سحر الفروسية التقليدية على شاطئ الصويرة المغربية

المصطافون أداروا ظهورهم للبحر إعجابا بالخيل والبارود

من عروض الفروسية التقليدية على شاطئ الصويرة («الشرق الأوسط»)
TT

أعطت ألعاب الفروسية التقليدية نكهة خاصة لفعاليات الدورة الأخيرة من «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، الذي نظم أخيرا في الصويرة. ولم يكن سحر الفروسية التقليدية وحده ما أثار السحر والإعجاب بين زوار مدينة الموسيقى، بل الفضاء الذي احتضنها، والذي لم يكن سوى شاطئ المدينة، الذي تحول إلى ساحة لألعاب الفروسية التقليدية، تبارت خلالها الكثير من المجموعات لإظهار مهاراتها في فنون الفروسية، التي يطلق عليها في المغرب «التبوريدة»، الأمر الذي دفع رواد الشاطئ إلى التخلي، مؤقتا، عن السباحة، والتفرج على ما يقترح عليهم من فنون «التبوريدة»، مرددين أن البحر لن يرحل من مكانه، وأن التمتع بفرجة الفروسية التقليدية، على رمال الشاطئ الذهبية، لا يتكرر كل يوم، ولذلك يمكن للبحر أن ينتظر إلى أن يترك الفرسان شاطئ المدينة.

وليس فكرة العرض ومهارة الفرسان ما أثار المصطافين فحسب، بل متعة العين، أيضا، خاصة أن الفرسان حرصوا، كما هي العادة، على ارتداء أزياء تقليدية منحت الزائر الأجنبي لحظة لا تنسى للتعرف على فن مغربي خالص، في شكله ومضمونه، حيث طغى اللباس التقليدي الأبيض اللون، المتمثل في «الجلباب والسلهام والحزام والعمامة والسروال الفضفاض والشكارة (المحفظة التقليدية)»، مع نعلين من صنع تقليدي، فضلا عن البندقية، أضيفت كلها إلى الهالة التي يكون عليها الفرس، من خلال حسن اختيار السرج، الذي يوضع على ظهر الفرس ليجلس عليه الفارس.

وكما هي العادة، عمل كل علام (بفتح العين وتشديد اللام، وتعني القائد) خلال الاستعراض، على التحكم في لحظة الانطلاق وضبط إيقاع الركض، وحين يصيح بعبارة «الحفيظ الله»، يكون ذلك إشارة إلى فرسانه لكي يطلقوا البارود من بنادقهم، التي يوجهونها إلى السماء في تناسق جميل.

والفروسية التقليدية المغربية أو «الفانتازيا»، أو ما يعرف بين المغاربة باسم «التبوريدة»، هي فن مغربي، يقوم على حب الخيل والفرجة والطبيعة والاحتفال، وارتبطت، في الذاكرة الجماعية المغربية، بمواسم احتفالية تؤثث لها الأغاني والمواويل الشعبية والزغاريد النسائية، كتعبير عن النصر ودعما للأولاد والأزواج والفرسان، ليحفظهم الله من العين ومن كل سوء. وهي ترجع إلى القرن الخامس عشر الميلادي، فيما تحيل تسمية «التبوريدة» على «البارود»، الذي تطلقه بنادق الفرسان في نهاية كل جولة من جولات الاستعراض الذي يقومون به.

ومن المعروف أن المغاربة، الذين يركبون الخيول المدربة على «التبوريدة»، يصنفون على أساس أنهم من خيرة رجال القبيلة وأغنيائها، حيث يتميزون بالنخوة والرفعة والهيبة، تماما كالخيول التي يركبونها.

ويحظى الفرس، عند المغاربة، بمكانة خاصة، حيث تتلخص فيه معاني النخوة والشهامة والكبرياء. وارتبطت الفروسية، على مر السنين، بالقبائل المغربية، بشكل أساسي، ويرى كثير من المؤرخين أنه لولا تلك القبائل، التي عشقت هذا الفن، وكان لها فضل المحافظة عليه والإسهام في تطويره، لكان انقرض منذ زمن.

وتتعدد احتفالات المغاربة والقبائل المغربية بفن «التبوريدة»، في المناسبات الخاصة والعامة، وترتبط، أساسا، بالأعراس والأعياد والمناسبات الوطنية والدينية، كما صارت تخصص له مواسم، في مختلف مناطق وجهات المغرب.

ولوحظ، في السنوات الأخيرة، اهتمام متزايد بفن الفروسية التقليدية، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، حيث صارت تبرمج مسابقات جهوية ووطنية يحصل خلالها الفائزون على جوائز مهمة، تزيد صاحبها فخرا يضاف إلى الفخر الذي يشعر به وهو يمتلك فرسا بين أفراد القبيلة. كما لوحظ حرص متزايد من طرف الجنس اللطيف على تعلم «التبوريدة» وركوب الخيل، حتى صارت تخصص مسابقات للفارسات، أسوة بمسابقات الفرسان.