«الأنتيكا» تستقطب السياسيين والدبلوماسيين والأثرياء

الطاولة التي شهدت آخر جلسة قهوة للرئيس الحريري تتحول إلى تحفة

مقهى «بلاس دو ليتوال» في ساحة النجمة وسط بيروت حيث جلس رفيق الحريري لآخر مرة قبل أن يلقى حتفه، وقد أصبحت الطاولة التي شهدت هذه الجلسة مع مرور الوقت تحفة أثرية (رويترز)
TT

تعتبر هواية تجميع قطع الأنتيكا بمثابة شغف يتملك صاحبها فلا يستطيع مقاومة الحصول عليها ولو كلفه ذلك عناء السفر من بلد إلى آخر أو دفع مبالغ طائلة لقاء شرائها والاحتفاظ بها وكأنها كنز من كنوز الدنيا الخالدة.

ولم تعد هذه الهواية تقتصر على قطع الأثاث والأواني الكريستال والتحف النادرة، إذ صارت تطال اليوم أغراضا خاصة تعود لبعض المشاهير من فنانين وزعماء وسياسيين أو أدباء ومثقفين كالعباءة التي كانت تملكها أميرة لبنانية من آل أرسلان مطبعة بخيوط من الذهب الخالص بيعت في مزاد علني جرى في أحد فنادق بيروت المعروفة بمبلغ 5 آلاف دولار لسيدة من جذور إنجليزية أو كطاولات الرخام وعددها 20 وكراسي القش الـ40 التي زينت قهوة القزاز في منطقة الجميزة لأكثر من نصف قرن وباعها أصحابها لأحد المولعين بالقطع النادرة من التراث اللبناني بمبلغ يفوق الـ20 ألف دولار كونها شهدت جلسات أجيال من قبضايات لبنان وغيرهم الذين كانوا يقصدونها في الأيام الغابرة لارتشاف فنجان قهوة بعيدا عن المشكلات اليومية التي يعيشونها، والتي أبدى النائب اللبناني وليد جنبلاط وزوجته اهتماما لاقتنائها، فتبين أنها سبق وبيعت، فما كان من صاحبة المقهى إلا أن قدمت لهما إحداها كهدية رمزية لإرضائهما.

أما أحدث الأخبار التي تدور في فلك اقتناء القطع النادرة فتتعلق بالرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري.

فآخر جلسة قهوة أمضاها الرئيس الراحل رفيق الحريري قبيل مقتله بلحظات بحادث تفجير أمام فندق سان جورج وسط بيروت كانت في مقهى «Place d’etoile» في ساحة النجمة وسط بيروت، حيث جلس مع بعض أصدقائه من مجلس النواب والإعلام المكتوب يرتشفون فنجان قهوة ويتحدثون عن الأوضاع اللبنانية غير مدركين أنها ستكون بمثابة آخر جلسة يترافقون فيها مع الرئيس الحريري والنائب باسل فليحان الذي لقي حتفه أيضا في الانفجار الأسود.

أما الطاولة التي شهدت هذه الجلسة فقد أصبحت مع مرور الوقت تحفة أثرية رغم أنها مصنوعة من مادة الألمنيوم البسيطة، وقد وضعت مع كراسيها في أحد أركان المقهى لتصبح بمثابة مزار يلقي نظرة عليه كل من ارتاد المقهى من زبائن، وقد وضعت عليه صورة فوتوغرافية للرئيس الراحل للدلالة على رمزيتها. ومؤخرا تردد أن أحد المهتمين باقتناء القطع النادرة والأنتيكا في لبنان دفع مبلغ مليون دولار للحصول عليها، وأن الكرسي الذي كان آخر محطة ارتاح عليها الرئيس الراحل سبق واشتراه شخص آخر مقابل مبلغ 80000 دولار ليضمه إلى مجموعة القطع النادرة التي يملكها.

وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع أحد المسؤولين في المقهى ويدعى بطرس شعيا، أكد أن الطاولة وكرسيها ما زالا موجودين في المقهى، وأنه وصلته هذه المعلومة، ولكن وحسب علمه لم يتم بيعهما بعد، وأنه في فترة سابقة تم وضعهما في غرفة مجاورة إلا أن صاحب المقهى تلقى اتصالا من النائبة بهية الحريري تمنت عليه خلاله أن يعيدهما إلى مكانهما لأنهما يشكلان قيمة معنوية مهمة لآل الحريري وهكذا كان. وأضاف: «لقد جلس الرئيس الحريري عليها لآخر مرة، ظهر 14 فبراير (شباط) من عام 2005، وكان يرافقه عدد من أصدقائه، بينهم النائبان سمير الجسر وباسل فليحان والصحافيان وليد ومحمد شقير وغيرهما، واستمر هذا اللقاء لمدة 20 دقيقة ارتشف خلالها الرئيس الحريري فنجان قهوته المعتاد من دون سكر ثم ودع الموجودين يرافقه النائب فليحان ورحل». ويقول بطرس شعيا: «لم نحتفظ بكوب القهوة الذي استعمله لأننا لم نكن نعلم أنها المرة الأخيرة التي يزورنا فيها، إذ كان يرتاد المقهى بعد كل جلسة تعقد في مبنى المجلس النيابي القريب منا، وكان أحيانا يطلب كوب شاي أو المثلجات بطعم الشوكولاته، ولكن في غالبية الوقت يفضل فنجان القهوة. وحاليا يقوم بعض رواد المقهى بأخذ صورة تذكارية قرب الطاولة المذكورة ليحتفظوا بها في أجهزتهم الجوالة أو في ألبومات الصور التي يملكونها».

وتؤكد الخبيرة في أسواق المزادات العلنية فاليري أرقش لـ«الشرق الأوسط» أن اللبنانيين الذين يهتمون حاليا بهذا النوع من القطع النادرة هم في غالبيتهم من السياسيين والدبلوماسيين والأثرياء ومهندسي الديكور، إضافة إلى الهواة الشباب الذين اعتادوا توفير بعض المبالغ المالية من جيوبهم الخاصة للمشاركة في مزاد علني يحصلون خلاله على قطع أنتيكا تهمهم. وقالت: «يعتبر السجاد على أنواعه، وكذلك الثريات وأواني الليموج واللوحات الزيتية أكثر القطع القديمة التي يتهافت اللبنانيون للحصول عليها وأن المبالغ التي يدفعونها مقابل ذلك تتراوح ما بين الـ10000 و50000 دولار وفقا للأهمية التي تحملها والرمزية التي تمثلها».

ومن قطع الأنتيكا التي باعها أصحابها لسبب أو لآخر مقتنيات قصر الرئيس اللبناني الراحل بشارة الخوري في منطقة القنطاري بعد أن عرضها ابنه ميشال الخوري للبيع في مزاد علني في السبعينات فاشترى أحد هواة قطع السجاد واحدة أصفهانية كانت من القطع المفضلة لدى الرئيس الراحل بمبلغ 50000 ليرة لبنانية أي ما يوازي الـ20000 دولار حاليا.

وفي مزاد علني جرى في فندق الكارلتون منذ عدة سنوات بيع كرسي من طراز نابوليون الثالث مصنوع من خشب الورد بمبلغ 14000 دولار قيل إن الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول قد جلس عليه أثناء زيارة قام بها إلى لبنان.

ومن الشخصيات المعروفة في لبنان التي تهوى اقتناء الأيقونات واللوحات العالمية الوزير الأسبق ميشال إده ويملك منها في منزله مجموعة نادرة تقدر بملايين الدولارات، وكذلك الأمر رجل الأعمال غابي تامر الذي يحب جمع الأثاث القديم الذي تعود ملكيته لأمراء وملوك وقد اشترى في أواخر الثمانينات أحد صالونات شاه إيران المؤلف من 7 قطع من طراز الستيل المرصع بالذهب الخالص ويبلغ ثمنه 20 ألف جنيه إسترليني، ومن مقتنياته النادرة أيضا 32 سجادة عجمية حصل عليها في مزاد علني جرى في صالة سوثبي اللندنية ودفع ثمنها 70 ألف جنيه إسترليني.

ويعتبر مهندس الديكور عبد الله حمصي أحد اللبنانيين الشغوفين باقتناء القطع النادرة من ساعات الحائط والعصي الخشبية إضافة إلى الموازين على أنواعها كونها ترمز إلى البرج الفلكي الذي ينتمي إليه الميزان ويقول: «إنها هواية قديمة تعلقت بها وأصبحت هاجسي في فترة من حياتي اليوم أصبحت أختار القطع النادرة جدا ولا أتوانى عن دفع المبالغ الطائلة للحصول عليها كالميزان الذي اشتريته من باريس ويعود إلى أحد أقدم الجزارين الذين اشتهروا في العاصمة الفرنسية في القرن التاسع وكان الرئيس الفرنسي شارل ديغول أحد أهم زبائنه. ويصل طوله إلى نحو المتر وهو مصنوع من النحاس الأصفر الجميل ومعه كافة الأوزان التي ترافق عادة هذا النوع من الموازين وقد دفعت ثمنه 11 ألف يورو». ومن القطع النادرة التي يفتخر عبد الله حمصي باقتنائها ساعة جدار يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر (1833) وكان يملكها سير بريطاني، وهي مصنوعة من خشب الورد، عقاربها مغطسة بالذهب بدائرة عرضها 70 سم، وقد اشتراها من لندن بمبلغ 10000 يورو.

ومن الشخصيات اللبنانية التي ارتبط اسمها ارتباطا مباشرا بهذا النوع من الهوايات وزير الداخلية السابق إلياس المر فهو لا يتردد مثلا في السفر إلى بلد معين للحصول على قطعة نادرة من الأنتيكا تهمه كالتلسكوب (مرقاب تنظر به إلى الأجسام الطائرة البعيدة غلب استعماله لرصد النجوم) الذي اشتراه من فرنسا ووضعه على سطح فيللته في الرابية ليستطلع ويراقب النجوم. وكذلك النائب الراحل فريد سرحال الذي كان يطوف العالم بحثا عن أقدم أواني الليموج والبورسلين والحجار الغريبة القيمة التي عرضها في قصره في بلدة جزين الجنوبية وأصبحت بمثابة متحف يزوره المهتمون بهذا النوع من الأنتيكا.