نافورات فاس تسترجع تاريخا امتد قرونا معتمدة على تقنيات حديثة

أهم نافورة في المدينة تجعل المياه ترقص على إيقاع الموسيقى

جانب آخر من نافورة الكرة الأرضية (تصوير: أحمد العلوي المراني)
TT

فاس من المدن العريقة التي ما إن تتجاوز أسوارها القديمة حتى تأخذك من زخم الحاضر وتسافر بك قرونا إلى الوراء، حين تتجول وسط أزقتها الضيقة التي تفوح منها رائحة التاريخ من خلال بناياتها وأسوارها ومدارسها وكذا نافوراتها القديمة. لذلك ارتأى مسؤولو المدينة إنشاء نافورات خارج الأسوار العتيقة، وطبقا لهندسة معمارية جديدة، تحافظ على الاختلاف القائم بين «فاس» التي تقع خلف الأسوار أو تلك التي خارجها.

يبلغ عدد النافورات الجديدة في شوارع فاس 27 نافورة، توجد في ست مقاطعات، خمس منها في شارع الحسن الثاني، وهو الشارع الرئيسي في المدينة، هذه النافورات جاءت في إطار مشروع إعادة تهيئة المدينة، وأشرف على إنشائها مهندسون من اختصاصات مختلفة، بالتعاون مع مكاتب دراسات والمجلس البلدي.

ويقول عبد الرحمان الكعابي المهندس في بلدية المدينة إن فكرة إنشاء نافورات في مختلف أحياء فاس جاءت بأمر المولى إدريس، وهو الملك الذي شيد المدينة، على أساس موقعها قرب وادي فاس، وكانت تسمى آنذاك مدينة المياه. وارتأى القائمون على المشروع الحفاظ على هذا الرمز ببناء نافورات جديدة خارج أسوار المدينة العتيقة.

وأشار الكعابي إلى أن الميزانية الإجمالية التي تطلبها إعداد النافورات وصلت إلى ثمانمائة ألف درهم (نحو مليون دولار). وأوضح أن تصاميم النافورات كان يراعي عددا من الشروط، أولها التقيد بالطابع الإسلامي، وأن لا تتناقض مع الهوية المغربية، وأن تحافظ على الطابع المعماري لمدينة فاس.

ومن أكثر النافورات أهمية، وهي الأكثر تكلفة، النافورة التي تقع في «ساحة المقاومة» ويتميز تصميمها بأنه يجعل الماء يرقص على إيقاعات موسيقية بانسجام متكامل، حيث إن ارتفاع الإيقاعات الموسيقية ينساب معه ارتفاع المياه بانسجام تام، وينخفض بانخفاضه، بالإضافة إلى الأضواء الموزعة بشكل يضفي طابعا رومانسيا على النافورة، وهو ما يفسر حرص بعض سكان فاس على التوجه إلى النافورة بعد انتهاء حفلات الأعراس لالتقاط صور لهما هناك مع العائلة والأصدقاء.

وتأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية نافورة «الكرة الأرضية»، وهي تسمى بهذا الاسم لأن شكلها يتوسطه عمود طويل على رأسه كرة ضخمة على شكل الكرة الأرضية، هذه الكرة مصنوعة من الغرانيت تزن أكثر من ستة أطنان، لكنها تدور عن طريق الماء بخفة كبيرة كلما تحرك الماء في النافورة، وهي الأخرى يقبل عليها الكثير من سكان فاس، ليس فقط للاستمتاع بمنظرها الجميل، بل لأنها تتوسط حديقة واسعة تشكل متنفسا للعائلات والأطفال على الخصوص للعب، وتتخلل الحديقة نافورات صغيرة جدا تعد امتدادا للنافورة الأم، وتم جلب الكرة الأرضية من الصين.

وفي المرتبة الثالثة تأتي النافورة المقابلة لولاية الأمن، التي يطلق عليها سكان فاس «خصة القنفود». هذه النافورة يتميز شكلها بأنها تجعل المياه على شكل كرة مائية منسابة ويطلق عليها اسم «القنفود»، لأنها تتكون من قطبان حديدية على شكل قنفذ، وهي القطبان التي يخرج منها الماء الذي يشكل بدوره النافورة.

تميز فاس بنافوراتها ليس أمرا حديثا، ومشروع النافورات الجديدة لم يشكل جديدا بالنسبة للمدينة على اعتبار أن تاريخ الهندسة المعمارية في المدينة لم يخلُ يوما من النافورات، حيث توجد نحو 70 نافورة تقليدية و700 سقاية توجد في المدينة العتيقة منذ القرن السادس عشر، داخل البيوت وفي القصور والمساجد، وكذا في الأزقة والمدارس العتيقة، وهي تمثل نموذجا للهندسة المعمارية الأصيلة، حيث كانت النافورات جزءا من الحدائق، ذات وظيفة عملية، وقيمة جمالية، وأحيانا كانت أيضا اختراعا علميا، إذ كان أهل فاس يستعملونها للزينة وكذا للشرب وسقي الحيوانات وري البساتين، ويعتقد أن وجود هذه النافورات ارتبط بشبكة مياه معقدة منذ نحو عشرة قرون، وتعد هذه النافورات من أهم وأجمل المعالم المعمارية والفنية في المغرب، ونافورات فاس بالذات تعد أشهرها، لا سيما أنها ارتبطت بأماكن شهيرة مثل «جامع القرويين» و«المدرسة البوعنانية». وكانت السلطات المحلية نفذت عملية ترميم النافورات القديمة والسقايات، حيث تم ترميم نحو 50 سقاية ونافورة كانت مهددة بالاندثار.