مشروع تفاعلي لتوثيق مشاهد لبنان بعدسات شابة

المصور عبد الرحمن مصطفى يكره التصرف الصبياني مع الكاميرا

TT

يستغل المصور الفوتوغرافي عبد الرحمن مصطفى كل حماسه وشغفه في التصوير ليخلق جيلا يشبهه، هكذا جاءت مبادرته خارج أي إطار منظم، استخدم موقع «فيس بوك» ليتواصل مع أكبر عدد ممكن من شبان وصبايا يجمعهم حب التصوير ومن أعمار لا تتجاوز العشرين سنة، لكي يبدأ معهم رحلة الغوص في أماكن لبنانية عبر عدسات الكاميرا. أول شرط عنده «ممنوع التدخين»، ليس هناك صلة حقيقية بين التصوير والدخان، سوى أنه يفقد تركيزه بوجود رائحة السجائر، تسرقه رائحة الطبيعة بكل جمالها، خصوصا إذا كانت الصور التي يلتقطها آتية من مشاهد الريف والجبال المختفية في ظلال الشمس، الضوء عنده بمثابة «الحظ»، فلا حظّ في التقاط صورة مميزة من دون ضوء حقيقي.

لا يقيس وقته بالزمن الذي يعمل فيه، هو مقتنع أن العمل لا يتيح له سوى النجاح، يجتاز كل لحظة بخفة مثل كل لقطاته التي تبدو للوهلة الأولى مصنوعة بحرفية كاملة، يكره الصورة «المزيفة» التي لا تعبر عن شيء، باعتباره أن كثيرين من الهواة يصورون بلا معنى، فالتصوير بالنسبة إليه ليس فقط التقاط الصورة، بل هو الفكرة بعينها، بكل دلالاتها والمشاعر التي تصاحبها وتقدمها للناظر إليها على أنها «هي»، مختلف بفنه وبصوره، يرى التفاصيل بشكل مختلف ودقيق وحقيقي، برهنت له التجربة أن التصوير هو تفاعل، فكلما كان المصور متفاعلا مع عناصر المشهد الذي يريد أن يفصله زمنيا في العدسة ويختمه بالضوء، كلما كانت الصورة معبرة وواضحة ولها تأثير فعلي على مشاهدها.

يعتز بأن من يرافقه من الشباب والصبايا داخل مناطق سياحية وسكنية في لبنان وهم يتجولون في الأزقة والبساتين الخضراء وبين الجبال العالية ليلتقطوا سحر الطبيعة وضجيج الناس وحركاتهم بأنهم مثله يملكون «شغف» التصوير ويحبون هوايتهم ولا يعتبرونها سوى «مجازفة»، لأن أحد أهم عناصر التصوير «المجازفة».

حين بدأ مسيرته وصار اسمه متداولا في الصحف اللبنانية والعربية، رغم سنه التي لا تتجاوز الرابعة والعشرين، صار يتابع كل ما يجري من أحداث أمنية في لبنان ويلاحقها بحرفية، حتى صار مصورا صحافيا متألقا، وليس آخر ما حاول المجازفة فيه هو دخوله باب التبانة في شمال لبنان وتصويره المعارك ليلا، يؤكد أنه يرى «لبنان بكل جوانبه، بفرحه وحزنه ودماره وعمرانه». الصورة هي «خطوة لتوثيق لحظة زمنية مرتبطة بمكان»، وفق ما يقول. تعجبه كل زواياها فيحافظ على توازنه ليعيدها إلى العدسة بطريقة بسيطة أو يقدمها بكل «كركبتها» وتفاصيلها «الفوضوية» بلا ابتذال أو إضافات متممة.

يكره التصرف الصبياني مع الكاميرا، ينتقد الذين يحاولون اقتناء الكاميرا للتسلية، يعتبرها شيئا مقدسا دخل حياته وغير تفاصيلها، بدايته كانت «شقية» بكل ما للكلمة من معنى، كان يخطف «كاميرا» عتيقة مخبأة داخل خزانة والده تعود إلى جده ويبدأ بـ«التفقيس» بها، تدرب على ذلك لسنوات إلى أن قرر بعد دخوله أحد المعاهد لدراسة الميكانيكا أن يبدأ بالتصوير الاحترافي، حين تعلم في إحدى المهنيات الرسمية اختصاص «ميكانيكا» كان يهرب من الحصص لـ«يتفرج» على طلاب «الغرافيك» وهم يرسمون، يخطف أنظاره إليهم ويتحسر على حاله، وحين أنهى تعليمه المهني قرر أن يجازف ويتعلم اختصاصا جديدا، في صف «التصوير الفوتوغرافي» تميز عن باقي رفاقه، ومن هناك استمد القوة الحقيقية ليطلق هوايته، صار ينزل إلى الشارع ويبدأ بالتقاط الصور لساحة التل وشوارع طرابلس القديمة، ومن بعدها صار يصور رفاقه وأساتذته والأنشطة التي تحصل في المعهد، تعرف من بعدها إلى أحد المصورين وعمل في الاستوديو لديه، تعلم هناك تقنيات كثيرة لا ينساها، وابتاع أول كاميرا «بروفشينال» له وبالدين، كانت هذه انطلاقته.

حينها اتبع حاسة الشغف لديه، صار يشتري «الكاميرات» العتيقة من «سوق الأحد»، فقط بـ20 دولارا ابتاع كاميرا تقدر بأكثر من 7 آلاف دولار، نظفها والتقط معظم صوره المميزة بها، لا ينسى أول صورة التقطها بعدسة هذه الكاميرا في قلب طرابلس، ما زال يحتفظ بها ويفتخر بأنها «بصمته» الأولى، يبتدع المشاهد في زيارات مختلفة بين سهول لبنان وقراه الصغيرة وبين زواريب حاراته في مدنه وعلى شاطئه وجزره البحرية، يفتخر أن لبنان «وجهة» سياحية بامتياز، ويعرف أن التصوير في لبنان «مريح»، لتنوعه وقرب مناطقه وجماليتها.

مشروعه في تطوير تقنيات التصوير لدى الجيل الطالع أكسبه شهرة بين صفوفهم، وصاروا يحبونه ويلقبونه بـ«المعلم»، هو كما يقول عن نفسه، إنه يبتلع المشهد بكل تفاصيله، المرة والحلوة، بعدسة خلقت لتصنع التغيير، فالتصوير كما يقول هو: «صناعة التغيير»، يتابع مشواره على أمل أن يحقق أحلامه في إقامة معرض عالمي عن لبنان السياحي بكل تناقضاته بعدسة تلامذته المراهقين وعدسته أيضا.