«جبة حائل».. شاهدة عصر الاستيطان البشري منذ آلاف السنين

تصنف وجهة للرحالة والمستكشفين الغربيين

جانب من أحد أهم المعالم القديمة التي تتمثل في المركز الحضاري بمحافظة جبة التابعة لمنطقة حائل («الشرق الأوسط»)
TT

«جبة».. قرية تكاد لا تتجاوز حيا سكنيا في إحدى المدن الفارهة أو الكبرى، لكنها تعد أحد أقدم الحواضر في منطقة حائل (شمال السعودية). فمن لم تكتب له زيارة تلك النقطة على الخريطة السعودية، لم يكتمل عنده بعد إن كان من هواة الآثار الصورة التاريخية لعصور تعود لآلاف السنين، من تلك التي عاشت في الجزيرة العربية.

الباحثون وعلماء الآثار وجدوا أن النقوش في جبة من أقدم النقوش في الجزيرة العربية، التي تعد أغلبها ثمودية، بل وتدل على وجود 4 عصور استيطان بشري في جبة، تعود إلى العصر الحجري، أي قبل ثمانين ألفا إلى ثلاثين ألف سنة قبل الميلاد.

والآثار الموجودة في جبة عبارة عن نقوش صخرية تمثل صورا لحيوانات كانت متوحشة، تم ترويضها مثل الجمال، والتي لم تكن أليفة في السابق، بالإضافة إلى البقر والكلاب.

وتشير بعض النقوش إلى تحول المجتمع من مجتمع صيد بدائي، إلى مجتمعٍ زراعي بدائي، بل وتشير النقوش إلى أن أول مكان تم فيه ترويض الجمال كان في شمال الجزيرة العربية.

وتعد جبة محطة رئيسية وقبلة المستشرقين الغربيين الذين زاروا الجزيرة العربية، نظرا لموقعها الجغرافي الذي يقع على طريق قوافل الرحالة. وبدأت تلك الرحلات في القرن التاسع عشر المستكشف الإيطالي كالرو جوارماني الذي زار المنطقة في عام 1864. وكانت زيارته في الأساس بناء على تكليف من كل من إمبراطور فرنسا وملك إيطاليا، لشراء الخيول العربية الأصيلة، حيث كانت حائل أحد أهم معاقل الخيول الأصيلة في الجزيرة العربية.

ومن أشهر الرحالة الذين زاروا الجزيرة العربية، الرحالة الإنجليزية الليدي آن بلنت في عام 1879، وهي حفيدة الشاعر الإنجليزي الشهير بيرون.

وتعتبر هذه المستكشفة البريطانية من أهم من زاروا المنطقة على امتداد تاريخها، نظرا للكتاب الذي كتبت فيه مشاهداتها منذ بدء رحلتها نحو حائل، قادمة من الجوف عبر صحراء النفوذ الكبير، ونزلت جبة في طريقها لحائل، بينما لا تزال الغرفة التي أقامت بها في ضيافة أحد أعيان جبه قائمة، وتحولت لمزار للسياح الغربيين الذين يتقاطرون على جبة، وقصر النايف الأثري تحديدا، كان آخرهم أول رئيس لشركة «أرامكو».

إذ يعكف حاليا فريق بريطاني لتوثيق رحلة الليدي آن بلنت على إنتاج فيلم تسجيلي، من المزمع أن يتم عرضه في دور العرض السينمائي، إذ زار الفريق منطقة في حائل (شمال السعودية) مؤخرا وسجل مشاهد من مواقع عدة ومنها مدينة جبة.

وتعود الرسومات والنقوش التاريخية التي يحويها الموقع في جبل أم سنمان، بحسب أحد الخبراء الأستراليين، لأكثر من 3000 سنة، وترجع للحقبة الثمودية، وتعد من أقدم الرسومات في الجزيرة العربية مشاركة مع آثار الشويمس جنوب حائل التي تمثل نفس الحقبة.

عبد الرحمن الرشيدي، نائب مدير قطاع الآثار في جهاز السياحة بحائل، أكد تهيئة موقع جبل أم سنمان والمواقع المجاورة له، ليكون عامل جذب للزوار والسياح المقبلين لجبه، مشيرا إلى أن المركز يستقبل الزوار خلال أشهر في جبل أم سنمان، والذي تم الانتهاء منه مؤخرا، بينما يجري العمل لتدعيمه بموظفين مدربين على العمل بمثل هذه المواقع وتقديم الشروح الكافية عن هذا الموقع.

واعتبر الرشيدي أن جبة من الركائز المهمة للسياحة في حائل، للميزات النسبية التي تضمها تراثيا وبيئيا وجغرافيا. وزاد «أنهى فريق أجنبي متخصص يعمل بتكليف من الهيئة العليا للسياحة والآثار مسوحا على الموقع التراثي في جبل غوطة القريب من جبة الذي يضم رسومات وآثارا قديمة، بالإضافة إلى عزم ذات الفريق على القيام بمرحلة أخرى من المسوح التراثية، التي ستكتمل في وقت لاحق».

أهالي محافظة جبة (شمال حائل) إحدى القرى التراثية الخمس في السعودية، يترقبون فتح المظاريف الخاصة بتطوير المنطقة المركزية في وسط المحافظة في منتصف الأسبوع الحالي، بعد اكتمال بناء مركز استقبال الزوار والسياح في جبل أم سنمان، وقرب الانتهاء من ربط جبة بطريق حائل - الجوف الدولي بطريق مزدوج ينتهي ببوابة المدينة التي صممت على النمط العمراني القديم.

وفرغ مؤخرا مكتب استشاري بالتعاقد مع جهاز السياحة والآثار من إعداد المخططات والرسوم التنفيذية لتطوير مواقع التراث العمراني والأثري بمدينة جبة، وهو ما يؤهلها لأن تكون إحدى أهم الوجهات السياحية في شمال السعودية لضمها آثارا تعود لأكثر من 8 آلاف سنة قبل الميلاد، وخاصة في جبلي أم سنمان وغوطة.

أمام ذلك، كشف المهندس فوزان الفوزان، رئيس بلدية جبة لـ«الشرق الأوسط» عن أنه يجري العمل على أعمال تطويرية تشهدها المحافظة على صعيد البنى التحتية لتهيئتها، مع تحسين مداخلها، منها بوابة المركز ومقاطع لبيت القديم على طول المدخل الرئيسي لجبة، بينما يجري العمل لإنهاء المركز الحضاري والذي سيتم تخصيصه للاحتفالات الرسمية والمهرجانات.

وأضاف الفوزان أنه تمت مراعاة بناء النمط العمراني القديم والسائد في جبة، مما سيؤهله لأن يكون إحدى العلامات البارزة في المركز التابع لحائل، وتنفيذ سوق جبة، والتي ستحاكي الأسواق القديمة.

وأوضح المهندس الفوزان اكتمال ربط جبة في الطريق الدولي بين الجوف وحائل بطريق مزدوج في غضون الشهرين المقبلين، ليسهل الوصول إلى جبة، عبر طريقين، الأول طريق حائل – جبة، والثاني الطريق الدولي.

عبد الكريم الخاتم، عضو لجنة التطوير العمراني والتراثي لمدينة جبة، عدد المشاريع التي سيتم تنفيذها بجبة، والتي ستبدأ بإعادة تأهيل المسجد الجامع وإنشاء سوق تراثية بجبة، وتأهيل قصر النايف، وتأهيل الساحة المركزية، وتنسيق أسوار المزارع، وإنشاء مركز للحرف والصناعات اليدوية، وتنفيذ عدد من البرامج والفعاليات طوال العام، وفي الإجازات والأعياد لجذب الزوار بشكل مستمر ومنظم وتسويق جبة كوجهة سياحية متكاملة، واستكمال تأهيل المطل الرئيسي وترميم بعض الأملاك الخاصة، وزيادة النشاط السياحي بجبة، وإنشاء مطعم شعبي في أحد المباني القديمة، وإنشاء مقهى شعبي في أحد المباني القديمة، وتحسين مدخل جبة من الطريق العام، وإنشاء نزل ريفي، وإنشاء مخيم صحراوي دائم.