تشكيليو أصيلة من مختلف الأصقاع ارتبطوا بالمدينة وارتبطت بهم

مدرسة مفتوحة كل صيف تخرج فيها رسامون كثيرون

الفنانة الكويتية منى النوري بجانب بعض لوحاتها («الشرق الأوسط»)
TT

من المظاهر التي ارتبطت بموسم أصيلة الثقافي، الجداريات التي يرسمها تشكيليون من مختلف بقاع الأرض على جدران المدينة، وهي جداريات تتجدد كل عام من انطلاقة الموسم. ولا يقتصر الفن التشكيلي في أصيلة على رسم الجداريات وتنظيم المعارض التشكيلية في بهو «قصر المؤتمرات» حيث تعقد ندوات الموسم، إذ يرافق فعاليات المهرجان ورشات لفنانين تشكيليين من مختلف الجنسيات، يسهمون في الوقت نفسه في دورات تكوينية لطلبة من داخل وخارج المغرب، كما يقدمون فكرة للزائرين، ومن هذه الدورات برز كثيرون بينهم أصبحوا الآن من الرسامين المرموقين. وفي الوقت نفسه يقدم كل فنان عمله على حدة.

توجد هذه الورشة في «قصر الثقافة»، حيث نظمت هذه السنة ورشة خاصة بفن الحفر وهي تقنية ظهرت مع ظهور المطبعة واستغلت فنيا في أواخر القرن السادس عشر، وتقول الفنانة التشكيلية المغربية اسناء السرغيني، التي شاركت في ورشة فن الحفر وكذا بإحدى الجداريات في أصيلة، إن هذه التقنية تقوم على الرسم على ألواح الزنك أو النحاس، هذه الألواح يغطيها الفنان بطبقة من مادة القطران وتسمى أيضا «البرنيز»، بعدها يقوم الرسام بالرسم بآلة حادة فوق اللوح، ثم توضع القطعة المعدنية في حامض الأسيد فتحفر الأماكن التي تم الرسم فيها بالأسيد وكلما بقيت اللوحة مدة أطول في حامض الأسيد حفرت خطوط الرسم أكثر وبالتالي يكون لون الطباعة داكنا، بعد ذلك يتم وضع القطعة المعدنية في الآلة الضاغطة وينسخ الرسم في الورق، عندها تصبح عملية تغيير الألوان أسهل حيث يقوم الفنان بتغيير الألوان وأحيانا زيادة عمق الحفر في بعض الزوايا ليصبح لونها داكنا أو بترطيبها ليعطي إضاءة أكبر للوحة. وأشارت السرغيني إلى أن هذه العملية يمكن أن تستعمل فيها مواد أخرى مثل أوراق الشجر حيث تطبع الصور على المعدن ثم على الورق وتكرر هذه العملية إلى حين وصول الفنان إلى النتيجة التي يريدها.

وفي الناحية الثانية من المشغل توجد ورشة الصباغة الزيتية، حيث كان يعمل الفنان المغربي الحسين ميموني، الذي شارك في ورشات الحفر وفي الجداريات وفي الصباغة الزيتية، وهو يعتقد أن الورشات فرصة سانحة للاحتكاك بين الفنانين المغاربة والأجانب، وفي اعتقاده أنها تجربة غنية أيضا حيث الفنان يلتقي مباشرة مع النقاد ويجري حوار بينهم.

يتحدر الفنان ميموني من تارودانت (جنوب المغرب) وهو يعيش في فرنسا، يقول إنه في كل زيارة للمغرب، لا بد أن يمر على أصيلة، مشيرا إلى أن علاقته بالمهرجان بدأت عام 1986، ومنذ تلك الفترة ارتبط بالمدينة، وهو يرى أن خاصية أصيلة أنها تكاد تكون المدينة الوحيدة في العالم التي يلتقي فيها عدد كبير من الفنانين التشكيليين في وقت واحد ومكان واحد.

يختص ميموني في فن الغرافيك وعمل في أصيلة على مجموعة تشكيلية بعنوان «رسالة إلى أمي» تعبر عن الحداد على فقدان والدته، وهي مجموعة تتجسد في رسائل مكتوبة بخط قديم ملصقة فوق لوحاته ويلفها بشريط أسود يعبر فيها عن مدى الحنين إلى والدته. لا يحب ميموني أن يحصر نفسه في شكل واحد من أشكال التعبير، فهو يعمل أحيانا في فن الحفريات، وتارة أخرى في الصباغة الزيتية وكذلك في الرسم التقليدي الذي يعتبره الأصل في الفن التشكيلي، ويتجول دائما بين أشكال مختلفة في التعبير.

أما الفنانة التشكيلية منى النوري فهي مختصة في الفن التجريدي، لكنها تقول إنها لا تحب الرسم التجريدي الكامل بل لها شخوصها الخاصة بها، ترسم الشخوص وتجرد الخلفية، وأضافت أنها لا تحب التبعية لمدرسة معينة أو لنوع تشكيلي معين. بدأت النوري مشوارها الفني دون دراسة وكان ذلك بعد تجاوزها سن الاربعين وهي تقول إن لديها دائما إحساس بانها متأخرة لذا فهي تطلق العنان لخيالها ليأخذها إلى أي مكان، وقالت إن السبب الذي جعلها لا تنظم معرضا شخصيا، هو أنه يتطلب مدرسة واحدة ونوعا تشكيليا واحدا وعنوانا واحدا.

تعمل النوري بشغف شديد، وتقول إن أصيلة تؤثر فيها بشكل كبير فهي منذ وصولها إلى هذه المدينة، استطاعت أن ترسم مجموعة من اللوحات في فترة قياسية وهو الأمر الذي تحتاج إليه عادة الكثير من الوقت، حيث إنها أحيانا ترسم لوحة كل أربعة أشهر، أثرت أصيلة كذلك في النوري من خلال اختيارها للألوان، حيث توضح أن اللونين الأزرق والبرتقالي مثلا لم يكونا يوما يوجدان في أعمالها، في حين أن اللونين حاضران بقوة في لوحاتها الآن.