المحطة الفضائية الدولية تبقى إرثا لبرنامج المركبات المكوكية

المختبر الطائر حوّل حلم الوصول إلى الفضاء إلى حقيقة

مكوك الفضاء أتلانتيس غادر المحطة الفضائية الدولية إلى غير رجعة (أ.ب)
TT

قد يكون مكوك الفضاء أتلانتيس غادر المحطة الفضائية الدولية إلى غير رجعة أول من أمس، لكن المختبر الطائر سيظل يذكرنا ببرنامج المركبات المكوكية لعشر سنوات على الأقل.

ما كان للمحطة الفضائية الدولية أن تقوم لها قائمة دون المركبات المكوكية وقدرتها على حمل المكونات الضخمة للفضاء، ولقد خصص العقد الثالث والأخير من عمر أسطول تلك المركبات لتحويل حلم ذلك المختبر إلى حقيقة واقعة هناك على بعد 300 كلم فوق الأرض.

ركزت زيارة أتلانتيس الأخيرة على تخزين احتياطيات للمحطة قبل أن يفقد العلماء قدرات المكوك على نقل المعدات الثقيلة للأبد. لقد تمكن أتلانتيس من نقل أربعة أطنان مترية من الشحنات وقطع الغيار تغطي احتياجات المحطة لمدة عام. المكوك هو المركبة الفضائية الوحيدة القادرة على نقل هذه الأحمال الثقيلة الضخمة للمدار، رغم أن المركبات الروسية والأوروبية واليابانية يمكنها حمل شحنات أصغر للمحطة.

وقال رائد الفضاء الأميركي رون جاران خلال وداع طاقم المحطة لرواد أتلانتيس قبل إغلاق كوة المحطة للمرة الأخيرة: «شكرا لأنكم تركتم المحطة جاهزة للعمل حتى بقية العقد». المحطة نفسها لا يزال أمامها عمر مديد، والخطط الحالية تدعو لتشغيلها حتى عام 2020 على أقل تقدير.

ويعلق سكوت بيس من جامعة جورج واشنطن قائلا: «اليوم أصبحت المحطة الفضائية التراث المتبقي من (برنامج) المكوك». كان اشتراك دول مختلفة في بناء المحطة على الأرض وتجميعها في الفضاء نصرا للهندسة والدبلوماسية في آن واحد، حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ). وقال بيس: «لا أعتقد أن هناك شراكة دولية بهذه الضخامة، وهذا الاتساع و(عبر) هذه المدة الزمنية».

لقد كان المشروع وليد انتهاء الحرب الباردة، عندما بدأ التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا، وزار الرواد الأميركيون محطة مير الفضائية الروسية للمرة الأولى.

لهذا السبب أصبحت المحطة الفضائية الدولية رمزا لـ«علاقات ما بعد الحرب مع روسيا» بحسب بيس، إذ ساعدت في خلق تناسق بين برنامج الفضاء الروسي وجهود الولايات المتحدة ومنحت دورا لشركاء آخرين مثل أوروبا واليابان.

أول من أقام بالمحطة كان رائدا أميركيا وعالمي فضاء روسيين، وكان ذلك في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000. خلال العقد اللاحق أقام ما يزيد على 200 شخص في المحطة لبعض الوقت، وساعدت 15 دولة في بنائها وأجريت أكثر من 600 تجربة.

وقال بيس: «إنه مشروع دولي بحق». والآن بعد إحالة أسطول المركبات المكوكية للتقاعد سينصبّ الاهتمام كله على المحطة نفسها بعد اكتمالها. لقد تمت دراسة مسألة استمرار تشغيل المحطة قبل اتخاذ قرار إحالة الأسطول للتقاعد، في واقع الأمر.

دفعت مخاوف السلامة، بعد انفجار المكوك كولومبيا لدى عودته للأرض أوائل 2003، البعض للمطالبة بوقف برنامج المكاكيك، غير أن الحاجة لإتمام المحطة والوفاء بالوعود أمام شركاء السباق الفضائي كانت وجيهة بما يكفي كي تدفع الولايات المتحدة إلى الإبقاء على البرنامج حتى الآن.

وقال بيس: «المكوك كان ضروريا للغاية لإتمام المحطة»، لكن الآن وبعد الانتهاء من بناء المحطة تضاءلت حجة الاحتفاظ بالمكاكيك العتيقة. وأكد بيس: «بمجرد الانتهاء (من بناء المحطة).. نحتاج إلى بناء جيل جديد من المركبات أكثر أمنا».

وكما هي الحال مع كل القرارات السياسية، لعبت التكلفة دورا أساسيا في اتخاذ قرار إحالة المركبات المكوكية للتقاعد، ذلك أن تشغيل المحطة والمركبات المكوكية وتطوير جيل جديد من المركبات الفضائية كان سيرفع التكاليف بشكل كبير للغاية.

لقد صادق النواب الأميركيون العام الماضي على مشروع دعم المحطة الفضائية الدولية حتى عام 2020 على الأقل، ما أسبغ كثيرا من الهدوء على شركائها الدوليين. وكانت الولايات المتحدة قررت في وقت سابق قطع تمويل المحطة تمهيدا لتفكيكها في 2015.

وقالت فاليري نيل، وتعمل أمينة متحف الطيران والفضاء الوطني التابع لمركز سميثسونيان في واشنطن: «الآن وبعد الانتهاء من (بناء) المحطة الفضائية وتشغيلها.. قد نكون بصدد الانتقال إلى الحقبة الثالثة (للرحلات الفضائية البشرية).. وهو العهد الذي سيشهد بناء وجود دائم في الفضاء وإجراء أبحاث أساسية بحق.. سيكون عهد علوم الفضاء». لكن حتى بعد إسدال الستار على برنامج المكاكيك وخروج المحطة لصدارة المشهد، يظل الاثنان مرتبطين للأبد. وقالت نيل: «إذا كان المكوك صمم لحمل الأقمار الصناعية فحسب.. لكان الموت المفاجئ أصابه.. لو لم يكن يتمتع بتلك القدرة على بناء محطة فضائية لكان أمره انتهى مبكرا.. وإذا لم يكن قد اعتمد (مشروع) المحطة الفضائية لكانت ستصبح في غياهب النسيان بعد عشرين عاما».