مدرسة الأمير تشارلز للفنون التراثية تحتفل بخريجيها

في احتفالية اختلط فيها الفن الإسلامي والفارسي.. ثلاث طالبات من إيران والسعودية والجزائز يحصدن المراكز الأولى

الأمير تشارلز يستمع إلى شرح من دانا عورتاني حول أعمالها (تصوير: حاتم عويضة)
TT

في بهو مدرسة الأمير تشارلز للفنون التراثية بلندن، الذي شهد حفل تخريج دفعة الماجستير يوم الخميس الماضي، اختلط الطلبة بالزوار والصحافيين، الذين قدموا لتغطية ما يعتبر، في منشآت تعليمية أخرى، حدثا سنويا يعد مهما للطلبة وذويهم.

الفرق هنا هو أن حفل تخريج هؤلاء الطلاب تحول إلى معرض فني ضم مختلف أنواع الفن التراثي، من الزخارف الإسلامية وجماليات الخط العربي، إلى الحفر على الخشب وانسيابية وجمال زخارفه، إلى قطع السيراميك الملونة ونوافذ الزجاج الملون، وغيرها من الفنون التراثية التي تراجعت إلى صالات المتاحف والمعارض، واختفت من الحياة اليومية.

الأمير تشارلز، ولي عهد بريطانيا، مؤسس المدرسة وراعيها، قام بزيارة وافتتاح معرض مشاريع التخرج لطلبة المدرسة، وقام بالتجول بين المشاريع المختلفة، واهتم بمعرفة تفاصيل كل مشروع، والتعرف على كل طالب. وفي نهاية جولته ألقى كلمة أثنى فيها على الأعمال المتميزة لثلاث من الخريجات، هم فرخندة أحمد زادخ، ودانا عورتاني، ورؤيا سواق.

وقال الأمير تشارلز: «أتطلع كل عام لهذا المعرض الختامي، ولفرصة لقاء طلاب يتميزون بالتفاني في دراساتهم، وأن أرى أعمالهم وأستمع إلى طموحاتهم».

وأضاف: «أعرف أنه ليس من العدل أن أختص طالبا بعينه من وسط هذا الجمع، ولكني آمل أن تسامحوني على ذكر الطالبة فرخندة أحمد زاده؛ بسبب الرسومات واللوحات المدهشة التي منحتها التقدير الأكاديمي، أيضا دانا عورتاني التي حققت التميز الأكاديمي؛ تقديرا لدراستها في الفنون والمعمار التراثي الإسلامي».

من خلال أقسام متعددة في البهو، وقف كل متخرج أمام مشروعه الأخير يعرضه على الزوار، وينتظر مرور الأمير تشارلز لتفقد مشاريع التخرج في المدرسة التي أسسها لرعاية هذه الفنون.

الملاحظ في الخريجين دائما هو نسبة الطلاب المقبلين من العالم الإسلامي، الذين يفدون إلى لندن لدراسة الفنون التراثية الإسلامية.

بابتسامة متوترة ومترقبة ترحب فرخندة أحمد زاده بزوار ركنها، تدرك فرخندة أنها تخرجت بمرتبة الشرف، ولكنها لا تدرك أنها ستحصل فيما بعد على جائزة جيروود للفنون التراثية، التي تمنح للخريج الذي يبدي قدرة متفردة في تطبيق أساسيات الفنون التراثية. فرخندة المقبلة من إيران تقول إن انخراطها للدراسة في مدرسة الأمير تشارلز للفنون التراثية كان قرارا سريعا لم يستغرق أكثر من 10 أيام، «درست الكيمياء الحيوية، وكنت أبحث عن دورات لها صلة بدراستي لاستكمال دراساتي العليا، لكني وجدت معلومات عن الدراسات العليا في الفنون التراثية التي تقدمها هذه المدرسة ووجدت نفسي اتجه إليها».

تحول فرخندة من الكيمياء إلى فنون الخط والمخطوطات الفارسية لم يأت من فراغ؛ فهي، حسبما تقول، كانت مهتمة بفنون الخط الفارسي منذ أن كانت في الثامنة عشرة من العمر، وكان هذا هو حافزها لزيارة المدرسة وقرارها بالدراسة فيها. خلال العام الأول درست فرخندة مع غيرها من الطلبة مختلف الفنون التراثية، ثم كان عليها اختيار موضوع للتخصص في العام الثاني، وكان من الطبيعي أن تختار مخطوطات الشعر الفارسي.

تشير فرخندة إلى تأثير الدراسة المتعمقة لأساسيات الفنون التراثية على نظرتها للفن الفارسي: «أنا أتحدث وأقرأ الفارسية، ورأيت من قبل تلك المخطوطات، وقرأت الشعر الفارسي، ولكني لم ألاحظ من قبل جمال الهندسة فيها. الأشكال هنا صغيرة جدا قد تبلغ سنتيميتر أو اثنين، ولكني قررت استخدامها وقمت بتكبيرها وتلوينها. للمشاهد العادي هي حليات وزخارف صغيرة توجد في المخطوطات التي تحمل قصائد الشعر الفارسي، أو الرسومات الشهيرة بالنمط الإسلامي، ولكني قمت بالتدريب على رسمها وخلط الأفكار معا، حتى تمكنت من تكوين مخطوطة كاملة تضم كل العناصر التي درستها». وتشير إلى المخطوطة التي نفذتها قائلة إنها استغرقت في تنفيذها من 80 إلى 100 ساعة.

وعن الخطوة المقبلة لفرخندة، تقول بابتسامة واثقة: «هذه هي البداية بالنسبة لي، أحب أن أستكمل ما بدأته هنا، فلن أعود للكيمياء».

الأعمال التي نفذتها فرخندة تؤكد على حب قوي للشعر الفارسي: «أحب الشعر جدا، ولعله السبب في دراستي هنا». المخطوطات بالنسبة لها تكتسب روحا جديدة بسبب فهمها للقصائد المخطوطة عليها، فالأمر يتعدى الأشكال الجميلة والحروف: «إذا كنت تعرفين معنى تلك القصائد وتحسين بها، فالأمر يكون مختلفا». تقول فرخندة إنها قامت بزيارة المكتبة البريطانية، وبحثت عن تلك المخطوطات القديمة خلال مرحلة البحث التي سبقت إنهائها للمشروع، وتمضي فرخندة في شرحها قائلة إن الإنسان قد لا يرى في العادة ما خلف تلك القصائد المكتوبة بخط جميل، تحفها الرسومات البديعة، ولكن النظرة المتمعنة ترينا أن هناك تصميما وهدفا خلف كل مخطوطة، فالخطوط الهندسية لها معنى هنا: «في العادة ننظر إلى عمل تراثي ونرى جماله، ولكننا لا نرى ما خلف ذلك من تصميم، فنحن قد لا نرى ما خلف تلك المخطوطة من رؤية وتخطيط، ولكنهما موجودان. لا نفهم لماذا قرر الفنان الكتابة في منتصف الصفحة، أو لماذا ترك فراغا أكبر في أعلى الصفحة أكثر من الفراغ في نهايتها، أو لماذا وضع تلك الشجرة على هذا الجانب أو ذاك، الأمر كله له تخطيط واضح يرتبط بالهندسة».

بإعادة النظر إلى ما نفذته فرخندة، يمكننا رؤية تلك المخطوطات التي نسختها الفنانة من مخطوطات في المكتبة البريطانية، بعين جديدة.

دانا عورتاني سعودية من أصول فلسطينية، درست الفن المعاصر في كلية سنترال سانت مارتين، ولكنها وجدت نفسها تتجه إلى دراسة الفن الإسلامي هنا، وهو ما تعده اكتشافا. تقول دانا التي حصلت على درجة الماجستير من المدرسة مع مرتبة الشرف: «سمعت عن مدرسة الأمير تشارلز للفنون التراثية من صديقة للعائلة تقوم بالتدريس هنا، وعندما رأيت الموقع الإلكتروني للمدرسة قررت الانخراط فيها». تشير دانا إلى أنها درست خلال السنة الأولى أشكال الأعمال الحرفية والتقليدية، التي تنوعت من الرسم والأرابيسك والخزفيات، إلى الخط والزخرفة وعمل الأيقونات، والرسم على الزجاج. بعد ذلك قررت الاتجاه إلى السيراميك والرسم، وكيفية استخدام الهندسة في أكثر من مجال.

تشير دانا إلى أن فترة الدراسة في المدرسة فتحت أمامها بابا لاكتشاف الفنون التراثية: «لم أكن أعرف الكثير عن هذا النوع من الفنون، ولم أكن حتى أعرف إن كان هناك من لا يزال يمارسها، ولكنني الآن تحولت تماما إلى صفها وازداد تقديري لها».

ما يجعل هذا النوع من الفنون مميزا، برأي دانا، هو التركيز على الجودة والخامات المستخدمة، وتضرب المثال بالألوان التي يستخدمها الطلبة في مدرسة الأمير تشارلز: «نقوم بتجهيز الألوان التي نستخدمها بأنفسنا بالطريقة التقليدية. فالألوان المجهزة بهذه الطريقة تستمر لفترات أطول، وتحافظ على بهائها وجمالها. موطن الجمال في الفنون التراثية يتمثل في الطريقة التي تنفذ بها الأعمال الفنية، سواء كان ذلك عبر اختيار الورق أو الألوان والفرش».

مشاريع دانا المستقبلية تبدو متأثرة بدراستها، فترى نفسها تعود إلى السعودية لتعمل بالتدريس هناك: «هذا إرثنا وتاريخنا، وأنا متأكدة من أن هناك الكثيرات ممن سيستفدن من دراسة هذا النوع من الفنون». يبدو حماس دانا منبعثا من انتهاء فترة انغمست فيها في عالم التراث، ولكنها أيضا ترى أن ذلك التأثر سيمتد، وقد ينتج عنه إقامة معارض فنية خاصة بها.

القطعة الرئيسية التي صنعتها لمشروع تخرجها، وهي دائرة من السيراميك المعشق والملون، بدت كمغناطيس لكل زوار البهو، تشير إليها دانا وتقول: «هذه القطعة تقليديا هي جزأ من نافورة، ولكنني أحببت أن أمنحها بعدا جديدا معاصرا، ربما عن طريق استخدامها منفردة كقطعة فنية». الفن التراثي كما تراه دانا ليس بالضرورة أن يكون له وظيفة عملية، وإنما يمكن النظر إليه كقطع جمالية.

الطالبة رؤيا سواق من الجزائر، تقف إلى جانب صندوق كبير من الخشب يتميز بنقوش عربية بديعة، تميزت القطعة بجمال ساذج أصيل، لم تصبغ بعد، ولم تمسها الألوان، لكنها قطعة جميلة بمعنى الكلمة، ولعل ذلك ما أسهم في منح رؤيا جائزة بركات لأعمال متميزة مستمدة من تقاليد الفن الإسلامي.

رؤيا التي درست الأدب العربي لفترة، قررت تركه والاتجاه إلى دراسة الفنون التراثية، تقول إن خبرتها في المجال قليلة جدا، فهي قد تعلمت صياغة المجوهرات والفضة، ولكنها لم تقم بدراسة الفن بشكل أكاديمي.

تشير رؤيا إلى أن العمل في القطعة الرئيسية في مشروعها، وهي الصندوق الخشبي، استغرق منها 6 أشهر، بداية من مرحلة بحث، ثم التصميم، وأخيرا التنفيذ. ولكنها تؤكد أنها لم ترد إضافة الألوان إلى العمل النهائي، فهي تريد أن يرى زوار المعرض العمل متجردا، وأن ينظروا من خلاله إلى تاريخ صناعة ونقش الخشب. النقوش التي تستخدمها رؤية هي «نقوش عالمية»، على حد تعبيرها، فهي نقوش تستمدها كل حضارة من الأخرى، ولكنها تستخدمها بشكل خاص بها، ولهذا تؤكد أن الصندوق الخشبي هنا يمكن اعتباره كحوار بين الحضارات المختلفة، بتصاميمها وتأثيراتها المتبادلة.

دفعة الماجستير هذا العام ضمت 7 طلاب تعددت مجالات تخصصهم، ما بين الحفر على الخشب والزجاج الملون، والرسم الهندي التراثي، وفن زخرفة المخطوطات والخزف.