تكبيرات الإحرام تصدح في قاعات المتحف البريطاني

عبر معرض «الحج: رحلة إلى قلب العالم الإسلامي»

مجموعة من المعروضات (تصوير: حاتم عويضة)
TT

أضخم معرض من نوعه يدور حول رحلة الحج، هكذا يصف المسؤولون في المتحف البريطاني معرضهم الضخم الذي يقام في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل ويحمل عنوان «الحج: رحلة إلى قلب الإسلام». المعرض الذي ما زال في طور الإعداد استغرق الكثير من الجهد والوقت والبحث أجرى فيه أمناء المتحف الكثير من الرحلات والمشاورات مع متاحف عربية وعالمية. وبالأمس أعلن في قاعة ستيفنسن للمحاضرات بالمتحف عن تفاصيل المعرض وموعده، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين المتحف ومكتبة الملك عبد العزيز بالرياض بحضور الأمير محمد بن نواف السفير السعودي بالمملكة المتحدة وفيصل المعمر المشرف على المكتبة ونيل ماغريجر مدير المتحف البريطاني، وبحسب المذكرة ستقوم المكتبة بمعاونة المتحف باختيار القطع والصور والأفلام الوثائقية التي سيستعيرها المتحف من المملكة.

المعرض يتوقع له أن يكون من المعارض الضخمة في سلسلة معارض تدور حول العقيدة في الأديان المختلفة، وحسب ما أعلن بالأمس فإنه سيدور حول الحج منذ فجر الإسلام وحتى الوقت الحالي، مستعينا بوسائل متعددة مثل الموسيقى والأفلام الوثائقية والصور القديمة والمخطوطات والقطع الأثرية.

في مدخل القاعة وضعت طاولة صغيرة صفت عليها مجموعة من المقتنيات والملابس التي يحملها كل حاج معه إلى الأراضي المقدسة، فهناك ملابس الإحرام النسائية والرجالية، وهناك المسواك، وكتاب للسير ريتشارد بيرتون حول رحلة الحج، و«زمزمية» الماء التي حملها معه خلال الحج ووضعت إلى جانبها «زمزمية» حديثة. وأشارت إحدى العاملات في المتحف إلى أنها وضعت بعض الأشياء التي استخدمتها خلال أدائها للحج العام الماضي، وقالت: «الكثيرون هنا قد لا يعرفون ما هو المسواك على سبيل المثال أو أهمية (زمزمية) الماء الموضوعة هنا».

المعرض تعد له فينيشيا بورتر، أمينة قسم العالم الإسلامي والشرق الأوسط المعاصر بالمتحف، وفريق من المعاونين، ومن المتوقع أن يقدم معروضات نادرة تعرض لأول مرة في العالم الغربي، ستستعار من عدد كبير من البلدان، في مقدمتها السعودية ومصر وماليزيا وتمبكتو. وخلال فترة الإعداد للمعرض قام مدير المتحف البريطاني نيل ماغريجر بالتنسيق مع السفارة السعودية في لندن، التي كان لها دور كبير في الإعداد للمعرض، حيث تقابل ماغريجر ومسؤولو قسم الشرق الأوسط في المتحف مع السفير السعودي في لندن، الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، لمناقشة تفاصيل المعرض وطبيعة المعروضات التي يمكن الحصول عليها من السعودية. وأشار ماغريجر في كلمته إلى الدعم الذي قدمته الحكومة السعودية ممثلة بالسفارة ومكتبة الملك عبد العزيز، وقال: «نعتقد أن المعرض هو الأكبر من نوعه، ونعرف أننا لم يكن ليتسنى لنا إقامته دون مساعدة الحكومة السعودية».

وفي معرض تعليقه على المعرض قال الأمير محمد بن نواف لـ«الشرق الأوسط»: «لأول مرة يقام معرض بهذا الحجم حول الحج. وقد بادر المسؤولون في المتحف البريطاني بطرح الفكرة، وقد رحبنا بدعمهم، فموضوع الحج له وضع خاص، فهو شعيرة دينية لها أهمية خاصة للمملكة التي لا تدخر جهدا في خدمة الحرمين الشريفين والحجيج، ولهذا رأينا أن الأمر يجب أن يعالج بجدية تامة».

ويشير الأمير محمد إلى أهمية المعرض قائلا: «من المهم أن يتفهم غير المسلمين طبيعة الحج ورسالة الإسلام، فهو شعيرة هامة لا تفرق بين الغني والفقير، والأبيض والأسود، رسالة الإسلام واضحة في الحج، ولهذا حرصت على التجاوب مع المبادرة، ودارت نقاشات طويلة حول الهدف الأساسي من المعرض، وقمنا بمفاوضات لتسهيل عرض بعض القطع الأثرية».

وأكد الأمير محمد أن المعرض سيكون له دور إيجابي في نشر صورة صحيحة عن الإسلام، وأضاف مستشهدا بظرف مماثل حدث خلال عمله كسفير للمملكة في روما في عام 2000: «طلبت منا المشاركة في معرض يمثل الأديان الثلاثة فشاركنا بمعرض عن الحج ضم صورا قديمة عن مكة والمدينة، وقمنا بطباعة عشرة آلاف نسخة من كتيب حول المعرض، وفاجأنا حجم الإقبال على الكتيب حيث نفدت جميع نسخه في أول 5 أيام، وجاءتنا طلبات لتعلم اللغة العربية». وتعليقا على توقيع مذكرة التفاهم بين مكتبة الملك عبد العزيز والمتحف البريطاني قال الأمير: «أعتقد أنه أمر جيد وجهد ينصبّ في الطريق الصحيح، خصوصا في هذه الفترة المليئة بالحملات المسيئة للإسلام والمسلمين».

وحسب ما قاله نيل ماغريجر مدير المتحف فإن المعرض سيوضح لغير المسلمين جوانب كثيرة حول شعيرة الحج قد لا يعرفون عنها الكثير، وأشار إلى أن تجربة الحج تمس مئات الآلاف من البريطانيين المسلمين. ولكن الحج أيضا له جوانب أخرى حسب ما قاله ماغريجر، «فعبر 1500 عاما تحول الحج إلى ظاهرة ثقافية، شهد صناعة أعمال فنية مرتبطة بالشعيرة، وأعمال أخرى اصطحبها الحجاج معهم إلى مكة، منها ما صنع لتزيين الكعبة مثل الكسوة والستائر».

ومن جانبها قالت فينيشيا بورتر أمينة المعرض إنه ينقسم إلى ثلاثة أجزاء، الأول يدور حول الإعداد لرحلة الحج والطرق الرئيسية التي سلكها الحجاج للوصول إلى مكة، الجزء الثاني يدور حول مكة ومكانتها والكعبة، أما القسم الثالث فيدور حول الشعائر. تقول: «سنقوم برواية قصة رحلة الحج مستعينين بالقطع التاريخية والمنسوجات والمخطوطات والصور، وهي الجزء الأهم، وسنسمع أصوات الرحالة أمثال ابن بطوطة ومالكولم إكس وأيضا تلبيات الإحرام التي ستصدح في القاعة».

حين تتحدث بورتر عن المعرض توضح أن حجم العمل مهول، وتشرح بأنها جمعت عددا ضخما من المواد والقطع لعرضها، ولكنها اضطرت إلى الاستغناء عن ثلثها، ولكن حديثها حول المعرض يوضح لنا المحتوى الضخم والثري لمثل هذا المعرض، وتشير إلى أن عدد المعروضات قل بشكل كبير قائلة: «من ناحية القطع المعروضة سنقوم بعرض نحو 160 إلى 170 قطعة مستعارة من مجموعات مختلفة، ولكل قطعة منها قصة، كما سنقوم بعرض صور مضخمة على جدران غرفة القراءة الدائرية بالمتحف، الصور كلها تاريخية وستملأ المكان بعبق الجو التاريخي».

المعرض يتوجه في الغالب إلى غير المسلمين، ولهذا فإن الجهد أيضا كان منصبا على شرح تفاصيل قد يراها المسلمون بديهيات ولكنها ستكون غامضة لغيرهم، «لهذا السبب سنعرض أفلاما تشرح للزائر ما الذي سيراه داخل المعرض»، كما تقول بورتر.

فكرة الرحلة هي أساس المعرض، ولهذا يفسح المعرض جزءا هاما لطرق الحج القديمة مثل درب زبيدة (نسبة إلى السيدة زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد، التي أسهمت في عمارته). هنا تقول بورتر: «في ما يخص هذا الطريق نقوم بالتعاون مع زملاء في المملكة العربية السعودية عملوا على الاستكشافات الأثرية الخاصة بهذا الطريق. ونقوم بالتعاون مع علماء سعوديين حول طرق الحج الأخرى مثل الطريق من اليمن، والكتابات التي تركها الحجاج على الصخور عبر ذلك الطريق».

وحين يستكشف المعرض الطرق فإنه بالضرورة سيلجأ إلى روايات الرحالة الذين سجلوا زيارتهم للأراضي المقدسة، مثل ابن جبير وابن بطوطة ومن العالم الغربي مالكولم إكس، وبهذا التصور سيتضافر في العرض القطع الأثرية، التي تحمل كل منها قصة مرتبطة بالحج، مع تلك الأصوات التي سجلت مشاهدات وخواطر خاصة حول التجربة، وتشير بورتر هنا إلى أن التحدي يكمن في الربط بين كل تلك العناصر في عرض متكامل.

المعرض يستعين بمعروضات من جميع الأزمنة التاريخية وينتهي بعرض لوحات وصور فنية معاصرة لفنانين سعوديين، مثل شادية عالم وأيمن يسري، وأحمد ماطر الذي يضم المعرض له عمل «مغناطيسية»، وصور «الحج» للمصورة ريم الفيصل.

بالنسبة لباقي المعروضات قام مسؤولو المتحف باستعارة قطع هامة من المكتبة البريطانية في ما يختص بالكتب والمخطوطات، ومن مجموعة الخليلي في ما يتعلق بالمحمل وقطع من الكسوة. تقول بورتر: «لكي نسرد القصة نحتاج إلى قطع تروي لنا قصة الحج، فهناك مثلا المحمل الذي كان يحمل كسوة الكعبة سنويا من القاهرة، وأيضا المقتنيات التي كان يحملها الحجاج معهم من الأراضي المقدسة، مثل شهادة الحج التي كان يحصل عليها كل حاج، والمشتريات التي يبتاعونها من هناك للذكرى. هناك أيضا مفاتيح الكعبة والستائر التي كانت تعلق في داخلها وقطع الكسوة التي صنعت في اليمن وفي القاهرة».