موسم جني الطماطم في تونس: تقنية جديدة وإنتاج أقل من المأمول

أحد المزارعين لـ «الشرق الأوسط» : الهكتار كان ينتج ما بين 90 و140 طنا.. وفي هذا الموسم 45 طنا فقط

قرويات منهمكات في جني الطماطم بأحد الحقول («الشرق الأوسط»)
TT

تعد تونس بلدا زراعيا، فهي تتمتع بأراض منبسطة وخصبة، لا سيما بعد تسابق الكثير من الفلاحين إلى حفر آبار عميقة، كما أنهم لا يزالون يطورون من أساليبهم، كتحسين نوعية البذور واستخدام الأدوية واعتماد نظام الري بالقطرات. ومع ذلك يعد محصول الطماطم كما أفاد الكثير من الفلاحين في حديثهم مع «الشرق الأوسط» أقل من المأمول هذا العام.

وقال المزارع محمد صالح الغمردي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك العديد من العوامل التي أسهمت في انخفاض محصول الطماطم هذا الموسم، ومن ذلك الأمراض التي أصابت حقول الطماطم، إضافة للأمطار المرفقة بأحجار ثلجية، حيث دمرت العديد من المحاصيل في بعض الجهات»، وضرب مثلا بأحد المزارعين يدعى الحبيب السبري «4 هكتارات من الطماطم دمرت بالكامل وأصبحت ترابا»، وعلق على ذلك مازحا «بعض الفلاحين فاتهم موسم الطماطم هذا العام، لقد كانوا محظوظين جدا»، وتابع «كان الهكتار الواحد ينتج ما بين 90 إلى 140 طنا من الطماطم، لكن هذا الموسم لم ينتج سوى 45 طنا نظرا للأسباب السالف ذكرها».

وينقل المزارعون محاصيل الطماطم إلى المصانع لعجنها وتعليبها، وذلك على متن شاحنات أو جرارات ضخمة مساء كل يوم، وأحيانا يستمر النقل إلى ساعات الفجر الأولى. ويستعين المزارعون بأهاليهم، وبالنساء القرويات اللاتي يقدمن من مسافات متفاوتة البعد، وبعضهن يأتين مع عدد من أفراد أسرهن للحصول على أكبر قدر من المال. ويبدأ جني الطماطم منذ الصباح الباكر، حيث يتوافد الجميع من طرق مختلفة ويتجمعون في المزارع، حيث يعد المزارعون الصناديق التي تجمع فيها كميات الطماطم، فتحصل كل امرأة أو مجموعة على عدد من الصناديق، وأحيانا تكون ندرة العدد سببا في الخصومة بين العاملات. ويدفع المزارعون 7.5 يورو على كل 100 صندوق، غير أن هذا المبلغ قل أن تحصل عليه امرأة بمفردها، لكن الأسر المشتركة في عملية جني الطماطم تحصل على أكثر من ذلك بكثير في اليوم الواحد. وقد تراوحت إجابات النسوة اللاتي تحدثت إليهن «الشرق الأوسط» بين 5 و7 يورو في اليوم، بينما يصل المبلغ الذي تحصل عليه الأسر «المنتجة» ذات العدد الكبير إلى 25 يورو يوميا.

وقالت منيرة (45 سنة) «آتي لجني الطماطم لمساعدة زوجي على تربية أبنائنا وتوفير دخل إضافي، فقد ارتفعت الأسعار، وزادت النفقات، والراتب الذي يحصل عليه زوجي لا يكاد يفي بالحاجيات الأساسية». بعض النسوة قدمن مع أبنائهن مثل زهرة التي تقول «بناتي انقطعن عن الدراسة، بسبب ضعف الحال، لذلك أتيت بهن لجني الطماطم من أجل توفير حياة أفضل للأسرة». وبخصوص حرارة الشمس التي يمكن أن تضيع ما تجمعه من مال في حال مرضت إحدى بناتها قالت «الشمس لا تقتل لكن الجوع يمكن أن يقتل يا بني»، ومضت تقول «لدي 4 أبناء في المدرسة، وابنتان لم تفلحا في دراستهما، ألا أستعين بهما على الزمان (مصاريف الدهر)».

وترى حسنية أن جنيها للطماطم من باب «الخروج من الرتابة التي أشعر بها في البيت، بعد خروج زوجي للعمل»، وتتابع «هنا ألتقي بنسوة أخريات أتبادل معهن أطراف الحديث، ونتمازح، وفي المساء أحصل على مبلغ من المال لأستعين به على شراء ما يخصني، وبذلك أوفر على زوجي بعض النفقات». وعما إذا كان زوجها موافقا على انخراطها في عملية جني الطماطم من المزارع ولم يمر على زواجهما الكثير من الوقت كما أفادت أوضحت أن «أصحاب المزرعة من أقربائي المقربين، لذلك رأى أن وجودي هنا أفضل من البقاء في البيت، لا سيما ونحن مؤجران في منطقة لا نعرف أهلها من قبل». وأعقبت ذلك بالقول مازحة «يأتي في المساء ليأخذني إلى البيت كما لو كنت في حضانة».

ويقول المزارع السيد بن باشا «تونس دخلت في دائرة الاستقطاب الزراعي، فقد كنا نزرع من بذور الطماطم التي ننتجها، فأدخلوا إلينا البذور المستوردة، وتوقفت بذلك عملية استخراج البذور من المحاصيل، إذ إن البذور الجديدة لا يمكن استخدام بذورها في الموسم القادم، الأمر الذي يدفع المزارعين لشراء البذور المستوردة كل عام». وعما إذا كانت البذور المستوردة تنتج أكثر كما يقال، أفاد بأن «البذور المستوردة تنتج أكثر بالفعل لكنها قابلة لتعديلات المصدر كما حدث هذا العام، أضف إلى ذلك أن تكلفتها أكبر». وحول كمية الإنتاج من البذور التقليدية قال «تنتج البذور التقليدية 70 طنا في الهكتار الواحد، بينما تصل المستوردة إلى 90 و100 طن، لكن البذور التقليدية أقل كلفة مما ينفي أفضلية المستوردة». وأردف «المزارع الذي استخدم البذور التقليدية حصل على كمية تامة من المحصول، أما الذي استخدم البذور المستوردة فقد توقف عند الكمية التي تنتجها البذور التقليدية مع زيادة النفقات التي تستوجبها البذور المستوردة».

لكن المزارع عثمان إدريس له وجهة نظر مختلفة «كل المصائب التي تلحق ببعض المزارعين سببها عدم دفع أموال الزكاة، ففي الحديث الشريف حصنوا أموالكم بالزكاة»، وذكر أن الهكتار الواحد من الطماطم يكلف بين 2500 و3000 يورو، من دون تكاليف جني المحصول، كما حمل الدولة مسؤولية تدهور الزراعة.. «ففي الدول النامية مثل الهند والبرازيل، وهي دول فاعلة في منظمة التجارة العالمية، تقدم مساعدات كبيرة للفلاحين سواء على مستوى توفير أدوات الزراعة، أو الأسمدة والبذور، وتقوم هذه الدول بحماية المزارعين، كما تحمي المستهلكين، لكن عندنا تقف الدولة مكتوفة الأيدي عند انخفاض الأسعار، وتتدخل لتحديد السعر عند ارتفاعها فقط، ونحن نريد توازنا هنا وهناك».