تشكيلة من «ديور» تفتقد رومانسية الماضي.. وآن فاليري هاش تحتفل بعشر سنوات من الإبداع

اليوم الأول من أسبوع الـ«هوت كوتير» الباريسي لخريف وشتاء 2012

TT

قد تكون العارضة كايت موس قد اختارت فستان زفافها في الأسبوع الماضي من تصميم صديقها جون غاليانو، الأمر الذي لا بد وأن يكون قد أثلج صدره وأخرجه من حالته النفسية السيئة ولو مؤقتا. فسواء أعجبنا التصميم أم لم يعجبنا فإنه على الأقل أعاد إلى الأذهان صورته كمصمم مبدع من الصعب مضاهاة أسلوبه. لكن مما لا شك فيه أن عرض «ديور» أمس هو الذي أعاد إليه اعتباره، ومن المتوقع أن يحسن مزاجه لأيام كثيرة قادمة. فلو كنا نؤمن بنظرية المؤامرة لقلنا إن فريق العمل الذي أشرف على هذه التشكيلة تعمد أن تخرج بهذا الشكل الذي لا يمت إلى أسلوب «ديور» المترسخ في المخيلة، من باب الولاء له، رغم حيويته العصرية الواضحة في الألوان والتصاميم وطريقة التعامل مع الأقمشة. لكن هذه ليست مؤامرة بقدر ما هي أمر طبيعي عندما لا يكون للمركب ربان. التشكيلة الموجهة لخريف وشتاء 2012 طال انتظارها، لسبب معروف وهو أنها أول تشكيلة تقدمها الدار دون مصممها المغضوب عليه الذي فصلته منذ أشهر، وبالتالي فإن محاكمتها ستكون مثيرة. ومن هذا المنطلق جاءت بالنسبة للبعض غير ملهبة للخيال، بل باهتة وصادمة في الوقت ذاته. صحيح أن الأغلبية لم تكن تتوقع تشكيلة باهرة وفخمة من الوزن الثقيل، لكن ما لم يكن يخطر على البال أن تأتي بهذا الضياع والتشتت وهذا التحول الكبير من الفخامة إلى الخفة. كانت هناك عدة أفكار، لكن لم تكن هناك فكرة واضحة المعالم تم التعمق فيها وسبر أغوارها بشكل واضح ومفصل ويمكن الاستناد إليها. الشرح الذي قدمته الدار في الملف الصحافي الموضوع على الكراسي الرمادية في متحف «لو رودان» جاء واعدا، يقول إن التصاميم تستمد خطوطها من وردة عصرية، كما من خطوط وأشكال هندسية معمارية مستلهمة من فرانك غيري (اللفتة قد تكون رغبة في إلقاء تحية إلى أن مؤسس الدار كان مهندسا معماريا قبل أن يكون مصمما)، أو من أعمال المصمم مارك بوهان، الذي عمل مع «ديور» سابقا، وفنان الغرافيك جون بول غولد، وغيرهم ممن تعاملوا مع الدار في فترة من الفترات، بيد أن النتيجة أسفرت عن ورود دون رائحة، وأشكال معمارية وهندسية لكن غير محددة المعالم، لا سيما وأنها اقتصرت على النقوشات والإكسسوارات، مثل القبعات والأحذية، وبعض التفاصيل القليلة، في حين كان من المتوقع أن تكون أكثر تفصيلا وتحديدا في تفاصيلها وثناياها وطياتها حتى تطوي صفحة غاليانو للأبد. ما حدث أنه، على الرغم من تنوع الألوان والتصاميم والنقوشات فإنه لم يبقَ في الذهن إلا صور حفنة من الفساتين بأكمام يمكن أن تفتح كمروحة، وصورة فستان طويل بالأبيض والأسود يمثل مهرجا في سيرك.

المعروف أنه بعد سقوط جون غاليانو من القمة إلى الحضيض منذ أكثر من أربعة أشهر، وفصله من عمله كمصمم فني للدار، أنيطت مهمة تصميم التشكيلة الحالية بفريق عمل، وأعرب المسؤولون عن ثقتهم في هذا الفريق. لكن مهما بلغت مهارة الأيادي الناعمة وحرفيتها وخبراتها وتأكيد الجميع أن معمل «ديور» الواقع بشارع مونتين مثل خلية النحل يضج بالإبداع والحرفية، إلا أن أي معمل، مهما كانت عظمته، يحتاج إلى قائد أو مايسترو يوجهه ويحدد طريقه ويلهمه. فمن دون مصمم تضيع الرؤية ومن ثم الطريق. الدليل أن وجوه الحضور الصامتة كانت تنم عن ذهول، وظل الجو قاتما إلى النهاية، ليأتي التصفيق بدوره باردا، بل هناك من لم يكلف نفسه حتى هذا العناء، فقط لملم أغراضه وخرج متوجها إلى حديقة متحف «لورودان» حيث كانت مصممة الجواهر بالدار فكتوار دي كاستيلان ستقدم تشكيلة راقية من الجواهر. اختلاف كبير عما كانت عليه نهاية العرض في السابق، حين كان المصمم يحيي الجمهور متقمصا شخصية من الشخصيات لينتزع الابتسامات والتصفيقات الحارة. الفرق بين «ديور» التي تعودنا عليها و«ديور» أمس غياب عناصر مهمة في موسم الـ«هوت كوتير» تحديدا، وهي الحلم والرومانسية والإبهار. عناصر فهمها غاليانو وأتقنها جيدا، إلى حد أن برنار آرنو، الرئيس التنفيذي لمجموعة «ال في ام اش» المالكة لـ«ديور» قال عنه في يوم من الأيام إنه نجح في التقاط روح المؤسس كريستيان ديور نفسه، بل ويتقاسم معه صفات كثيرة، أهمها الرومانسية.

الطريف أن غاليانو استلهم، في أحد عروضه السابقة، من الشاعر جون ويلموت قوله: «بما أن التغيير قانون الطبيعة، فإن الاستقرار الدائم، أو البقاء على حال واحد، يعتبر أمرا غريبا»، ما لم يكن في حسبانه عند اختياره لهذه المقولة أن تأتي رياح التغيير عليه في يوم من الأيام، فغيابه كان بالفعل غريبا، إلى حد أن شبحه بدا وكأنه لا يزال هائما داخل الدار المسكونة بذكراه وتأثيره، لا سيما وأن صفحته لم تطوَ تماما. فصدور الحكم في القضية المرفوعة ضده بسبب تفوهه بكلمات معادية للسامية ستكون حتى شهر سبتمبر (أيلول) القادم، وإن كان هذا المستقبل تحدد بالنسبة لكل من «ديور» ودار «غاليانو» التي تملك مجموعة «ال في ام اش» نسبة 91% من أسهمها. كان ذلك بعد أن أعلن رئيسها التنفيذي برنار أرنو أنه ليس هناك أية إمكانية برجوع المصمم البريطاني الأصل للعمل في الدار الفرنسية العريقة بعد سقوطه الأخير. وذهب إلى أبعد من ذلك بتأكيده بأنه لن يعمل في أي من بيوت الأزياء التي تملكها المجموعة، وهي كثيرة. لكن لماذا هذا الإحساس بوجود شبح غاليانو أمس في الدار التي قادها إلى عدة نجاحات تجارية وفنية لأكثر من عقد من الزمن؟ هل هو الأسلوب الرومانسي الذي أخذه من المؤسس كريستيان ديور وغاب، أم هو عشقه لشتى الثقافات واستقاؤه من أعمال مبدعين معروفين وغير معروفين بطريقة معمقة تنم عن ذكاء وقدرة هائلة على الإبداع؟ وسواء كان هذا أو ذاك فالمهم أن روحه كانت حاضرة وشبحه لا يزال هائما ولن تتخلص منه «ديور» حتى تعلن عن مصمم جديد يفهمها جيدا ويحبها أكثر، لكي يُدفن شبح غاليانو وينهي المقارنات، خصوصا وأن البعض مقتنع بأنه، ورغم النجاحات التي حققها لدار «ديور» وأثمرت زيادة ملموسة في المبيعات والأرباح، وافتتاح مئات المحلات الجديدة في كل أنحاء العالم، يبقى أصغر من اسم «ديور». فزبونات الدار المخلصات لن يثنيهن وجود غاليانو أو عدمه ما دامت الدار تتحف وتحافظ على مبادئ الـ«هوت كوتير» كما تعودن عليها منذ عهد المؤسس كريستيان ديور وخليفته إيف سان لوران، الذي كان شابا غضا لا يتعدى الـ21 من العمر عندما مات المؤسس، ومصممين آخرين توالوا على قيادة الدار. وإذا كان عدد زبونات الـ«هوت كوتير» قد تقلص في أميركا وبعض مناطق العالم، فإنه انتعش في مناطق أخرى، مثل الصين وروسيا، بينما بقي منتعشا في الشرق الأوسط، ولا تزال الدار تفخر بزبونات هذه المنطقة ممن ورثن حب الموضة وجماليات هذه الدار لحفيداتهن، بحيث لا تكتمل حفلاتهن وأعراسهن دون فستان مفصل على المقاس نفذته مجموعة من الأيادي الناعمة يفي بالتفرد المطلوب ويبرر سعره الناري. لكن من الصعب تصور أن ولاءهن سيمتد إلى هذه التشكيلة.

اليوم الأول لم يكن لـ«ديور» فقط، فقد افتتحت الأسبوع الفرنسية الشابة آن فاليري هاش، التي احتفلت بمرور عشر سنوات على بدايتها في هذا المجال، بعشرة تصاميم أيقونية من سجل مشوارها الفني. آن فاليري هاش التي غابت منذ عام عن موسم الـ«هوت كوتير» فضلت عرضا بسيطا وحميما في فندق «شانغريلا»، تركت فيه الكلام لتصميمات عصرية وشابة تشبع رغبة أية امرأة في الأناقة والراحة. فإلى جانب اللونين الأسود والأبيض حقنت التشكيلة بألوان هادئة، مثل السلمون والبيج، وأقمشة خفيفة وناعمة مثل الحرير والموسلين. أما تركيزها فكان على التصميم الذي تميز بالانسيابية والخفة. لم تنسَ أيضا لمساتها الرجالية الممزوجة بتقنية الدرابيه في بنطلونات ملفوفة وقمصان منسدلة وجاكيتات «توكسيدو» و«بوليرو» بتفصيل متقن أكسبها الكثير من الاحترام رغم سنواتها القليلة في عالم يحتاج فيه المرء إلى الكثير من الدعم والسنين لفرض نفسه.