مشروع أوروبي يوصل الإنسان إلى سرعة لم يحلم بها من قبل

مركبات فضائية بلا وقود تصل سرعتها إلى 180 ألف كلم في الساعة .. وسفن فضائية تستخدم «أشرعة إلكترونية» للطيران

«اليخت الفضائي» الياباني «إيكاروس» الذي أطلقته اليابان ويعمل بالطاقة الشمسية (إ.ب.أ)
TT

هيمن الأميركيون على العالم في مجال الصناعة الفضائية وغزو الفضاء منذ الخطوات الأولى التي خطاها نيل أرمسترونغ على سطح القمر، إلا أن الاتحاد الأوروبي قد يسرق من «ناسا» الأضواء بفضل المهندس الفنلندي بيكا يانهونن الذي يقود مشروعا لإنتاج مركبات فضائية تسير بسرعة هائلة بقوة رياح الشمس.

والمشروع الأوروبي، الذي تشارك فيه ألمانيا وإيطاليا وآيسلندا والسويد، إلى جانب فنلندا، يخطط لإنتاج أول جيل من المركبات الفضائية التي تنطلق بسرعة خيالية تصل إلى 180 ألف كم في الساعة (50 كم في الثانية). ويفترض أن يجري (مختبريا) عام 2012 تجربة أول نماذج مصغرة من مركبات فضائية تعمل بدون وقود وتستخدم قوة رياح الشمس لبلوغ مثل هذه السرعة. هذا يعني أن الإنسان، في المستقبل القريب، سيتمكن من إرسال مركبة فضائية مأهولة إلى كوكب بلوتو، الكوكب السيار الأبعد عن الأرض في مجموعتنا الشمسية، خلال 5 سنوات.

ونقلت صحيفة «دي فيلت» الألمانية عن معهد الفضاء الفنلندي أن المهندس ميكا يانهونن يقود مشروع سفن الفضاء العاملة بـ«الأشرعة الكهربائية». ويبدو أن جيل مركبات «الأشرعة الإلكترونية» لن يكون الأسرع من نوعه حتى الآن في تاريخ البشرية، وإنما الأكبر أيضا، لأن سرعته تزداد بازدياد حجم هذه المركبات. هذا يعني أيضا أن الإنسان، وخلال أعوام قليلة، يمكن أن يدشن عصر الرحلات الجوية الكبيرة التي تتسع لمئات أو آلاف البشر.

وتكشف خطط المعهد الفنلندي للفضاء أن هذه المركبات ستكون شبيهة بشبكة العنكبوت ويبلغ قطر الواحدة منها نحو 40 كم. وتتحرك المركبة «العنكبوتية» بفضل 50-100 رِجل يبلغ طول الواحدة منها نحو 20 كم وتتألف من 4 طبقات من نسيج معدني غاية في الرقة، ويبلغ سمك الواحدة منها جزءا من 100 جزء من السنتيمتر. وللمقارنة فإن سمك شعرة جسم الإنسان يبلغ ضعف سمك هذا النسيج الخارق.

بعد الارتفاع في الجو لمسافة معينة تنطلق الأنسجة من رأس «العنكبوت» بواسطة مدافع إلكترونية (قدرتها عدة مئات من الواط) كي تنتشر بالتساوي على الأرجل. والشبكة النسيجية محملة بطاقة كهربائية موجبة، وتكون بين رجل وأخرى مساحة 2 كم مربع من الحقول الإلكترونية التي تحرك المركبة.

ومثل هذه الشبكة العنكبوتية قادرة، دون الحاجة إلى وقود، على تحريك المركبة الفضائية بقوة «رياح الشمس» التي تتدفق على هذه المساحة الواسعة من الشبكة. ورياح الشمس عبارة عن موجات من الجزيئات (البارتكلز) التي تتدفق بشكل دائم من مصدر الطاقة الرئيسية في مجموعتنا (الشمس). وهنا تستخدم الشبكة العنكبوتية طاقتها الكهربايية الموجبة للتنافر مع جزيئات موجات رياح الشمس، الموجبة أيضا، وبالتالي دفع المركبة إلى الأمام باستمرار.

وحسب تصريح يانهونن فإن الضغط داخل الشبكة العنكبوتية، وبين طبقاتها، يبقى ضئيلا جدا، لكنه يظل كافيا لتحريك المركبة وتزويدها بالطاقة. ولا يرتفع الضغط هنا إلى أكثر من 2 نانو باسكال (النانو يعادل واحدا من مليون جزء)، أي إن الضغط لن يزيد داخل «الأشرعة الإلكترونية» عن 0.2 غم على الكيلومتر المربع من الأشرعة. فقوة الضغط الدافعة هنا تستمد قوتها من استمرارية ضغطها على المساحة الكبيرة للأشرعة.

وتم حساب أن ترتفع سرعة المركبة الفضائية بالتدريج لتكتسب تعجيلا يوصل الـ 1000 كيلومتر من المركبة طوال سنة إلى أن يصل بها إلى سرعة 30 كم في الثانية. وهكذا يمكن للمركبة، ومع زيادة المسافة، أن تصل إلى سرعة تزيد 5 مرات على سرعة أية مركبة فضائية معروفة، أو أي جسم طائر مثل الصاروخ. ويعول يانهونن على هذه التقنية في بلوغ سرعة جزيئات رياح الشمس التي تتحرك بسرعة 400-800 كم في الثانية، وبالتالي بلوغ الكواكب البعيدة مثل أورانوس وبلوتو.

المركبة عنكبوتية الشكل، وذات أرجل وشبكة عنكبوتية، ولهذا فإن جسمها يتحرك كالعنكبوت أيضا. وهذا يعني أنه من الممكن تحريك الأرجل والشبكات بغية إدارة دفة المركبة الفضائية، والتحكم بسرعة الانطلاق، والتحكم بالاتجاهات. بل إن المركبة قادرة على الطيران بعكس اتجاه جزيئات رياح الشمس، إذا تطلب الأمر ذلك، ولكن بعد أن يغير العنكبوت شكله تماما.

وقد مول الاتحاد الأوروبي مشروع تجربة «E-Sails» في مختبرات معهد الفضاء الفنلندي، على مركبات مصغرة، بمبلغ 1.7 مليون يورو كي يتأكد من أن هذه المركبات ستبلغ فعلا مثل هذه السرعة، ودون أن تتحطم، قبل أن يبدأ بإنتاج الجيل الأول بالحجم الحقيقي منها. بعبارة أخرى فإن الاتحاد الأوروبي يريد التأكد من عدم وجود فجوة كبيرة بين النظرية والتطبيق في حالة الأشرعة الإلكترونية. وطبيعي أنه يمكن للتجارب المزمع إقامتها مختبريا في العام القادم أن تحسم قرار تمويل المشروع بعدة مليارات.

إحدى أهم التجارب التي سيراقبها الاتحاد الأوروبي في مختبرات يانهونن هي تجارب استخدام تقنية «الأشرعة الإلكترونية» في إرسال القمر الصناعي النانوي الفنلندي «التو-1» والقمر الصناعي النانوي الآيسلندي «إيست كيوب-1» في مدارات نانوية (مختبرية) في الفضاء حول الأرض.

على أية حال فإن مشاريع الفضاء العلمية العالمية لا تخلو من سيناريوهات «هوليوودية» مستمدة من الخيال العلمي. إذ جربت وحدة الابتكار في وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» قبل 10 سنوات إطلاق قمر صناعي وزنه 450 كغم إلى مدار حول الأرض باستخدام مدفع فضائي طوله 1.1 كم. والفكرة كما هو واضح مأخوذة من إحدى روايات جول فيرن.

وأطلقت اليابان قبل سنوات أول مركبة فضائية تعمل بالطاقة الشمسية وتستخدم شراعا بشكل مظلة قطرها 20 مترا لتجميع ضوء الشمس وتحويله إلى طاقة، أطلقت عليها اسم «اليخت الفضائي إيكاروس»، لكن قدراته وحجمه تبقى ضئيلة بالمقارنة مع مركبات «الأشرعة الإلكترونية» التي يقترحها الاتحاد الأوروبي.

لكن هذا ليس كل شيء حسب تقدير العالم الفنلندي، لأن مشروعه يختلف عن مشروع «مدفع الأقمار الصناعية»، فشبكات العنكبوت الواسعة التي ينسجها لا تزن بمجموعها أكثر من 100 كغم، ولا تحتاج إلى مدفع أرضي، وإنما إلى مدافع إلكترونية مثبتة في رأس «العنكبوت». وهذه الشبكة قادرة على حمل ونقل أوزان تزيد آلاف المرات عن وزنها، وبسرعة هائلة، باستخدام رياح الشمس. كما يمكن استخدام شبكة الأشرعة الإلكترونية، حسب تصورات العالم الفنلندي، في اقتناص النيازك ودراستها أو إبعاد النيازك التي قد تهدد الأرض عن مسارها القاتل.