تطبيقات طبية جديدة واعدة في العلاج بالخلايا الجذعية

كوريا الجنوبية توافق على أول علاج طبي في العالم مستخلص من الخلايا الجذعية

TT

الخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ (Stem Cells)، من بين مجالات البحث العلمية العالمية الواعدة التي يعلق عليها العلماء الكثير من الآمال والوعود في المجالات البحثية والطبية والعلاجية، وخاصة في علاج الأمراض المستعصية، مثل السرطان والقلب والسكري والكبد وباركنسون (الشلل الرعاش). ويطلق على الخلايا الجذعية وصف «سيدة الخلايا» (Master cells)، لقدرتها على التحول إلى أي نوع من خلايا وأنسجة الجسم، وتأتي أهمية هذه الخلايا من كونها تتميز بمجموعة من الخصائص الفريدة، والتي من بينها أنها غير متخصصة ولديها القدرة على الانقسام والتجدد الذاتي والتحول إلى أي نوع من أنواع الخلايا المتخصصة، حيث تسهم في قدرة الجسم على تجديد أنسجته وترميمها، كما أنها تولد خلايا جديدة في أي نسيج تنتمي إليه. ومن مصادر الخلايا الجذعية: نخاع العظم، والدم المحيطي، ودم الحبل السري بعد الولادة مباشرة.

وتعد الخلايا الجذعية الجنينية (Embryonic stem cells) خلايا متعددة الاستخدامات، حيث إنها قادرة على التطور لتصبح أي نسيج متخصص في الجسم، ويتم الحصول عليها من دماء الحبل السري (Umbilical cord) بعد الولادة مباشرة أو من النطفة الجنينية، وهي عبارة عن كتلة الخلايا الجنينية الأم التي تتكون داخل النطفة الملقحة خلال الأيام الأربعة أو الخمسة الأولى بعد عملية الإخصاب، والتي تسمى حينذاك «بلاستوسيت» (blastocyst) وتحتوي على نحو 100 إلى 150 خلية جذعية جنينية، تستطيع أن تنمو لتعطي أي نوع من أنواع خلايا الجسم المختلفة.

وخلال شهر يوليو (تموز) الجاري، أعلنت كوريا الجنوبية عن موافقة الإدارة الكورية لسلامة الأغذية والعقاقير الطبية على أول علاج طبي مرخص في العالم بنظام الخلايا الجذعية، وذلك باستخدام دواء (هارتيسيلغرام - إيه إم آي) (AMI - Hearticellgram)، الذي يعالج ضحايا الأزمات القلبية، والذي تم تطويره بواسطة شركة «إف سي بي - فارميسيل» للأدوية (FCB - Pharmicell)، فقد اجتاز العقار كافة إجراءات السلامة والتقييمات المطلوبة للحصول على الموافقة، وأجريت عليه المزيد من اختبارات الجودة. والعقار مصنوع عن طريق فصل الخلايا الجذعية من نخاع عظام المريض، وزراعتها لمدة ثلاثة أو أربعة أسابيع، وبعد ذلك يتم حقنها من جديد في قلب المريض مباشرة من خلال الشريان التاجي، وسوف يستفيد من الدواء الآلاف في كوريا الجنوبية، ممن يعانون من أمراض احتشاء القلب (النوبة القلبية أو جلطة القلب الحادة)، والذين قدر عددهم في عام 2009 بنحو 70 ألف شخص.

وقالت إدارة الأغذية والأدوية، إنه بعد ست سنوات من التجارب السريرية، قد انتهت من جميع الإجراءات اللازمة للسماح لبيع عقار العلاج بالخلايا الجذعية لأمراض احتشاء عضلة القلب الحادة والتي تعرف بالنوبات القلبية. وقال سونغ غاي - مان رئيس مستشفى جامعة يونسي وونغو المسيحية التي أجريت فيها التجارب، لوكالة «رويترز» إن «هذا هو أول دواء للعلاج بالخلايا الجذعية تتم الموافقة على استخدامه السريري، ليس فقط في كوريا، ولكن على مستوى العالم بأسره»، وأضاف: «إننا نأمل أن يكون هذا بمثابة محفز في مجال النهوض العالمي بأبحاث الخلايا الجذعية وتطبيقاتها».

ومن بين التطبيقات الجديدة الواعدة في مجال العلاج بالخلايا الجذعية، ما أعلن عنه العلماء حديثا خلال شهر يوليو (تموز) الجاري، من مساعدة الخلايا الجذعية في نمو خلايا دماغية جديدة لفئران تعالج بالإشعاع، الأمر الذي يمكن أن يمنح الأمل لمرضى سرطان الدماغ، الذين غالبا ما يعانون من مشكلات وخيمة في الإدراك نتيجة العلاج الإشعاعي.

فرغم أن العلاج الإشعاعي لسرطان الدماغ يمكن أن ينقذ حياة العديد من الأفراد المصابين به، فإنه لا يمكن أن يتحقق من دون تكلفة مرتفعة، كما أنه في الوقت الذي يقتل فيه الإشعاع خلايا السرطان المريضة، فإنه أيضا يقتل خلايا المخ ويدمر الذاكرة والذكريات ويضعف الذكاء ويسبب الارتباك.

لكن، العالم الأميركي تشارلز ليمولي أستاذ علم الأورام الإشعاعي وزملاؤه من جامعة كاليفورنيا الأميركية، قد أظهروا في دراسة جديدة نشرت في مجلة السرطان، أن الخلايا الجذعية يمكن أن تساعد في عكس بعض التلف في خلايا المخ نتيجة العلاج بالإشعاع، فقد بين ليمولي، أنه من الممكن بمساعدة الخلايا الجذعية أن تنمو خلايا دماغية جديدة، فعن طريق حقن خلايا جذعية عصبية بشرية في أدمغة فئران تضررت قدراتها المعرفية بفعل الإشعاع، قد استعادت الفئران المهارات المعرفية المفقودة، وذلك بعد العلاج بالخلايا الجذعية.

وفي خطوة علمية مبشرة في مجال علاج مرضى باركنسون (الشلل الرعاش) باستخدام الخلايا الجذعية، أعلن باحثون بريطانيون من جامعة أكسفورد، خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، وضمن دراسة تستمر 5 سنوات، عن البدء في تشكيل بنك من الخلايا الدماغية النامية مخبريا والمأخوذة من مرضى باركنسون، من خلال تقنية جديدة تتعلق بالخلايا الجذعية تسمح لهم بتحويل قطعة جلدية من المريض إلى قطعة دماغية، وأول دفعة من هذه الخلايا الدماغية قد نمت من خلايا أخذت من مصاب بالمرض يدعى ديريك أندروود، والذي سيكون المريض الأول بين 50 شخصا سوف يجرى تحويل خلاياهم الجلدية إلى دماغية.

ومرض باركنسون (الشلل الرعاش)، من الأمراض الشائعة لدى كبار السن، وسمي بهذا الاسم نسبة للطبيب الإنجليزي جيمس باركنسون (1755 - 1824)، الذي كتب عنه مقالة بعنوان «مقالة حول الرعشة غير الإرادية» في عام 1817، وهو من اضطرابات الحركة، ويحدث نتيجة نقص إفراز مادة الدوبامين المسؤولة عن نقل الإشارات العصبية في المخ والضرورية لتوازن الحركة لدى الإنسان، ومن أهم أعراض المرض، الرعاش واهتزاز جزء أو أكثر من جسم الإنسان والتصلب (تيبس الجسم) وعدم القدرة على الحركة وفقدان الاتزان وصعوبة المشي.

وجدير بالذكر أن هناك حاليا اهتماما عالميا متزايدا، ببنوك الخلايا الجذعية، وتركز دول العالم الآن على الاهتمام بالخلايا الجذعية الجنينية المستخلصة من دماء الحبل السري، وذلك لما تتميز به من خصائص علمية مميزة وواعدة في علاج العديد من الأمراض المستعصية، ولهذا فقد أنشأت الدول المتقدمة العديد من البنوك المتخصصة لحفظ دماء الحبل السري لعلاج المرضى، فعلى سبيل المثال، أعلنت الصين خلال شهر مايو (أيار) الماضي أن بنك النخاع العظمي الصيني يمتلك حاليا 1.28 مليون وحدة من الخلايا الجذعية المكونة للدم، ونجح في التبرع بها لـ2142 شخصا خلال عشر سنوات، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى مليونين بحلول عام 2015.

وفي عالمنا العربي هناك أيضا خطوات علمية رائدة واهتمام متنامٍ ببحوث وبنوك الخلايا الجذعية، فقد أسس مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض برنامجا لزراعة نخاع العظم أو الخلايا الجذعية، وأجرى الآلاف من عمليات زراعة الخلايا الجذعية، كما تم فيه تأسيس البنك الوطني لتخزين ومعالجة الخلايا الجذعية المستخلصة من دماء الحبل السري. وقد أصبح المستشفى التخصصي من بين المراكز الطبية العالمية التي تجري أعلى معدلات سنوية في حالات زراعة الخلايا الجذعية، وهناك أيضا وحدة أبحاث الخلايا الجذعية بجامعة الملك سعود، التي تعد أول وحدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، كما أسست الإمارات العربية المتحدة مركز الحبل السري والأبحاث في دبي.

ويبقى القول بأن عالمنا العربي في حاجة لإنشاء المزيد من مشروعات بنوك حفظ دماء الحبل السري وأنسجة المشيمة، التي تعد ثروة علمية هائلة ومصدرا مهما وخطوة أولى لأبحاث الخلايا الجذعية وثورة طبية تحمل الأمل لإنقاذ حياة الكثير من المرضى وعلاج العديد من الأمراض المستعصية، والتي للأسف قد يتم التخلص منها لعدم وجود بنوك لحفظها، وهناك ضرورة لتوعية المجتمع بأهمية مجال بحوث الخلايا الجذعية وأهمية تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين على إنشاء أكبر عدد من بنوك تخزين دم الحبل السري وزيادة عدد الوحدات المخزنة بها والتي من شأنها المساعدة في إجراء أبحاث الخلايا الجذعية المبشرة بعصر جديد في الطب لعلاجات جديدة للعديد من ألأمراض المستعصية والخطيرة.