من الحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي قد يؤدي في أي لحظة إلى انهيار المسجد الأقصى، وعشرات المنازل القديمة».