الفن التشكيلي السعودي «ضيف شرف» في «معرض ميناسارت» وسط بيروت

15 فنانا يمثلون المملكة بين مئات الأعمال العربية والآسيوية

لوحة الفنانة جوهرة آل سعود السنة الجديدة
TT

ضمن معرض «ميناسارت» القائم حاليا في بيروت، حتى السادس عشر من يوليو (تموز) الحالي، يحلّ معرض «نبط: الإحساس بالوجود» ضيف شرف على هذه التظاهرة الفنية التشكيلة، معرفا بالفن السعودي الحديث، عبر 15 فنانا يقدمون أعمالهم التي تتراوح بين الرسم والنحت والتصوير والتجهيز. وفي مركز «بيال» وسط بيروت، وبين أعمال آتية من دول عربية عدة، إضافة إلى دول مثل أفغانستان وباكستان ودول شرق آسيوية مثل تايلاند وماليزيا، يتوسط الجناح السعودي هذه المعروضات، بإدارة سيدتين سعوديتين، هما الأميرة ريم الفيصل والفنانة لولوة الحمود، اللتان قررتا أن تجعلا من الفن في بلدهما شغلهما الشاغل، في مهمة تبدو صعبة وشيقة في وقت واحد.

الأعمال السعودية باتت موضع جذب للمهتمين بالفن، فالعالم يريد أن يعرف ماذا يجري في هذا البلد، الذي تكثر الأفكار المسبقة عنه، والفنانون السعوديون يعرفون هذا الأمر ويحاولون إجلاء الصورة. الفنان الشاب فهد القثامي موجود في المعرض مع عملين، أحدهما عبارة عن أربع لوحات تتكرر فيهما صورة جمل يحمل على ظهره صحنا لاقطا، على خلفية صفراء كناية عن الصحراء. يقول فهد إنه يفضل أن يترك للمتأمل حرية تأويل أعماله بالطريقة التي يراها مناسبة. الفنانة فاطمة باعظيم استخدمت الصحف مع الأسلوب الطباعي لأشكال مختلفة تحيط بها لتعبر عن بحثها الدائب عن المعنى، بينما رسمت جوهرة آل سعود لوحات جميلة لشخصيات أليفة غابت ملامحها أو خبأتها بيديها. غياب الوضوح في الوجوه مؤثر وذو دلالة في مجتمع محافظ يعانق الحداثة. من الأعمال الجميلة أيضا تلك التي أنجزها صديق واصل، وهي منحوتات لحروفيات عربية متدلية من السقف وقد تعلق بها أشخاص من جهات عدة، بينما عرض ضياء عزيز ضياء رسما بديعا لرجل ستيني يعصر صدغه بيده، في حالة تأملية باطنية. أما مهدي الجريبي فيعرض تجهيزا من سبعة مسننات يدوية على حامل بارتفاع 120 سم تصطف على سجادة حمراء. تعددت الأعمال وتنوعت لتظهر اتجاهات يصعب رسم ملامح واضحة لها عن الفن السعودي، من خلال عينات محدودة لكنها تعطي فكرة على الأقل عما يختلج في نفوس فناني هذا البلد.

الأميرة ريم الفيصل المشاركة في المعرض من خلال صور فوتوغرافية جميلة بالأبيض والأسود، مع شريكتها لولوة الحمود المشاركة هي الأخرى بلوحات حروفية مبتكرة، أسستا معا شركة «كيوب آرتس» في لندن، والتي لها الفضل في تنظيم معرض «نبط» في بيروت حاليا، وقبلها معرض أكبر حجما في شنغهاي. تقول الأميرة ريم إن السعودية تشهد حركة فنية كبيرة، فيها الجيد والرديء، «لكننا في النهاية من أكثر مجتمعات العالم شبابا، وشهد بلدنا خلال 60 سنة تغيرات لم يشهد أي مجتمع آخر لها مثيلا. فقد انتقلنا من البداوة الكاملة لنجد أنفسنا في القرن العشرين. ولهذا نحن نتفاعل بسرعة دون أن نجد الوقت الكافي لنقف ونقيم ما يحدث لنا». الأميرة ريم ترى في هذا الأمر إيجابية، «لأنه يتيح للفنانين حرية وأصالة، ربما ما كنا لنتمتع بها لو أننا حللنا وفكرنا في مسارنا».

نسأل السيدتين السعوديتين عن هدف شركتهما التي تعنى بالفن، فتشرحان لنا أن الموضوع ليس محصورا في الفن السعودي، وإن كان ثمة تركيز عليه، لكن الفكرة هي الأساس، واللغة هي المحور، كالفن الإسلامي بشكل عام. وتحاول «كيوب آرتس» كما شرحت لنا الفنانتان اللتان تديرانها أن تعيد الفن إلى الحياة، بمعنى أن الفن الإسلامي كان موجودا في المعمار، وزخرف الأواني، ككل الأدوات اليومية، ثم غاب، ولا بد أن يستعيد الإنسان فنونه في يومياته ليجعل منها جزءا من جماليات حياته المعاشة. مهمة لا تنكر الفنانتان أنها صعبة، لكنهما تعتبران أن الشعر والنثر كانا على رأس الفنون العربية، لذلك لا بد أن نستعيد الحرف واللغة في محاولة لتأصيلهما في فنوننا.

تقول لولوة الحمود: «عبر الإنترنت أو على الأرض نتواصل مع الفنانين حتى لو كنا في أوروبا. نحن نحاول أن نقدم صورة حقيقية عن السعودية، تختلف عن تلك الصورة النمطية غير الحقيقية التي يقدمها الإعلام عنا، وهي مغلوطة في أغلبها. وهذا ما يجعل الفن السعودي موضع جذب في العالم اليوم». لكن لولوة تعود وتشتكي من «غياب التمويل الذي يمكن أن تقدمه وزارة الثقافة السعودية للفنون». وتضيف: «حاولنا الاتصال بهم أكثر من مرة لكن لا تجاوب، لذلك اعتمادنا أكبر على بعض الشركات الخاصة». لكن لولوة تتفاءل بإقامة «مركز الملك عبد العزيز في السعودية، الذي سيحوي متاحف ومكتبة ومركزا تعليميا وخدمات فنية أخرى كثيرة».

أما الأميرة ريم فشكواها هي من «إهمال تعليم الرسم في المدارس السعودية، وعدم وجود كليات تخصصية، مما يجعل الفنانين السعوديين إما من خريجي جامعات أجنبية أو من العصاميين، الذين علموا أنفسهم بأنفسهم»، مضيفة أنها بدأت تشعر بالأمل لأن الكلام بات جديا عن بدء تعليم الرسم في المدارس.

تشرح الأميرة ريم أن شركة «كيوب آرتس» تعي جيدا أن الشخصية العربية تعرضت لانفصام كبير، لذلك فمن بين أهدافها إعادة بناء الشخصية العربية من خلال الفن. «لأن ما حدث لنا من سايكس بيكو إلى اليوم ليس بقليل»، وتضيف: «اعتُدي علينا وانتُهكنا، وهذا له تداعيات على الشخصية ككل، بحيث بات العربي يحطم ذاته بدل أن يعمل على ترميمها». لهذا تقول: «نحن في السعودية نتفهم ما يحدث في سوريا ومصر وتونس واليمن».

معرض «نبط» الذي استقى اسمه من استخراج الماء من الأرض بعد اختفاء، يحاول أن ينبش عن المواهب والقدرات الفنية، ويقدمها للجمهور، كتعبير حقيقي عن مجتمع في عز تحولاته. وهو ما يجعل مهمة الفنانتين الطموحتين موضع اهتمام، ليس فقط في بيروت، وإنما في الدوائر الفنية العالمية التي تريد أن تعرف المزيد عن مجتمع «لم يقدم نفسه بالقدر الكافي بعد»، بحسب الفنانتين.