ستيفان رولان يتفوق على نفسه.. وجيورجيو أرماني يتوجه إلى اليابان

أسبوع باريس للأزياء الراقية.. ما بين الرحلات الفنية والبرجوازية الراقية

TT

يبدو أن طقس باريس هذا الأسبوع، يتنافس مع عروض الأزياء في درجات الحرارة. ورغم لهيب أشعة الشمس، التي تصيب بالتعب والخمول، فإنها في عرض المصمم ستيفان يوم أمس، أعطت تأثيرا مختلفا. فالحرارة في المسرح الوطني دي شايو، حفزت الحواس وبثت النشاط في الخطوات. اكتظ المكان بمحبيه من كل أنحاء العالم، وإن كانت نسبة العربيات لافتة، وكان يكفي لبعضهن أن يذكرن أسماءهن ليتم إدخالهن دون حاجة للوقوف في الطابور الطويل أو تقديم بطاقات الدعوة. بداخل القاعة بدأ عرس الألوان والتصاميم التي استهلها المصمم بمعطف أسود يغطي الركبة بتقنية جديدة تبدو الغرز فيها وكأنها ضفائر، أو مجسمات لقباب بيزنطية صغيرة جدا إذا أخذنا كل واحدة على حدة. شرح ستيفان رولان بأنه قام برحلة آسيوية مثيرة ساعدته على ترجمة تشكيلته في لوحات فنية لعب فيها على الخط الصيني التراثي بخطوطه المنسابة كعشب بري، والكيمونو الذي يعانق القوام الطويل والرشيق ويتناغم مع أكمام واسعة وثنيات تستقي خطوطها من الـ«هانفو» أي الثوب الحريري الذي تميزت به بلاد الصين في العصور الوسطى ولا يزال يعبر عن الترف والفخامة. لم ينس المصمم أن يزور جبال غيلين، وهي من العجائب السبع، فرسمها على الأجزاء السفلية من فساتين تمثل الضباب الذي يغلف هذه الجبال العجيبة وبعض الطيات المزينة بعيدان مطلية باللك. عيدان تكررت كثيرا في تفاصيل متناثرة تزين الصدر عدة مرات، والظهر مرات أخرى.

ورغم هذه الرحلة الصينية التي تشد الأنفاس، فإن المصمم لم يكتف بها، وحاول التعبير عن إعجابه أيضا برسومات الفنان البريطاني دافيد دوانتاون، بخطوطها المحددة والتي تناغمت فيها ألوان الأسود والأبيض والأرجواني والأخضر والأحمر والأصفر، أحيانا بدرجات مطفية وهادئة، ومرة بدرجات مشعة تنشد إدخال السعادة على النفس مثلما هو الحال بالنسبة لفستان أصفر فاقع منحوت على الجسم. لكنه لم ينس المرأة التي تميل إلى الخطوط الرشيقة والمحددة من خلال فساتين تعانق بعض أجزاء الجسم لتنسدل في أجزاء أخرى مستعملا أقمشة خفيفة مثل الجيرسيه أو الحرير الساتان أو الجازار والاورغنزا والحرير والتول. ولأن ستيفان نحات قبل أن يكون رساما، فإن تأثير الفنانة ومصممة الأثاث الفرنسية ماريا بيرغيه، كان واضحا على بعض التصاميم والاكسسوارات تحديدا، تارة من خلال إبزيم يحدد الخصر من الوسط أو الجانب أو من خلال طيات على الأكتاف أو ذيل يبدأ من الظهر ليصل إلى الأرض. الفستان الأبيض الذي أنهى به العرض، على أساس أنه فستان عروس كان تحفة فنية بكل معنى الكلمة، فمكانه الطبيعي يجب أن يكون في متحف لكي يستمتع به أكبر قدر من الناس، عوض أن يكون من نصيب امرأة واحدة. تفاصيله الدقيقة ووزنه الثقيل يفضح عشق المصمم لفنون الهندسة والمعمار، حيث كان تجسيدا للعمارة القديمة بكل انحناءاتها وتقويساتها وارتفاعاتها سواء في الأكمام أو الذيل. ومع ذلك يبقى أهم شيء في هذه التشكيلة، ذلك الإحساس بحركة الجسم داخل الأقمشة، فكل شيء من الحجم إلى اللون والتفصيل وغيرها كان متكاملا ويكمل بعضه البعض، وبذلك حقق رولان المعادلة الصعبة. فما يبدو بسيطا في تصميمه ومحسوبا في أحجامه وثنياته، يكشف عن كمية هائلة من التفاصيل الدقيقة على الظهر وغيره من الأجزاء. وهنا تكمن عبقرية المصمم، الذي نجح مرة أخرى في التفوق على نفسه، وهو الأمر الصعب بحكم إبداعاته واقتراحاته القوية في المواسم الماضية، مما يجعله أملا من آمال باريس التي باتت تفتقد إلى فنية أيام زمان وتفردها، حين كان لكل مصمم أسلوبه وبصمته الخاصة التي تميزه عن الباقي.

المصمم غيامباتيستا فالي، الذي يجرب حظه في مجال الـ«هوت كوتير» لأول مرة بعد نجاحه في مجال الأزياء الجاهزة، أيضا نجح في تقديم تشكيلة مبهرة لكن من نوع مختلف. فبينما اعتمد ستيفان على الفنية والغوص في ثقافات الغير والفنون، اعتمد الثاني على أسلوبه البرجوازي، الذي نجح من خلاله في استقطاب الطبقات المخملية وفتيات المجتمع الغربيات وبعض الشرقيات أيضا. تشكيلته لخريف وشتاء 2011 - 2012 يوم الاثنين جاءت مفعمة بالإبهار والأناقة من خلال فساتين سهرة درامية في ألوانها وتصاميمها وخاماتها على حد سواء. ماركة فالي المسجلة كانت دائما ذلك الأسلوب البرجوازي الممزوج بلمسة ريترو، إلى جانب سخائه في استعمال التطريزات والريش والأحجام الكبيرة. لم يختلف الأمر هذه المرة أيضا مع فارق واحد وهو أن السخاء زاد والبرجوازية توضحت أكثر.

المصمم الروماني الأصل، والذي تعد الملكة رانيا العبد الله من زبوناته، إلى جانب بينلوبي كروز، وفيكتوريا بيكام، وبيانكا برانديني، وغيرهن، يعرف أن الأزياء الراقية لا تقتصر على فساتين السهرة فحسب، وأن المرأة التي تميل إلى هذا الجانب، رغم أنها من القلة، تريد فساتين وقطعا خاصة بالنهار وبكل مناسباتها ونشاطاتها. ولكي يلبي طلباتها، قدم لها جاكيتات بشتى الأطوال وبنطلونات «كابري» إلى جانب فساتين قصيرة، إلا أن الأوشحة المصنوعة من الشيفون والمنسابة فوق الفساتين الفخمة كانت أكثر ما أثار الانتباه والإعجاب، علما أنه نجح مرة أخرى في إعطاء التنورة المستديرة بشكلها الضخم بريقها، وفساتين الباليرينا من الشيفون بألوان المرجان والأبيض وغيرها، حداثتها. الجميل في هذه التشكيلة الموجهة لخريف وشتاء 2012، أن غيامباتيستا فالي، لم ير داعيا لإخفاء توجهه إلى النخبة، فالأسبوع موجه لهم في المقام الأول، بحكم أن سعر القطعة الواحدة يبدأ من آلاف الدولارات، ومن هنا كانت القطع التي تستحضر «كابري» وجزر الكاريبي، والأمسيات التي لا تنتهي، من دون أن ينسى أن المرأة المرفهة يمكن أن تحتاج أيضا إلى تايورات تنبض بالقوة.

المخضرم الإيطالي جيورجيو أرماني، بدوره قام برحلة إلى اليابان، وكان أكثر جرأة في الغرف منها مقارنة ببشرى جرار. استعمل في تشكيلته الكثير من الحرير والتصاميم المستلهمة من الكيمونو الذي ترجمه المصمم بطريقته الإيطالية المحددة والمنحوتة، إن صح القول. جيورجيو الذي يعتبر المصمم المفضل لأميرة موناكو الحالية شارلين ويتستووك، بدليل أنها اختارته ليصمم لها فستان زفافها، غير قانع بها وحدها، فعينه على غيرها من الأميرات والنجمات في هذه التشكيلة التي ضخ فيها كل معاني الأناقة والترف. عيبها أنها جاءت منحوتة بشكل يصعب المشي فيها. فضيقها من أسفل جعل المشي فيها صعبا على العارضات المتمرسات فما البال بامرأة عادية، لكن يشفع لها خاماتها وفنيتها التي أكدت أن ينبوع هذا المخضرم لا ينضب، وبأنه دائما ينجح في مفاجأتنا بأفكار جديدة وتقنيات حديثة. ثم لا ننسى أن الاكسسوارات فيها كانت جد ملفتة خاصة القبعات.

أما اللبناني ربيع كيروز، الذي أصبحت باريس تعشقه منذ أن التحق بغرفة الموضة «شامبر سانديكال»، وتم الاعتراف به وإدخاله البرنامج الرسمي فيها، فقدم تشكيلة جد حيوية تخاطب شريحة مختلفة تماما من الزبونات. استهلها بمجموعة كانت أقرب إلى الأزياء الجاهزة منها إلى الـ«هوت كوتير» من دون أحذية لخلق أجواء منعشة أقرب إلى الانطلاق والحرية خصوصا أن الأرض التي مشت عليها العارضات ببطء شديد كانت مغطاة بالماء. بعد هذه المجموعة التي تضمنت بضع قطع تعد على أصابع اليد الأولى، بدأت التصاميم الفنية تتوالى، مرة من خلال جاكيت ينم عن قدرة تفصيل عالية، ومرة من خلال فستان تم تقطيعه بالليزر ليعطي إحساسا بأنه دانتيل أو مخرمات تكشف عن قماش بلون مختلف تحته، ومرة من خلال بنطلون مريح يلتف حول الورك فيخلق خدعا بصرية تلعب على الـ«سبور» والكلاسيكي. الألوان أيضا تنوعت بين الأبيض والأزرق النيلي والأخضر الفستقي والأصفر. ما لم يتنوع أو يتغير هو الطول الذي غطى الركبة وخاصم الكاحل تماما. فبحكم سنه الغضة، وبحكم دراسته في باريس، فإن زبونة كيروز من النوع الذي لا يميل إلى البهرجة والمبالغة، بقدر ما تميل إلى الحرية والأناقة في كل الأوقات، لهذا عاد بنا إلى مفهوم الـ«هوت كوتير» الأساسي والذي يتمثل في كل ما تحتاجه المرأة من قطع، تغطي كل تفاصيل الحياة وليس فساتين السهرة والمساء وما يدخل فيها من ترصيعات وتطريزات براقة فقط.