مهرجانات لبنان تبلغ الذروة مع كاظم الساهر و«ثرتي سكندس تو مارس»

3 حفلات كبيرة في ليلة واحدة بمذاقات متنوعة

رباعي «غيرشوين» يعزف في بعلبك («الشرق الأوسط»)
TT

اشتعل ليل لبنان مساء أول من أمس الجمعة، بثلاثة حفلات كبرى، قدمتها المهرجانات، متزامنة وفي وقت واحد. وكان على الجمهور أن يختار بين الطرب العربي في «بيت الدين» مع كاظم الساهر الذي بات مطلبا شعبيا سنويا، والموسيقى الغربية الصارخة، ممثلة في فرقة «ثرتي سكندس تو مارس» وهي واحدة من أكثر فرق الروك شعبية في العالم اليوم من خلال إطلالتها في «بيبلوس»، أو الموسيقى الكلاسيكية الغربية في بعلبك من خلال معزوفات يقدمها أربعة من عازفي البيانو يتناغمون عزفا وارتجالا في ساحة المعبدين.

بدا أن لكل حفل جمهوره الذي لا يستبدل غيره به، فقد شهدت فرقة «ثرتي سكندس تو مارس» إقبالا كبيرا جدا، رغم أن ذلك الحفل كان الخامس في بيبلوس لفرقة غربية عالمية تجتذب الشباب. ومع ذلك تجمهر أكثر من خمسة آلاف شخص تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والثلاثين على المدرجات المقامة فوق مياه البحر، ولم يتوقفوا عن القفز والصراخ، وترديد أشهر أغنيات الفرقة طوال ساعة ونصف الساعة، فيما أجادت الفرقة في قدرتها على تحفيز جمهورها وتحميسه على الوثب والرقص، مما أعطى انطباعا بأن المنصات قد تنهار بمن فيها لشدة ما اهتزت وترنحت وخبطتها الأرجل كما قرعت الأيدي على مقاعدها المعدنية. وازداد الأمر صعوبة حين طلبت الفرقة من الجمهور الصعود إلى المسرح، وهنا كان رجال الأمن الموكل لهم الحفاظ على النظام أمام مهمة صعبة لتنظيم عدد الذين بإمكانهم اعتلاء المنصة، وكذلك ضبطهم، كي لا يهجموا على مغني الفرقة الذي بدا بأوشامه وملابسه التي تكشف عن ذراعيه وجزء من ظهره، محط جنون المراهقات.

غنت الفرقة أشهر أغنياتها مثل «ثي وور»، و«هوريكان»، و«كلوزير تو ثي إدج»، وأغنيات أخرى، وأطلقت بالوناتها الحمراء، وشرائطها الملونة، وتحدث مغني الفرقة غارد ليتو عن عشقه للحمص والباذنجان المتبل، وعن غرامه ببيبلوس التي اكتشفها هو الآتي من بعيد والتي يتمنى العودة إليها، وهو الكلام الذي باتت تردده كل الفرق الغربية تقربا من جمهورها، وهي تتلفح بالعلم اللبناني. وهو أمر يلعب على وتر عواطف الشباب الذين يحفظون جمل بعض هذه الأغاني الإنجليزية عن ظهر قلب، ويكتفون بالاستسلام لصخب الموسيقى التي اعتادوها وألفوها على الإذاعات والتلفزيونات في أوقات أخرى.

ظاهرة جنون الجيل الجديد أو طبقة معينة منه، بالفرق الأجنبية الشهيرة، والتضحية بأسعار مرتفعة للبطاقات من أجل حضور حفلاتها، باتت أمرا شائعا، تخضع له العائلات إرضاء لأولادها وإسعادا لهم.

من أعمار متفاوتة كان جمهور آخر يستمع لكاظم الساهر في بيت الدين. الساهر الذي يعود لمرة جديدة إلى هذا المكان، لشدة ما يطالب الجمهور به، لا بد أتى وهو يعرف مكانته، وكعادته لم يخيب ظنا. بمزاج آخر، وذائقة مختلفة لفئة أخرى من الناس غير تلك المتفرنجة، جاء كاظم الساهر. دون جديد كبير يذكر، كرر على مسامع محبيه تلك القصائد التي غناها لنزار قباني بعد أن اعتبره الشاعر الكبير ابنه الروحي، فاستمع الحاضرون الطربون لـ«زيديني عشقا» و«إلا أنت»، إضافة إلى «أحبيني بلا عقد» و«إلى تلميذة». ولم يقل جمهور كاظم إثارة وفتنة عن جمهور «ثرتي سكندس».

نحو 16 أغنية وفرقة موسيقية لبنانية - عراقية مكونة من 30 موسيقيا بقيادة حسن فالح، إضافة إلى سبعة منشدين، رافقوا الساهر، وهو يغني «ها حبيبي»، و«الليلة إحساسي غريب»، و«كثر الحديث»، و«دلع النساء». ما بين الرومانسي الفصيح واللهجة العراقية تنقل الساهر، فيما لم يتمكن محبوه من البقاء على كراسيهم، وشكلوا لأنفسهم مساحة أمام المسرح للرقص والابتهاج. حفل آخر لكاظم الساهر أحياه مساء أمس السبت، في بيت الدين، وكانت بطاقات الحفلين موضع شراء سريع من الجمهور الذي يزحف إلى القصر التاريخي للقاء نجمه المفضل، كلما ضرب له موعدا منذ عام 1997.

أجواء من نوع مختلف تماما كان يعيشها جمهور آخر في قلعة بعلبك التاريخية، هؤلاء خيارهم الموسيقى الكلاسيكية الغربية، والعازفون الأربعة أو «رباعي غيرشوين»، الذين لعبوا على أربع آلات بيانو كانت موجودة في وقت واحد، بين معبدي باخوس وجوبيتر. براعة هؤلاء اللاعبين في تأدية مقطوعات غيرشوين، ومعزوفات لسترافينسكي ورافاييل، وخفة حركة أصابعهم، لا بد أنها أغرت الجمهور الراغب في قليل من الهدوء، وسط ضجيج المهرجانات وصخبها.

ويغني المغني الأوبرالي بلاسيدو دومينغو اليوم مساء في ذوق مكايل لمحبي الأوبرا وعشاقها، وهي ليست المرة الأولى التي يصدح فيها صوته في لبنان، لتبدو خارطة المهرجانات التي تنامت بشكل كبير في السنتين الأخيرتين منوعة، وجذابة، خاصة لأصحاب الذوق الغربي. ومع بعض الحفلات العربية التي بقيت قليلة وليست على المستوى المنتظر، تميل الكفة نحو الفنون الغربية، والأسماء اللامعة، إرضاء للجمهور، وهربا من الوقوع في مغامرات مع فنانين محليين، منهم من يرفع سعره، وأكثرهم يحتاج لمزيد من المهنية ليتمكن من اعتلاء منصة المهرجانات.