«بنك الأفكار».. صحوة مصر لتنمية المستقبل

رصيده 25 ألف مبتكر من 9 أعوام إلى 80 عاما

جهاز مبتكر لفك صواميل إطارات السيارات دفعة واحدة وأحد المخترعين الشباب
TT

في عصر ما قبل الثورة، كانت الأفكار الإبداعية في شتى المجالات توأد قبل أن تولد نظرا لحالة البيروقراطية الحكومية، التي أدت في كثير من الأحوال إلى إحباط المبتكرين المصريين.. ولكن ثورة 25 يناير (كانون الثاني) بثت في المصريين روحا قتالية جديدة بعد أن شعروا باستعادتهم جزءا مهما من كينونتهم وشعورهم بالمسؤولية تجاه وطنهم، مما أسفر عن ولادة فكرة «بنك الأفكار» لإعادة تمويل عجلة التطور المصرية.

أحد أمثلة الأفكار التي طرحت من أجل تنشيط السياحة فيما بعد الثورة تناول إقامة السائح في مدينة فرعونية كاملة، أو أخرى تنتمي إلى العصر الإسلامي، أو القبطي أو غيرها من العصور والحقب الزمنية التي تواترت على بر مصر، حيث يحاكي السائح حياة القدماء كاملة، فيرتدي ملابسهم ويحتفل بطقوسهم ويشارك حتى في بعض معاركهم.

ويعلق خالد زنون، صاحب الفكرة ومؤسس «بنك الأفكار» الافتراضي على شبكة الإنترنت، الذي يضم في عضويته ما يزيد على 25 ألف مصري ومصرية يسجلون براءات اختراعاتهم وأفكارهم لتطوير مصر ما بعد ثورة 25 يناير، قائلا لـ«الشرق الأوسط» عن نوعية محتوى البنك: «لدينا آلاف المشاريع وبراءات الاختراع العبقرية لمصريين ومصريات لتطوير مصر وحل مشكلات الناس بأبسط وأرخص الأساليب والطرق، ويعد مشروع تنشيط السياحة المصرية واحدا من المشاريع المعنية بإصلاح الوضع الاقتصادي للبلد ما بعد الثورة. وهناك مشاريع أخرى وبراءات اختراع معترف بها عالميا تخص مجالات التعليم والصحة والحياة العامة والبيئة والطاقة والزراعة وغيرها من جميع مناحي الحياة لمخترعين مصريين».

يضيف زنون قائلا: «على الرغم من أن فكرة البنك ظهرت قبل الثورة، فإنها لم تلق رواجا كبيرا إلا بعد أحداث 25 يناير. وقد أصبح المصريون أكثر تفاؤلا ورغبة في أن يعيدوا صياغة مصر بشكل مختلف، يريدونها أحسن بلد في الدنيا، وهذا من حقهم ومن حق مصر علينا.. ولهذا تأتينا مشاركات يومية بالمئات من مختلف التخصصات».

الابتكارات التي يقدمها هذا البنك لا تعتمد على مجرد أفكار عشوائية لا علاقة لها بالواقع المصري، فكما يقول زنون إن كل الابتكارات المقدمة خضعت لدراسات موثقة وإحصاءات ميدانية، وأشرف عليها لجان تضم العديد من الخبراء والمتخصصين الذين أشرفوا على هذه الأفكار، كل في مجاله. ويضيف زنون «لعل مشروع اللوحات الإلكترونية العملاقة لمتابعة أهم أخبار العالم في الميادين العامة دليل واضح على هذا الأمر، حيث قمت بعمل إحصائية عن عدد قراء الجرائد في مصر من مختلف الأعمار فوجدت أن نسبتهم لا تتعدى المليون و200 ألف قارئ فقط من إجمالي أكثر من 85 مليون مواطن! وتنوعت الأسباب ما بين عائق مادي في ظل مطالب الحياة ومستلزماتها وما بين ضيق الوقت. فكانت فكرة هذه اللوحات لتكون متابعة للأخبار العالمية دقيقة بدقيقة وتعطي المعلومة بكل بساطة ويسر لكل من يسير في الميادين العامة».

ويشير زنون إلى أن الأوضاع قبل الثورة لم تكن تشجع على الإبداع أو بذل العطاء الفكري لمخترعي مصر ومبتكريها، مؤكدا على أن البيروقراطية كانت من أهم العوائق التي تواجه هؤلاء الشباب، وقال: «لم يكن أحد يهتم بهم.. وكانت مشكلة عدم التمويل بعد اعتماد الاختراع الذي تقدم به الشاب هي أهم المشكلات التي تواجه أي مبتكر، فقد كانوا يعطونه براءة الاختراع ثم يقولون له (تصرف أنت فيما بعد ولا علاقة لنا بك، وحاول أن تذهب لمن يساعدك). وبطبيعة الحال كان يدفن هذا المشروع، وقليلون جدا من استطاعوا أن يجعلوا اختراعاتهم ترى النور».

وعن المجال السني الخاص بالمبتكرين المنضمين إلى «بنك الأفكار»، قال زنون إن هناك طفلا عمره 9 سنوات قدم اختراعا يتعلق بمعالجة الإشعاعات النووية الناتجة عن القنابل الذرية في محيط المنشآت النووية، فيما قدم مخترع مصري يبلغ من العمر 80 عاما اختراعا لجهاز يعمل على إزالة الألغام في صحراء مصر ومنطقة العلمين والساحل الشمالي بسهولة ويسر.

ويؤكد زنون على أن براءة الاختراع في مصر لا تعطى إلا في التخصصات العلمية، في حين أن هناك آلاف المشاريع التي تهم حياة المواطن العادي بعيدا عن التخصصات العلمية، وهي التي يشجع عليها البنك حاليا، قائلا: «هناك مثلا اختراع متعلق بتلوين إطارات السيارات بألوان فسفورية للحد من حوادث التصادم على الطرق عند تعطل السيارة في الظلام أو في أي مكان غير مرئي، حيث تعمل هذه الألوان على توضيح أبعاد السيارة من مسافة طويلة، فيما ابتكر أحد الشباب مجموعة من (السوست) (اليايات) التي تحد من خسائر حوادث القطارات بنسبة 90 في المائة من خلال قدرتها على امتصاص الصدمات ما بين عربات القطار».

ويضيف قائلا: «قائمة الاختراعات طويلة جدا، ولكن مثلا حادثة (عبارة السلام)، التي راح ضحيتها أكثر من 1000 مصري منذ سنوات، جعلت مبتكرا مصريا يصمم مجموعة من (الجوارب) التي يمكنها أن تمنع غرق أي سفينة في البحر في حال حدوث أي عطل مفاجئ إلى حين وصول فرق الإغاثة، من خلال جعلها طافية على سطح البحر لعدد طويل من الساعات».

ويقول ضاحكا: «أما إذا كنت ممن تعرضوا لسرقة سياراتهم في يوم من الأيام، فقد قدم شاب آخر اختراعا يساعدك في منع سيارتك المسروقة من التحرك وتحديد مكانها من خلال جهاز جوالك الخاص. كما أن هناك ابتكارا آخر يقوم بحل صواميل السيارة مجمعة في جهاز واحد، وليس ذلك فقط بل بجميع مقاسات الصواميل المختلفة ومقاسات السيارة المتنوعة، كل هذا في جهاز واحد».

هذه الاختراعات والابتكارات استطاع البنك أن يجد لبعضها تمويلا لكي تخرج للنور قريبا، فيقول زنون: «الأمل في مصر ما بعد الثورة جعل الأمور تتغير كثيرا فقد استطعنا توقيع اتفاقية مع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا لعدد 50 اختراعا وابتكارا بتمويل يبلغ قدره 250 ألف جنيه لكل مشروع بالتعاون مع مؤسسة (مصر الخير)».