تكنولوجيا حسية رقمية تسمح بمحاكاة فحص الملابس والمنسوجات

التقدم التكنولوجي أدى إلى إمكانية الاستفادة من المستهلكين إلكترونيا كمصدر للمعلومات

TT

التسوق وشراء الملابس عبر الإنترنت، قد يكون هذا مثارا للسخرية والضحك لدى البعض، فعندما يتعلق الأمر بالملابس فليس هناك بديل أفضل من التوجه إلى المتاجر والمحلات للتعرف عن قرب على الملابس في شكلها وملمسها الحقيقي، فعندما يمرر الفرد يديه عبر ثوب من الحرير أو محاولته اختيار المقاس المناسب، تتخلله مشاعر إنسانية داخلية حقيقية تجعله في النهاية يشعر بالرضا والسعادة بما اشتراه.

ولكن مع التقدم والتطور التكنولوجي الحالي المتسارع، ومن خلال شبكة للتكنولوجيا الرقمية سوف يتمكن الأفراد في المستقبل القريب من لمس وفحص الملابس والمنسوجات ومشاركة التفاصيل عبر الإنترنت والتعرف عليها جيدا قبل شرائها. كما يمكن للأجهزة معرفة المشاعر الإنسانية وردود الأفعال الانفعالية التي يشعر بها الأفراد عند الشراء الحقيقي، أي أننا سوف نعيش الحقيقة من دون انتقال جسمي. وسوف تساعد هذه الشبكة أيضا في تصميم ملابس جديدة، وذلك من خلال إتاحة الفرصة للمستهلكين للمساهمة بأفكارهم لمصممي الموضة والأزياء.

فوفقا لما نشر على الموقع الإلكتروني لمجلة «نيو ساينتيست» العلمية الأسبوعية البريطانية الشهيرة، وفي أحدث أعدادها، يقوم باحثون بريطانيون ضمن مشروع يعرف بـ«المشروع الحسي الرقمي» (the Digital Sensoria Project) وموقعه الإلكتروني «www.digitalsensoria.com»، باختبار طرق وأساليب لعرض منسوجات مختلفة على الإنترنت، والتعرف على ردود أفعال الأفراد تجاهها، الذي سيساعد كثيرا تجار التجزئة.

تقول الدكتورة شارون بورلي، رئيسة فريق المشروع والمتخصصة في التفاعل بين التصميم والمواد والتكنولوجيا الرقمية في جامعة برونيل في غرب لندن، «نختبر الآن طرقا كثيرة لعرض منسوجات مختلفة على الإنترنت»، وتضيف بأن «هناك اهتماما شديدا من قبل تجار التجزئة، للتعرف على طرق وأدوات جديدة تمكنهم من أن يصبحوا أكثر قربا من المستهلكين، والحصول على تصورات عن إدراكات الأفراد للمنتجات».

وجدير بالذكر أن المشروع الحسي الرقمي هو مشروع ممول من قبل مجالس البحوث في المملكة المتحدة، ضمن برنامج الاقتصاد الرقمي. وسوف يوفر للمصممين والمستهلكين والشركات والمجتمعات المحلية لغة جديدة، سوف تمكنهم من التواصل مع الأفراد ومعرفة تصوراتهم وإدراكاتهم الحسية عن التصميمات والمنتجات الحقيقية، من خلال الوسائط الرقمية المتعددة التفاعلية الغنية.

ويعد الاقتصاد الرقمي أحد فروع الاقتصاد الجديدة المميزة، المتركزة على الفوائد والخدمات ذات العلاقة بتقنية المعلومات والاتصالات، التي أحدثت نقلة نوعية مهمة في كل جوانب حياتنا. وتعد التجارة الإلكترونية أحد المداخل المهمة للاقتصاد الرقمي، التي ترتبط ارتباطا وثيقا الآن بعدد مستخدمي شبكة الإنترنت، فكلما زاد عدد مستخدميها في أداء الأعمال التجارية، أدى ذلك إلى انتعاش الاقتصاد والتجارة ونمو الأسواق المحلية والعالمية.

وتعد التجارب الحسية للمنتجات الموجودة في العالم الرقمي من مجالات البحث الحديثة، فمن خلال التجارب التفاعلية مع السلع والمنتجات والمواقف يتم تشكيل تصورات المستهلكين نحوها وتغييرها باستمرار. هذه اللغة الحسية الجديدة ستسمح للمستهلكين بوضع تصوراتهم رقميا عن المنتجات واستخدامها لخلق قيمة إنتاجية جديدة لها. فمع التغيرات المتزايدة في الطلب على السلع الاستهلاكية، يطالب المستهلكون بمنتجات توفر لهم مزيدا من التخصيص، كما تلبي احتياجاتهم العاطفية، لهذا تأتي الحاجة إلى أهمية التعرف والفهم الأفضل لأولويات المستهلكين على المستويات الحسية. وتعد مثل هذه اللغة الحسية أو الإدراكية إضافة قيمة ضمن معلومات الأسواق، حيث يمكن أن تساعد في تحديد الثغرات الموجودة في منتجات السوق، وفي مجالات التطوير والابتكار والاتصالات، وبخاصة في مجال تجارة التجزئة الإلكترونية، كما أن هذا المستوى من المعرفة مهم أيضا في دعم التواصل بين المستهلكين والمصممين، وربما يقود إلى نمط جديد في العلاقات.

فمن خلال المشروع الحسي الرقمي سوف يتم إعطاء المطورين والمستهلكين وسيلة للتعرف على تصورات الأفراد الحسية عن المنسوجات المختلفة، وبالتالي ربط الجسم بالعالم الرقمي. كما سيتم الاستفادة من معارف الأفراد وتصوراتهم الحسية عن المنسوجات، بالإضافة إلى استخدام تكنولوجيا المستشعرات للحصول على الاستجابات الفسيولوجية للمواد الحسية.

وتطور بورلي وأعضاء المشروع البحثي تطبيقات لأجهزة الآي فون والآي باد، والكومبيوترات اللوحية، التي لديها خاصية شاشات اللمس، لعرض المنسوجات بطريقة أكثر واقعية إلى حد ما، ويطلق عليها المنسوجات التفاعلية، التي تم تصميمها باستخدام طريقة مشابهة لما يسمى بـ«ستوب فريم أنيميشن» (Stop - Fram Animation) أي إطار صور الحركة المتوقفة على الإنترنت، التي تخلق حركة وهمية، مما يمكن المستخدمين من شد وضغط ومسح المواد، رغم أنهم لا يحصلون على نفس الإحساس والشعور الذي تمنحه أنامل الأصابع، كما سيمكن للأفراد تحميل تصميماتهم الخاصة بالمنسوجات والملابس والموضة.

كما تقوم بورلي وفريقها البحثي بفحص صيغة تحاكي زر (Like) على الـ«فيس بوك» لقياس الانفعالات الفسيولوجية للشخص عندما يلمس منسوجات حقيقية، ويحولها إلى «يفضل/يحب» أو «لا يفضل/لا يحب»، ولهذا الغرض يقول الفريق البحثي إن هناك حاجة إلى مستشعرات أو مجسات بيولوجية معقدة، مثل (EEG cap) الذي يعرف بتحليل النشاط الكهربائي للدماغ أو مخطط كهربائية الدماغ، ويقرأ الإشارات العصبية. ولكن، وكما يقول الفريق البحثي، قد يكون هناك في المستقبل شكل ما من المستشعرات العاطفية أو الانفعالية التي يمكن إدماجها في الهواتف الذكية، فهذا المستشعر العاطفي يمكن أن يعطي رد فعل دقيقا لمشاعر الأفراد، من مجرد الضغط ببساطة على زر.

تقول الدكتورة نادية بيانشي - بيرثوزي، من جامعة كلية لندن، وأحد أعضاء الفريق البحثي: «إن الأفراد غالبا لا يدركون مشاعرهم وأحاسيسهم».

وحديثا، هناك تعاون بين بورلي قائدة المشروع البحثي، ومحلات ماركس وسبنسر البريطانية، في مشروع لمساعدتهم في جعل زبائنهم مصدرا لإمدادهم بتصميمات الأزياء والملابس، والذي يعرف بالمصطلح الحديث «Crowdsourcing»، أي استخدام الجمهور ومشاركته والاستفادة منه إلكترونيا كمصدر للمعلومات. حيث يمكن للمصممين تحميل رسوماتهم الإسكتشية لأفكارهم وتحميلها، ويستجيب لها الزبائن عن طريق تحميل الصور والمنسوجات التي تعكس ما يحبون وما لا يحبون، ويمكن إدماجها في تصميمات الأزياء والموضة. تقول بورلي: «إن الأفراد يرغبون أن يكون لهم صوت، وسوف تمكنهم الأجهزة الرقمية من ذلك».

ومصطلح «Crowdsourcing» مكون من كلمتين هما «crowd»، وتعني الحشد، و«outsourcing» وتعني الاستعانة بمصادر خارجية، وأول من صاغه جيف هووي المحرر المساهم في مجلة «وايرد» الأميركية، في مقال له فيها بعدد يونيو (حزيران) 2006 بعنوان «The Rise of Crowdsourcing».

ويفسر هووي المصطلح بقوله إن التقدم التكنولوجي قد أدى إلى انتشار الإلكترونيات الاستهلاكية الرخيصة، وتضاءلت الفجوة بين المهنيين والهواة، ولهذا أصبحت الشركات قادرة على الاستفادة من المواهب من الجمهور.

وتتفق البروفسورة إفرات تسيلون، المتخصصة في الموضة وتصميم الأزياء، بجامعة ليدز البريطانية، على أن الأفراد يفضلون الانخراط في عملية التسوق والاستهلاك بكل الطرق والأساليب الفعالة، ولكنها تقول أيضا إن الأجهزة الرقمية لا يمكن الاستعاضة بها عن الشيء الحقيقي بشكل تام، فالأفراد يحتاجون إلى الاتصال الطبيعي واللمس الحقيقي والشعور الحقيقي.