أمسية رومانسية على ضوء القمر والنجوم مع «شانيل».. وبشرى جرار تغازل اليابان من بعيد

في أسبوع باريس للـ«هوت كوتير» يؤكد مصممها كارل لاغرفيلد أنها أقوى من نابليون

TT

عندما يتعلق الأمر بإخراج وتقديم عرض باريسي من 10 نجوم وأكثر، فإن كارل لاغرفيلد مصمم دار «شانيل» لا يخيب الآمال. أول من أمس وفي الساعة العاشرة مساء كان موعد تقديم تشكيلته لخريف وشتاء 2011 - 2012. الكل استغرب الوقت المتأخر، والبعض تذمر من الأمر، خصوصا وأن اليوم كان طويلا والمشي بكعوب عالية، حفاظا على الـ«بريستيج»، لأكثر من تسع ساعات في عز الحر لم يكن هينا، لكنه عرض «شانيل» ولا يمكن لأي أحد أن يتقاعس، بل وحتى أن تسول له نفسه أن يتأخر.

بمجرد دخول «لوغران باليه» انتعشت كل الحواس واستيقظت في تحفز لما هو آتٍ. لاغرفيلد كان معذورا لاختياره هذا الوقت المتأخر، لأنه كان يريد أن يأخذنا في نزهة باريسية على ضوء القمر والنجوم في ساحة «بلاس فاندوم» معقل الجواهر الراقية، حتى يتنافس بريقها مع ضوء النجوم المتلألئة، ومن هنا كانت ظلمة الليل مهمة بالنسبة له، لتعكس الضوء المنبعث من مئات النجوم. أمر لم يكن ممكنا في النهار، خصوصا وأنه ممنوع منعا باتا تغطية القبة الزجاجية أو المساس بها. كعادته انتبه إلى كل التفاصيل، ومن هنا وضع وسط الساحة نصب نابليون العالي الموجود في الساحة الأصلية، لكنه استبدل بنابليون الآنسة كوكو شانيل بمظهرها الأيقوني: تايور مكون من جاكيت وتنورة وقبعة رأس. أما الأرض فغطاها بما يشبه حجر الغرانيت الأسود بذرات متلألئة تبدو وكأنها قطرات مطر خفيفة، حتى ينسى الحضور أنهم في عز الصيف، ويخلق جوا مناسبا لتشكيلة موجهة للخريف والشتاء، بألوانها الداكنة مع زخات قليلة من الوردي وبعض النقوشات الوردية على خلفية سوداء في بعض القطع. بدأ العرض بدوران العارضات حول هذا النصب، بداية في تايورات بتنورات تتباين أطوالها، مع جاكيتات محددة عند الخصر لتنتفخ تحته بشكل مقبب خالقة مع التنورات المستقيمة مظهرا متوازنا وأنيقا، خصوصا عندما لا تكون المرأة مضطرة إلى المشي بخطوات واسعة، نظرا لضيقها الشديد من تحت وعدم توفرها على فتحات.

كان غياب البنطلون لافتا ومشيرا إلى أن المصمم قرر أن تكون التنورة هي البطل في الموسمين المقبلين، ولحسن الحظ جاءت بتصميم رشيق ومستقيم تغطي الركبة في أغلب الأحيان، وتزيد طولا كلما توالت القطع، لتصل إلى الأرض أحيانا. بهذا ضرب عصفورين بحجر واحد: مواجهة برد شتاء 2012، ومخاطبة زبوناته في الشرق الأوسط، خصوصا بعد أن لبست الشيخة موزة المسند تنورة طويلة من التويد خلال إحدى زياراتها الرسمية وبدت فيها رائعة.

بعد المجموعة الأولى من تايورات التويد بالرمادي والأسود، التي تحيي المؤسسة كوكو شانيل التي كانت تراقب العرض من أعلى بتايورها وقبعتها ونظرتها الثاقبة المعروفة، بدأ البريق يزيد. نعم، ما زلنا مع التويد ومع التايورات، لكنها أكثر عصرية وبترجمة جديدة، حيث أدخل عليها المصمم ذرات بريق ورصعها بأحجار شواروفسكي، ومع ذلك لم يدخلها مناسبات المساء والسهرة فقط، بل يمكن للمرأة الأنيقة أن تستمتع بها أيضا في النهار. طبعا لا نقصد هنا التايورات التي أدخل عليها طولا غير معهود، زينه من أسفل بالريش، أو بالأحرى القماش المقصوص بشكل جعله يبدو كذلك، أو القطع المصنوعة من المخمل والمزينة بما يشبه البليسيهات الحرير. بين الحين والآخر كانت تطل من تحت التنورة أو الجاكيت المنفوخ ستارة خفيفة من الحرير أو بعض التويد مما أعطاها بعدا جديدا.

في الفصل الثالث من هذه القصة المثيرة تحولت الجاكيتات إلى فساتين من التويد، استعرض فيها لاغرفيلد قدراته، ليس على التفصيل فحسب، بل أيضا على تجديد «شانيل»، الأمر الذي نعرفه جيدا، ومع ذلك يبهرنا فيه ويذكرنا به في كل مرة. التويد لم يكن القماش الوحيد، حيث قدم مجموعة من الفساتين والتنورات المنسابة على أقمشة مثل الأورغنزا والشيفون والساتان، كان الأسود هو السيد فيها وإن كان فستان سهرة بلون الفوشيا لافتا ومنعشا، وطبعا فستان الزفاف الأبيض، الذي كان من الساتان بذيل يبلغ طوله عشرة أقدام، مطرز بالفضي وموجه لعروس شابة وعصرية.

ولأن النهاية لا تقل أهمية عن البداية، فقد أطفأ الأنوار، وبعد دقيقة تقريبا من الترقب أرسل عارضاته كسرب حمام بأحذية تضيء المكان. نعم، أحذية مضيئة، لأنها كانت تتمتع بما يشبه اللمبات الصغيرة من أسفل، ورغم غرابتها وعدم تقيدها بالكلاسيكي، فإنه ليس هناك واحدة من الحضور لم تعبر عن رغبتها في الحصول على واحدة منها، حتى وإن كلفها الأمر ذوقها وسمعتها في عالم الأناقة. خرج الكل من العرض ناسيا أن الساعة تجاوزت الحادية عشرة، وذلك الموعد الذي داعب الجفون قبل التوجه إلى العرض، مع النوم، وبقي مستيقظا ذلك الإحساس القوي بأنه ما دام كارل لاغرفيلد يقود زمام «شانيل» ومحافظا على روحها فإنها بخير وستظل من أهم أساسات الـ«هوت كوتير» في باريس. تشكيلته لخريف وشتاء 2011 - 2011 تحمل الكثير من بصمات كوكو شانيل في الثلاثينات والأربعينات لكنها بترجمة عصرية تتنفس أجواء باريس وسحرها.

في المقابل كانت تشكيلة المصممة المغربية الأصل بشرى جرار مختلفة في ترجمتها للرقي، فهذه المصممة، التي دخلت موسم الأزياء الراقية منذ بضعة مواسم فقط لا تزال تركز على ما تتقنه جيدا، ألا وهو التفصيل المتميز والواضح، والتقطيع الهندسي وتقنية الدرابية المنسدلة بشكل خفي. كان واضحا هذا الموسم أنها عانقت الأسلوب «السبور» من خلال بنطلونات من الكريب للنهار و«تي - شيرت» محبوك باليد، وللمساء قميص من الشامواه بتفاصيل من الجوانب من الجلد اللماع. وفي ما عدا هذه القطع فإن الغالب على التشكيلة أناقتها الهادئة، وتركيزها على التقنيات التي تذكرنا أنها تعلمت على يد كبار وغرفت من أرشيفهم وخزنته في اللاوعي، الأمر الذي استحضر أسلوب بالنسياجا، الذي عملت في داره في السابق. التأثير الياباني كان خجولا في هذه التشكيلة وكأنها تريده أن يبقى مستترا، حتى عندما زاوجت بينه وبين أسلوبها الباريسي المعهود. وعلى هذا الأساس قدمت الكثير من القطع المنفصلة بتفصيل بسيط، وأخرى يغلب عليها الغرافيك، فضلا عن فساتين مستوحاة من الكيمونو والأحزمة العريضة والحرير المقلم بالأبيض والأسود. ظهر هذا التأثير أيضا في رفعها شعار «القليل كثير». فرغم أن الـ«هوت كوتير» تعني السخاء في كل شيء، فإن بشرى جرار بقيت وفية لأسلوبها في تجنب التطريزات والترصيعات وفي عدم استعمال ما لا تحتاجه من أقمشة، إلى جانب وفائها لألوان هادئة مثل الأبيض والأسود والرمادي والأزرق.