قصة مصممة طبعت اسمها على أشهر قطع الخزف في بريطانيا

حولت تزيين البورسلين إلى أعمال نسائية رائجة في القرن التاسع عشر

تمتعت إليزابيث تمبلتون بموهبة غير عادية راجت تصميماتها وحاكاها منافسو «ودجوود» (إ.ب.أ)
TT

طالما كان التصميم هو عالم الرجال بامتياز، أو على الأقل حتى وقت قريب. فقط طالع كتب التاريخ لترى الكثير من الرجال من أول المصممين المحترفين وأكثرهم من الفنانين البارزين مثل تشارلز لي برون الذي صمم لوحات جدارية لمصنع «غوبلينز» في فرنسا في القرن السابع عشر، وجورج ستابس الذي نفذ ودجوود تصميمات لوحاته على الخزف في إنجلترا في القرن الثامن عشر.

ولكن جوسيا ودجوود، مؤسس شركة «ودجوود» للخزفيات اتخذ خطوة غير مسبوقة عندما طلب تصميمات من نساء في سبعينات القرن الثامن عشر. كانت كل المصممات التي يتعامل معهن ينتمين إلى الطبقة الأرستقراطية، وقد جذبته دائرة معارفهن من صفوة المجتمع بقدر ما جذبته موهبتهن وقدراتهن. لكن نظرا لتمتع إحدى هؤلاء النسوة وهي إليزابيث تمبلتون بموهبة غير عادية راجت تصميماتها وحاكاها منافسو «ودجوود».

وحملت خطوط إليزابيث عناوين مثل «الأعمال المنزلية»، و«عاطفة الأمومة»، و«مدرسة الأسرة». لقد أراد مصنع «ودجوود» لعمل إليزابيث أن يكون رائجا في سوق النساء، والتزمت برسم مشاهد رقيقة لنساء يقمن بأعمال منزلية أو أمهات محبات يحتضن أبناءهن لتزيين قطع خزفية مثل أباريق الشاي والمزهريات والأبازيم. لكن جوسيا نفذ هذه التصميمات بدقة بحيث تركت إليزابيث بصمة بصفتها أول امرأة تقتحم مجال التصميم. وعلقت هيلاري يونغ، أمينة الأعمال الخزفية والزجاجية في متحف «فيكتوريا أند ألبرت» بلندن على تلك الأعمال قائلة: «اتسمت تصميمات إليزابيث بالعاطفية، وهو ما لا يتناسب مع ذوقي، لكن تظل تلك الأعمال متميزة، فلا شك أنها كانت مصممة ناجحة».

ولدت إليزابيث باوتون عام 1747، وهي الابنة الكبرى من بين أربعة أبناء لشاكبيرغ باوتون، الابن الأصغر لبارونة وماري غريفيل، ابنة لورد وحفيدة دوق. رغم انتمائها إلى عائلة عريقة، كان يُعتبر آباؤها أقل ثراء ونفوذا من كثير من أقاربهم الذين ورثوا أملاكا كثيرة وتم منحهم ألقابا هامة نافذة. وتزوجت إليزابيث عام 1769 بكلوتورثي أبتون الذي ينتمي إلى أسرة عسكرية سياسية.

كان أبتون مثل زوجته طموحا ويتمتع بنفوذ، وتقلد منصبا رفيعا لدى الأسرة المالكة ومُنح عام 1776 لقب بارون تمبلتون، مما جعل إليزابيث سيدة تمبلتون الأولى. وأنجبا ولدين هما فولك وجون، وفتاة سموها إليزابيث. لفت الزوجان أنظار المجتمع في لندن، حيث اشتهرت إليزابيث بأنها فنانة هاوية. وطلبا عام 1783 من الفنان المعماري روبرت آدم إعادة تصميم منزلهم الريفي، وهو عبارة عن قلعة تعود إلى القرن السادس عشر في شمال آيرلندا، اشتراها أبتون في بداية القرن السابع عشر وأطلق عليها اسم قلعة أبتون.

ومثلما تابعت سيدات المجتمع «الفنانات» في نهاية القرن التاسع عشر مثل إليزابيث أعمال فنانين معماريين مثل آدم، فُتنوا بالثورة الصناعية. لكن بعد ذلك بعقود بدأت الطبقات العليا في المجتمع الإنجليزي تنظر باحتقار إلى الثورة الصناعية، لكنها كانت لا تزال في بدايتها في نهاية القرن الثامن عشر، وتم النظر إلى أكثر المصانع تقدما على أنها نشطة.

كان ودجوود أكثر رجال الصناعة نشاطا، حيث تعلم مهارات الحرفة خلال عمله كمساعد صانع خزف، حيث فتح مصنع الخزف الخاص به في مسقط رأسه ستافوردشاير عام 1758. ودفعه افتتانه بالعلوم إلى العمل دائما على ابتكار مواد وتقنيات جديدة. وجمع بين المهارة في التسويق والرؤية الاستراتيجية للقيام باستثمارات جريئة مثل مشروعات في قنوات لنقل الآنية الخزفية القابلة للكسر.

كان جوسيا مهتما بالفن، حيث كان يشجع الفنانين الموهوبين مثل ستابس وجون فلاكسمان وجوزيف رايت على عمل تصميمات للشركة، واضطلع بتنفيذ مشروعات طموحة منها «غرين فروغ سيرفيس» التي طلبتها كاثرين الثانية، إمبراطورة روسيا عام 1773. كان المشروع يتضمن تنفيذ 952 قطعة، كان كل منها يصور ضفدعا مع مشهد من مشاهد الحياة في بريطانيا. وكان ودجوود يرسل الفنانين إلى مختلف أنحاء البلد لرسم الغابات والأنهار والقلاع، وكذلك صناعة الحديد والقنوات. واستخدم أحد الفنانين الكاميرا المظلمة التي كانت اختراعا حديثا آنذاك.

لم يكن مفاجئا أن تدير إنجازات ودجوود رأس إليزابيث وأصدقائها، مما حول بورسلين ودجوود إلى أعمال نسائية رائجة شبيهة بالغناء وشغل الإبرة. وأشارت جيني أوغلو في كتابها عن ودجوود ومعارفه بعنوان «رجال قمريون» إلى تقرب بعض رموز المجتمع ومنهم إليزابيث على الأرجح من ودجوود وطلبهم منه تنفيذ تصميماتهم في مصانعه. أيا كان الشخص الذي بادر، فقد حظيت أولى تصميمات إليزابيث لودجوود بشهرة واسعة حتى إنه كتب عام 1783 خطابا يثني فيه على عملها «الساحر» ويعبر فيه عن رغبته في «تنفيذ المزيد من تصميماتها».

كان يشمل دور إليزابيث كمصممة رسم مشاهد مؤثرة بالقلم أو تشكيلها من الورق الهندي. بعد ذلك يحاكي ويليام هاكوود، أكثر العمال مهارة لدى ودجوود في صناعة التماثيل، هذه الصور على آنية بيضاء من الحجر، ثم يتم تزيين الأعمال الخزفية بها. كثيرا ما كانت إليزابيث تستوحي تصميماتها من الأساطير الكلاسيكية وإن كانت تعتمد كذلك على بعض كتاب القرن الثامن عشر، مثل غوته ولورانس ستيرن في استلهام التصميمات. توجد الكثير من أعمال إليزابيث حاليا في مجموعات فنية في متاحف وظلت تصميماتها تنفذ حتى وقت قريب.

تُوفي زوج إليزابيث عام 1785 وهي في الثلاثينات من العمر وترك لها ثلاثة أبناء. وقد صورها جون داونمان بعد ذلك بخمسة أعوام كامرأة جذابة ترتدي ثيابا مسايرة للموضة السائدة وقتها، ذات شعر مصفف جيدا، لا كامرأة جميلة جمالا عاديا، بل امرأة ذات عزيمة قوية وتتمتع بروح معنوية مرتفعة. لم تتزوج إليزابيث مرة أخرى بعد وفاة زوجها، وقضت جزءا كبيرا مما تبقى من عمرها في إيطاليا. وتُوفيت إليزابيث عام 1823 بعد أن مُنح ابنها جون لقب فيكونت تمبلتون، وتزوجت ابنتها إليزابيث بماركيز بريستول.

من رموز المجتمع الذين قدموا تصميمات نفذها ودجوود ديانا بوكليرك، ابنة دوق مارلبور وإيما كرو، التي كانت والدتها من أهم عملاء الشركة. لكن لم تحظَ تصميماتهما بالشهرة التي حظيت بها تصميمات إليزابيث تمبلتون.

* خدمة «نيويورك تايمز».