لبناني يحول منزله إلى متحف يحوي 150 لوحة ومجسما خشبيا

منحوتاته خطاب ووسيلة لكسب حب الزائر ونقله إلى عوالم أخرى

منحوتات خشبية لبعض القادة اللبنانيين الحاليين والسابقين (الراحلين) («الشرق الأوسط»)
TT

كاتب القصص الخرافية التي تدور على ألسنة الطيور والحيوانات الفرنسي لافونتان هو مثاله الأعلى، قصص ذات عبرة، ولم تكن لمجرد الكتابة بنظره، لذا نحت له الأسد والبعوضة، الجندب والنملة، الأرنب والسلحفاة.

ترى الصرصار داخل متحفه الخاص يعزف على الغيتار في فصل الصيف، تقابله النملة النشطة حاملة طعامها، والاثنان مصنوعان من خشب الزيتون المحروق (بعد تشريحه)، بفعل الحرائق التي تصيب البساتين المحيطة صيفا لتصله مجانا. المكان الذي استأنف نشاطه عام 1997 بعدما توقف عام 1982 بفعل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لا يعبق برائحة الزيتون حصرا، بل برائحة الأرز والسنديان لاعتماد صاحبه في بعض منحوتاته على خشبهما، والذي غالبا ما يقوم بشرائه من التجار.

أعمال فنية يزيد عددها عن 150 قطعة، متعددة الأحجام والألوان، تنقل إليك إحساس النحات رشيد سعد وذوقه الرفيع «أنا هنا كناسك في بلدة نائية، لا أحد يعلم بوجودي، مبادرة الشخص، أو موقفه، أو سلوكه، أو أفكاره ومبادئه، عوامل كافية كي أقرر نحته، هذه هوايتي وهل يتعب الإنسان من هوايته؟» يسأل ابن بلدة عين تيريز الجبلية – قضاء عالية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدا أن قدراته وأدواته قلما تخونه، لأنه استطاع بمهاراته تذليل العقبات، محولا إياها إلى الخطاب والوسيلة، التي كسب بها حب الزائر وتقديره لهذا الفن.

منحوتات من تحف ولوحات، منها ما ينقلك إلى عالم السياسة، من خلال جمعه عددا من القادة في لوحة واحدة تضم: ميشال عون، حسن نصر الله، رفيق الحريري، وليد جنبلاط، سمير جعجع، كمال جنبلاط.

«قصدت جمعهم لأنهم أبناء وطن واحد، ولأن لبنان وطن الحريات، لا سيما حرية التعبير عن الرأي «يعلق وكأن هذه اللوحة تعني له الكثير».

لوحة يقابلها مجسمات خشبية ضخمة للسيد المسيح، ومريم العذراء، والبابا يوحنا بولس الثاني، كذلك لرئيس حكومة الاستقلال الأول رياض الصلح، والرئيس الراحل ابن البلدة حبيب باشا السعد.

أبرز القديسين أيضا لهم أمكنتهم الخاصة داخل المتحف، وبكامل تفاصيل وجوههم ومنهم: «جان بول 2، إسطفان الدويهي، بشارة أبو مراد، إسطفان نعمة، الأم تيريزا، القديسة رفقا». أما المجسم الأضخم، الذي استغرق وقتا طويلا (نحو 3 أشهر)، وعملا مضنيا، فيعود للأمير الوليد بن طلال.

خلال تجولك في أرجاء غرفة الاستقبال، التي تحولت إلى معرض تستوقفك منحوتة للماهتما غاندي، بين القديسين تسأله عن السبب ليأتيك الجواب: هو قديس وأكثر لأنه استطاع من خلال سياسته «فلسفة اللاعنف» أن ينال استقلال بلاده، البالغ عدد سكانها آنذاك 450 مليون من دون ضربة كف.

ومن المنحوتات أيضا: جبران تويني (رافعا يده متحدثا)، بيار الجميل وكتب في أسفلها (صخرة من صخرة)، جان قهوجي (قائد الجيش).

المعلم «رشيد» كما يسمونه في البلدة، لم تغب صور الحيوانات التي كان يلهو بها في صغره عن مخيلته، فكان لها مجسماتها الموزعة في إحدى زوايا المتحف، ومنها التنين، الديناصور، الزرافة، الكلب، الدلفين، السلحفاة، الغزال، النسر، الحمامة، القطة، الدجاجة والديك والصوص، وأيضا هناك الكوبرا المتأهبة، التمساح الضخم، والحصان كرمز عربي بالإضافة إلى عدد من الطيور.

تجاعيد الوجه وتفاصيله الدقيقة، هي من العناصر التي تتطلب جهدا مضاعفا لدى من يرتدي الثوب الأبيض والقبعة معظم وقته، متنقلا بين المعمل والمنشرة التي يتقاسم العمل فيها مع أولاده.

«أنا أعتمد الإزميل والمطرقة كأدوات أساسية، بعد أن أكمل الرسم بالقلم، فالإزميل كان أداة مايكل أنجلو الأساسية، والعمل به يجعلك تفكر بنتيجة كل ضربة، لذلك فإن الفارق كبير بينه وبين بقية الآلات». يشرح أسعد بعض تقنيات عمله، لافتا إلى أن الزيتون يتمتع بعرق جميل وجذاب، والحفر عليه يريحه حين يكون طريا.

التفاصيل بادية على المنحوتات، حيث يعكس التأمل به حرص صاحبها على إبرازها وجعلها واقعية، انطلاقا من «المحبس»، إلى ترتيب الثياب الخاص بكل شخصية، وصولا إلى التجاعيد، وليس انتهاء بالبشرة وتسريحة الشعر ولون العينين وعروق اليدين.

أما الألوان فإن الفاتح منها هو المفضل كي يبقى لون الخشب هو الغالب.

بين 7 أيام وثلاثة أشهر، تتراوح المدة الزمنية لإنجاز القطعة، ضمن معدل يومين يقارب 9 ساعات. «عندما تم تحديد موعد لتطويب البابا يوحنا بولس الثاني، بقيت 4 أيام متواصلة، حتى أنجزت نحته قبل التطويب، ذلك لأنني عزمت على ذلك» يشير أسعد، كاشفا عن مباشرته العمل على مجسم للبطريرك بشارة الراعي. هواية كبرت معه، وبات اليوم يحترمها، مرتبتها عنده توازي مرتبة أولاده.

وردا على سؤال يعلق: «مشغلي صغير، لكنه غني بمحتوياته، التي أتفقدها كل ليلة لمدة تبلغ الساعتين أحيانا، قبل الاستسلام للنوم، وأحيانا أكتشف خطأ صغيرا فأقوم بتصليحه فورا».

ويتابع: «أحيانا أستيقظ فجرا، من أجل ترجمة فكرة جديدة راودتني إلى واقع، تجنبا لنسيانها، عندها تظن زوجتي بأنني مجنون، فأضحك وأستمر لساعتين رغم طلباتها المتكررة بوقف «الطرطقة»، كي تنام، يروي أسعد حادثة تشكل دليلا على هوسه بهوايته، فضلا عن حديثه أحيانا مع منحوتاته للاطمئنان عليهم.

وحول موقف أولاده من منحوتاته، يشدد على أنهم سعداء جدا، فابنه فادي مثلا يقوم بتحميل كل قطعة على الـ«فيس بوك»، كذلك يفعل بقية أولاده الذين يسألونه عن كل جديد، كي يفتخروا به أمام أصدقائهم في عالم المواقع الإلكترونية في لبنان والخارج.

مقتنيات عالم أسعد الخاص، غير مخصصة للبيع، لأنه عاقد العزم على ترجمة حلمه، عبر إقامة معرض في بلدته، تحت مسمى متحف الرشيد art de siècle في بلدته، بعد استقرار الأوضاع السياسية في لبنان، وهو يختم ممازحا «إما أن أتوجه إلى البحر آنذاك، وإما ألقى قيمة أتعابي، لأنني كسبت بمنحوتاتي الإنسان الذي يسكنني، وأتمنى أن يسكن غيري ممن يدعي موهبة مماثلة».