لبناني يبني قلعة مؤلفة من 14 برجا ويطمح لتحويلها إلى متحف ينشر تراث المنطقة وتاريخها

بجهد فردي دخل عامه الـ18 وبفكر فريد في البناء والتصميم

قلعة أبو موسى في بلدة خربة سلم
TT

هي قلعة لم تبلغ سن الرشد بعد، لكنها بلغت حد الإعجاب والانبهار عند معظم من رآها.

انطلق صاحبها إلى الطبيعة، ليجد نفسه مع الحجر وروحه بين القلاع والحصون والآثار، تستمد منها عبق الإبداع وأصالة التراث، مترجما عبقريته تحفة فنية رائعة ومعلما سياحيا من معالم لبنان الفريدة، تبدو لناظرها للوهلة الأولى، كأنها إحدى القلاع القديمة التي تزينها الأبراج.

تسأله عن الوقت الذي يخصصه للعمل فيها يوميا فيجيبك: «اسألني كم ساعة أنام يوميا».

يقول يوسف شعبان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من داخل إحدى غرف قصره الشاهق المطل على بلدة خربة سلم (جنوب لبنان): «بجهد فردي ودون اللجوء إلى الخرائط أو الرسوم الهندسية، لجأت إلى ترجمة صورة لطالما دغدغت مخيلتي وشكلت حلمي، حققت جميع مراحل التنفيذ بشكل ارتجالي، مستندا إلى أفكاري وتصوراتي».

على مساحة تقارب الـ5 آلاف م.م يتربع قصر أبو موسى بأبراجه التسعة، في إشارة إلى أشقائه التسعة، وبطوابق خمسة تبلغ مساحة كل واحد منها 250 مترا، تحيطه أشجار الأرز والسرو وعشرات الأنواع من الزهور، ينتصب شاهقا كتلال جبل عامل في قببه المستديرة وأحجاره الفريدة وشرفاته الرحبة.

البداية لم تكن موفقة عند صاحب الإحساس المرهف، لأن القلعة تعرضت ولأكثر من مرة لسقوط قذائف المدفعية والطيران الإسرائيلي صيف عام 1993، مما أدى إلى تضررها بشكل واضح، شأنها شأن الجنوب اللبناني آنذاك.

أبو موسى لم يستسلم، بل تسلح بإرادة لا تلين، مواصلا عمله الفردي مما دفع باليونفيل، والتي يعمل موظفا لديها، إلى وصفه بالـ«سوبر مجنون».

ميزة أخرى تضاف إلى صفات الرجل الأربعيني، تكمن في أن المواد المستخدمة في البناء، هي نتاج تصنيع وتركيب شخصي، يشرح أبو موسى بعض الجوانب الجمالية لقصره: «الغلاف الخارجي هو عبارة عن خلطة أحتفظ بسرها، وهي متأتية من مادة تتمتع بمواصفات تضاهي الإسمنت، وقد خضعت لامتحان على مدى سنة ونصف، تحت تأثير عوامل مناخية مختلفة».

الأمر لا يتوقف هنا، إذ إن زجاج النوافذ الذي سيتم تركيبه هو من تصنيعه أيضا، كذلك الأبواب الخشبية والحديدية، فضلا عن عمليات الزخرفة والتلوين، التي سيخضع لها الزجاج الداخلي والخارجي.

وانتقالا إلى الجناح المخصص لإقامة المتحف، فقد أنجز شعبان ما يقارب الـ200 منحوتة مصنوعة من الرخام والصخر والطين، تعود لشخصيات لبنانية وعربية وعالمية، برعت في مجال عملها واختراعاتها (من فن وأدب وسياسة وفلسفة وقديسين) منها القديمة والمعاصرة، تنتظر الانتقال قريبا إلى مكانها المعتمد.

وردا على سؤال، لا يستطيع صاحب الذوق الفن الرفيع وضع رقم معين للتكاليف التي أنفقها حتى الآن، لأنه أمر لا يعنيه، ويشير معلقا: «لقد عرض علي مبالغ لشراء القلعة، أو للمساهمة في استكمال بنائها من قبل متمولين عرب، لكنني رفضت، لأشعر لاحقا بالحاجة إلى الدعم المادي، لإنجاز المراحل المتبقية».

المشروع «الحلم»، أصبح مقصدا للعديد من الشخصيات الدبلوماسية الأجنبية واللبنانية والسياح العرب والأجانب وقوات اليونيفيل بكافة كتائبها.

لا مجال إلا للتأمل والتأمل، في الإبداع الخارجي الذي يبهر النظر، وفي الطموح الذي سيتجسد أكثر فأكثر في المستقبل، في قلعة تشبه التاريخ في تصميمها والحداثة في عمرانها.

أنامل إبداعية ورثها أبو موسى عن أبيه الفنان الراحل ياسين شعبان، المعروف برسمه على الجداريات والزخارف، فضلا عن تعلق أفراد أسرته بالرسم والموسيقى وتصميم المنازل، لتستكمل بلدته العريقة خربة سلم بنمطها التراثي المميز، صقل مواهب ابنها المتعددة.

قلعة شعبان تشرف على ثلاث قلاع، هي شقيف أرنون وتبنبن ودير كيفا، وهي تتوسطهم، مستعيدة بأبراجها الـ13 ذاكرة (الهبكشوس) لتبسط سطوتها على طريقهم السلطاني.

وعن طموحه، يؤكد عاشق الفن والنحت على الخشب على سعيه إلى تحويل قلعته إلى «وورلد ديزني»، من خلال عمل عمراني مميز لم يسبقه إليه أحد.

يوضح أبو موسى دوافع وحوافز عمله: «أنا أرى لبنان لوحة فنية وجمالية، وأحببت أن أضع بصمتي فيه، وهذا شرف لي».

مجسمات لحيوانات انقرضت بفعل الإنسان، كالديناصور، وذئب البحر، والحمار البري السوري، والحمام الزاجل والعلجوم، هي بعض من المراحل المتبقية، ليضعها بعدها داخل حديقة القلعة، كذلك سيكون هناك مجسمات لآثار لبنان المعروفة، كقلعة بعلبك وصخرة الروشة وقلعة صيدا، إضافة إلى مجسمات ستمثل ما تبقى من عباقرة لبنانيين تخليدا لذكراهم.

ويرى أبو موسى أن قلعته الحالية، لا تمثل أكثر من 20% من طموحاته، معتبرا أن طاقاته الفنية ما زالت على الطريق واعدا اللبنانيين والخارج بمفاجآت تترك لوقتها.

أما ما تتضمنه لائحته في الأجل القريب، فهو الانكباب على إعداد تصميم خشبي لسفينة نوح، وقد خصص لها مكانا مائيا في حديقته، لافتا إلى أنه سيزودها بمجسمات لمعظم الحيوانات، التي اصطحبها النبي نوح (عليه السلام) في سفرته المعروفة.

ومن أبرز مزايا القلعة أيضا، الغرفة غير المجهزة بسقف، والموجودة في البرج التاسع وهي مصنوعة من الحديد والزجاج، وتتسع لـ12 شخصا، تسمح لزائريها من خلال نوافذها أو سقفها الهوائي، من رؤية مناطق عديدة كتلة المنارة، ومسكاف عام، والعباد، وجبل صافي وجبل الشيخ في فلسطين المحتلة كذلك مزارع شبعا ومدينة النبطية وقلعة تبنين في لبنان.

إشارة إلى أن أبو موسى، يعتبر أن قلعته هي معلم تاريخي وثقافي وعمراني وسياحي، لا مثيل له في لبنان، ويحرص على إخراجه بأبهى صورة من الداخل والخارج، عند الانتهاء منه وهو اليوم أصبح بمثابة استشاري لدى العديد من أصدقائه وأبناء بلدته، في ما يتعلق بإعطاء فكرة وتقويم للتصاميم وأشكال البيوت الهندسية، التي يكونون في صدد بنائها.