فنان العرائس وليد الشيخ.. صياد ضحكات في ميدان التحرير

جسد الثورات العربية بدمى لزعماء ثارت ضدهم شعوبهم

فنان العرائس («الشرق الأوسط»)
TT

تحول إلى صياد ضحكات في ميدان التحرير، واستطاع بمجموعة من الدمى السياسية لبعض الزعماء العرب أن يخفف من عناء المتظاهرين، وأن يعيدهم من خلال أصابع الماريونت إلى أجواء فن العرائس، وعرض «الليلة الكبيرة» الشهير الذي لا يزال يضحك الصغار والكبار معا.

يروى فنان العرائس وليد الشيخ تجربته، مؤكدا أن الماريونت فن فرجة بالأساس، وهو فن جذاب، فالعروسة كلها تتحرك وترقص أفضل من أي راقصة، كما أنه عالم يجبرك على أن تعيش معه الحالة التي يقوم بها، وما تريد توصيله من أفكار أو مضمون يصل بسهولة من خلال هذا الفن للأولاد والأطفال وأيضا الكبار. العرائس من الممكن أن تبني مجتمعا، فضلا عن أنها تسلط الفن الضوء على قيمنا وأخلاقنا وأعرافنا الاجتماعية والثقافية. يقول وليد إن فن العرائس قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) كان عبارة عن عروض عادية تتناول الأشياء التي لا تتعارض مع النظام الحاكم، مثل عرض مسرحي لشهر رمضان، أو تقديم عروض غير هادفة لا تعبر عن مضمون ملموس، وكنت لا تستطيع مثلا توجيه النقد لأي مسؤول في البلاد، كما يحدث في المجتمعات الغربية، في أميركا مثلا من الطبيعي أن يقوم فنان عرائس وينتقد الرئيس الأميركي أوباما، ويتقبل هذا من دون اعتقال الفنان أو طاقم العمل. يدلل وليد على هذا من خلال عمله كمخرج تلفزيوني، فيروي أن مسؤولي القنوات كانوا يرفضون هذه الأفكار الناقدة، خوفا من بطش النظام، فمثلا وقت أحداث غزة، «جعلت العرائس في أحد البرامج في القنوات تهتف ضد الاحتلال الصهيوني، وعرضت ما أشبه بمظاهرة، فوجدت مدير القناة قلقا جدا ولم يرحب بهذه الفقرة. أما أثناء الثورة وبعدها فقد تغير تناول الماريونت للمواضيع، وأصبحت السياسة تفرض نفسها على كل شيء، الماريونت أصبح يعبر عن كل شيء، أصبح هناك مناخ للحرية، على عكس ما سبق».

وعن تجربته في ميدان التحرير يقول: «اعتصمت 13 يوما في الميدان، وفي الأيام الأولى للثورة كنت في محافظتي المنوفية، مسقط رأس الرئيس السابق مبارك، فكان علينا أن نعلن رفضنا لقدومه والعيش فيها، لأن الرؤساء يهتمون بمسقط رأسهم كما يفعل القذافي في مدينة سرت، ومع نزولي التحرير كان مبارك لم يتنح وعين عمر سليمان نائبا له، فنزلت بعروس لعمر سليمان، ورأيت أن الناس متعجبة لانتقادي له، فكانوا يرددون: هو لسه عمل حاجة، نديله فرصة، ولكن قراءتي الشخصية لمواقف عمر سليمان وعلاقته مع إسرائيل، جعلتني أنتقده فهو - برأيي - أقوى من مبارك لدى أميركا وإسرائيل، لم يكن الخوف حينها من مبارك، كنت أرى أن الخوف الحقيقي من عمر سليمان، لأنه وجه جديد ومن الممكن أن يضحك على كثيرين. ولأن كل فنان كان يعبر عن انتقاده للأوضاع وثورته على طريقته الخاصة، صنعت دمية على شكل عمر سليمان، رئيس المخابرات المصرية السابق، وكتبت عليها (أنا هحكمكم 30 سنة، مع تحيات أولاد أبو سليمان».. الماريونت دائما ما ينتقد المواقف أو الشخصيات بشكل كوميدي وطريف لأن الناس تحب الضحك، وإلا سيكون العرض مملا، ولأن الثورة هي الثورة الضاحكة، فكان هذا أسلوب العرض، كنت أقوم بترقيصها على أغاني الثورة».

ويحكي وليد لـ«الشرق الأوسط» كيف قدم عرضا للرئيس المتنحي مبارك في ميدان التحرير، قبل التنحي بنحو يومين، وبعد أن طلب منه الثوار في الميدان تقديم شيء عنه، موضحا: «قمت بتصميم ماريونت لمبارك، ألبسته البدلة الحمراء (بدلة الإعدام)، ورسمت نجمه داود على صدره والتي توحي بتواطئه مع الصهاينة، وعلى لافتة علقتها على صدره كتبت (فهمتكم)، فهذه الكلمة هي كلمة سر رحيل الرؤساء، فعندما قالها الرئيس التونسي بن علي رحل عن البلاد، ولم يقلها مبارك، كنا جميعا ننتظر هذه الكلمة، كنت أنتقد بأسلوب ليس به إهانة، لأن الفن يعبر عن أسلوب ساخر للاعتراض لا يتعارض مع الأخلاق، الحرية ليست قلة أدب».

أضاف وليد: «أنا أهتم بالرؤساء، وأضع لهم جميعا نجمة داود على صدورهم وألبسهم جميعا بدل الإعدام، لأنه إذا ما حكم على أحدهم فسيكون الحكم بالإعدام، أما الرئيس السوري بشار الأسد، فقدمته في الميدان وفي برنامجي «جيل المستقبل» على قناة «الحكمة»، وأظهرته بالفتى الذي اعتلى كرسي الحكم دون متاعب وشقاء، لهذا فهو لا يدرك مدى أهمية شعبه ويضربهم بالصواريخ، صورته على أنه فتى طائش، حينما تواجهه مشكلة معينة يقوم «بالرقص»، والرقص هنا يدل على المراوغة والاستخفاف بعقول شعبه، فهو يقول لشعبه إذا واجهتكم مشكلة فارقصوا، ومن يستطع الرقص فليقابلني في الميدان، فهو يظن أنه وحده من يستطيع التلاعب فقط، وأن شعبه ساذج لا يستطيع المراوغة مثله، هكذا قرأته وجسدته للناس».

أما العقيد الليبي معمر القذافي، فقدمته بعباءته ونظاراته الشهيرة، وهو يخطب للشعب الليبي، ويواجههم بكلماته وعباراته المشهورة مثل: «زنقة.. زنقة.. شبر.. شبر دار.. دار». ويكشف صائد الضحكات عن أنه سيقدم هذه الدمى في أوبريت جماعي بعنوان «الخيانة العظمى»، وسوف يلعب بطولته كل الرؤساء الذين ثارت شعوبهم ضد حكمهم.