مع جهاز «آي فون».. أنت لست وحيدا

مستخدموه يتفاعلون معه أكثر مما يتفاعلون مع البشر

يتزايد الاعتماد على الهواتف الذكية بسبب رغبة الأميركيين في اختصار جهاز«آي بود» والكاميرات والخرائط ودفاتر العناوين في قدرات الهاتف الذكي التي لا تحصى
TT

يمكنك تسميته باسم خاص بغرض تدليله، ويعرف عنك أكثر مما تعرفه والدتك، وأحيانا تنام معه وتتعلق به لدرجة أن انفصالك عنه لبضع دقائق يمكن أن يسبب لك حالة من الذعر: إنه جهاز «آي فون».

في الوقت الذي يشعر فيه مستخدمو الهواتف الذكية بالقلق بشأن عمليات التنصت على الهواتف وغيرها من التهديدات الأمنية التي تحتل عناوين الصحف العالمية هذه الأيام، يشعر علماء النفس وغيرهم بالقلق إزاء قضية تثير نفس القدر من القلق وهي الهوس المتزايد بين الأشخاص الذين يتفاعلون مع هواتفهم الذكية أكثر مما يتفاعلون مع البشر.

وتقول ليزا ميرلو، وهي مديرة التدريب النفسي بجامعة فلوريدا: «من خلال مراقبة الأشخاص الذين يحصلون على الهاتف الذكية للمرة الأولى، يتضح أن هناك تحولا سريعا للغاية من مجرد وجود هاتف أساسي لا يتحدث الأشخاص عنه إلى أشخاص يحبون أجهزة (آي فون) الخاصة بهم ويطلقون أسماء على هواتفهم».

وذكرت وكالة اسوشيتد برس أن الاعتماد يتزايد على الهواتف الذكية بسبب رغبة الأميركيين في اختصار جهاز «آي بود» والكاميرات والخرائط ودفاتر العناوين في قدرات الهاتف الذكي التي لا تحصى. وقد وفرت الشركات آلاف التطبيقات التي تقدم كل شيء للمستخدم بدءا من قياس معدل ضربات القلب وإرشاد المستخدم في شوارع مدينة نيويورك. وفي حين جعلت الهواتف الذكية الحياة أسهل بالنسبة للبعض، يؤكد علماء النفس على أن الهوس بهذه الهواتف قد تحول إلى إدمان، مما أدى إلى مجموعة من العواقب التي تتراوح بين عواقب صغرى مثل (المراهقين الذين يتواصلون عبر مختصرات مكونة من ثلاثة أحرف مثل «إل أو إل» و«بي آر بي») وعواقب كبرى مثل (حوادث السيارات الناجمة عن انشغال الأشخاص بالكتابة أثناء القيادة).

وتقول ميرلو، وهي طبيبة نفسية، إنها قد لاحظت عددا من السلوكيات بين مستخدمي الهواتف الذكية أطلقت عليها اسم «السلوكيات صعبة الحل» مثل قيام بعض المرضى بالتظاهر بأنهم يتحدثون في الهاتف أو اللعب على التطبيقات المختلفة لتجنب الاتصال عبر العين أو غيره من التفاعلات أثناء تواجدهم في إحدى الحانات أو الحفلات. وينهمك آخرون في هواتفهم النقالة لدرجة أنهم يتجاهلون الناس من حولهم تماما.

وأضافت: «كلما زاد عدد الأجراس والرنات التي تصدر من الهاتف، كلما زاد احتمال تعلق الفرد بالهاتف».

وقد فازت ميشيل هاكمان التي تخرجت مؤخرا من إحدى المدارس الثانوية في لونغ ايلاند بنيويورك، بجائزة قدرها 75,000 دولار في مسابقة «بحث إنتل عن المواهب العلمية» بفضل دراسة عن تعلق الشباب بالهواتف الجوالة. وقد وجدت هاكمان أن الطلاب الذين تم الفصل بينهم وبين هواتفهم الجوالة كان لديهم حافز أقل - كان انخفاض معدل ضربات القلب مؤشرا على ذلك - ويفتقرون إلى القدرة على الترفيه عن أنفسهم.

وتقول هاكمان إن معظم الشباب في مدرستها الثانوية العريقة كان لديهم هواتف ذكية، بل وكان البعض منهم يقوم بكتابة الرسائل النصية على هذه الهواتف تحت مكاتبهم خلال الحصة الدراسية.

ويقوم البعض بالنوم بجوار هواتفهم بسبب شعورهم بالقلق من أنهم قد يغفلون عن شيء ما. ووفقا لمركز بيو للأبحاث فإن أكثر من ثلث البالغين في الولايات المتحدة - 35 في المائة - لديهم هواتف ذكية، وينام ثلث هذه النسبة وهم واضعو هواتفهم بجانب أسرتهم.

ويقول مايكل بروس، وهو اختصاصي في علم النفس والنوم، إن مرضاه غالبا ما يصفون كيف يردون على رسائل البريد الإلكتروني ويتصفحون الإنترنت كطريقة للاسترخاء أثناء الليل. ويقول بروس إن هذه الفكرة سيئة للغاية، وأضاف: «يمكن أن يؤدي هذا السلوك إلى زيادة الإثارة المعرفية، مما يؤدي إلى أكثر الشكاوى التي أسمعها وهي: (لا أستطيع إيقاف ذهني عن التفكير حتى أنام)».

ولا تعد اضطرابات النوم هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها مدمنو الهواتف الذكية، حيث إن البعض مستعد لفعل أي شيء للتعامل مع هذا الإدمان، بما في ذلك إنفاق الكثير من المال. ووفقا لشركة جي دي باور وشركاه، ينفق مستخدم الهاتف الذكي نحو 107 دولارات شهريا، وهو ما يتعدى ما تدفعه الأسرة للحصول على الكهرباء كل شهر.

ومن المتوقع زيادة اعتماد المستهلكين على الهواتف الجوالة، حيث يستخدم الناس هواتفهم في أشياء مثل التسوق والأعمال المصرفية. ووفقا لمؤسسة فورستر للأبحاث، من المتوقع أن تصل مبيعات التجارة المتنقلة - مشتريات المتسوقين عند دخولهم على المواقع الإلكترونية للمتاجر أو التطبيقات النقالة من خلال هواتفهم النقالة - إلى 6 مليارات دولار خلال العام الجاري.

على سبيل المثال، تقوم كريستين ويلسون، وهي متخصصة في التسويق بكولومبوس بولاية أوهايو، باستخدام هاتفها لتحديد مكان المحلات ومقارنة الأسعار، بالإضافة إلى المهام العادية مثل فحص البريد الإلكتروني وإرسال الرسائل النصية، كما تستخدمه في دفع ثمن القهوة في شركة المقاهي الأميركية «ستاربكس»، حيث يتعين عليها تمرير الهاتف أمام الماسحة الضوئية. ونتيجة لذلك، فإنها نادرا ما تنفصل عن هاتفها. وتقول ويلسون التي تنام وبجوارها هاتفها: «هاتفي في يدي طوال الوقت».

وبالنسبة لأشخاص آخرين، فإن البقاء بعيدا عن الهاتف يؤدي إلى شعورهم بالقلق نتيجة الانفصال. ووفقا للباحثين في «اريكسون كونسيومر لاب»، أصبح بعض الناس يعتمدون على قدرتهم على استخدام هواتفهم الذكية للدخول على الإنترنت في أي وقت وأي مكان، لدرجة أنهم لا يستطيعون «التعامل مع حياتهم اليومية» من دون ذلك.

وتعد كيوشا هارفي، وهي متعهدة حفلات في برلينغتون بولاية كارولينا الشمالية، شاهدة على ذلك، حيث تستخدم جهاز «آي فون» الخاص بها للقيام بالاتصالات الشخصية والتجارية على حد سواء، ولذلك شعرت بالذعر عندما تحطم الجهاز في وقت سابق من هذا الشهر، مما أدى إلى فقدان كل «الأرقام المهمة». وقامت شركة أبل باستبدال الجهاز مجانا، ولكن هارفي فقدت صورها وأكثر من 400 أغنية على حد قولها.

وقالت هارفي التي تملك أيضا جهاز بلاك بيري: «الشيء المحبط هو فقدان الشعور الذي تشعر به وأنت تستخدم الهاتف. يشعر الفرد وكأنه عارٍ من دون الجهاز».

وفقدت تونيا زامبيري جهاز «آي فون» الخاص بها أثناء سفرها لقضاء ليلة رأس السنة في العاصمة الأميركية واشنطن، وقالت إن الجهاز لم يكن به برنامج التعقب الموجود الآن. وقالت إنها قامت بتجميع كافة البيانات على جهاز الكومبيوتر الخاص بها قبل ستة أسابيع، ولكنها فقدت بيانات أخرى، بما في ذلك مقاطع فيديو لابنة أخيها. وتقول زامبيري: «لقد قضيت أربعة أيام من دون الهاتف وكانت فترة مؤلمة. لقد بحثت عنه، ولكن من دون جدوى. إنه بمثابة إدمان بالنسبة لي».