إجراء عملية لأنف زعيم المعارضة البريطانية هل لتصحيح التنفس أم لمخارج الحروف؟

الجراحة تصبح حديث الساعة.. والمقربون منه ينفون الأسباب الأخرى وراء إجرائها

إد ميليباند الذي أبلى بلاء حسنا في البرلمان خلال الأسابيع الماضية يريد أن يحسن من أدائه من خلال عملية جراحية للأنف وهذا ما ينفيه أعوانه (رويترز)
TT

حتى أنوف السياسيين في هذه الأيام أصبحت قضية ذات اهتمام وطني، وربما أمني، حيث أصبح من الصعب الحصول على معلومات حول الأسباب الأخرى غير الطبية لإجراء العملية الجراحية التي خضع لها زعيم المعارضة في مجلس العموم البريطاني العمالي إد ميليباند، الذي يجد صعوبة في النوم، وكذلك زوجته أيضا، ربما بسبب شخيره. زوجته هي الأخرى تحتاج إلى قسط من الراحة كونها أما لولدين وتعمل محامية وتذهب إلى مكتبها مثله يوميا وتعمل لساعات طويلة.

السبب في اهتمام وسائل الإعلام البريطانية بالعملية الجراحية، التي استغرقت ساعة في غرفة عمليات المستشفى الملكي للأنف والأذن والحنجرة، هو أن الزعيم، الذي أبلى بلاء حسنا خلال الأسابيع الماضية وسجل بعض الأهداف السياسية على خصمه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون حول قضية فضيحة التنصت على التليفونات، كان قد صرح قبل فترة بأنه يعاني من صعوبة في التنفس، وأن هذه الحالة تفاقمت أخيرا مع نتوء لحمي في أنفه.

لكن نفى متحدث باسم الزعيم إد ميليباند، الذي انتخب لقيادة حزب العمال متغلبا على شقيقه الأكبر ديفيد بعد خسارة الزعيم السابق غوردن براون في الانتخابات البرلمانية العامة قبل عام، أن السبب وراء العملية هو لتحسين مخارج الخروف عنده، إذ إنه معروف عنه أن الحروف تبدو وكأنها تخرج من أنفه، لكن بعكس ما هو معروف في الثقافة العربية بأن الشخص المتعالي على الناس هو من يتكلم من أنفه.

وقال أحد المقربين من ميليباند لصحيفة «ديلي تليغراف» إنه تكلم معه بعد العملية وأن صوته لم يتغير «وكان يحكي بنفس الطريقة التي كان عليها قبل العملية»، مضيفا أنه الآن يتعافى ويستعد لبدء العطلة الصيفية، إذ إن البرلمان في حالة عطلة صيفية عامة لجميع أعضائه، ولهذا بدأت الصحف أيضا تتكلم عن الأماكن التي سيقضي فيها السياسيون عطلاتهم السنوية مع عائلاتهم.

ومن الناحية الصحية والعلمية فإن إد ميليباند يعاني من ضيق في الحنجرة خلال النوم مما يسبب انسدادا في مجرى التنفس وعدم وصول الهواء إلى الرئتين بسهولة، وهذا يسبب حالة من الشخير تزعج من ينام بجانبه، أي زوجته، وهذا يسبب أن الشخص يفيق عدة مرات في الليل ويكون نومه متقطعا، كما أن ذلك يظهره متعبا خلال النهار.

لا أحد يناقش في الرأي الطبي وحالة الزعيم الصحية وحاجته إلى إجراء مثل هذه العملية لراحته وراحة غيره، خصوصا أن حالته هذه قد تكون خطيرة على الشخص لأنها قد تؤدي إلى غيبوبة خلال النوم مع عدم وصول الأكسجين إلى الرئتين والمخ.

لكن اللافت للأمر أن مستشاري الزعيم والمقربين منه شرحوا بإسهاب حالته في أدق تفاصيلها من الناحية الطبية، ولم يكتفوا بأن يقولوا إن عملية أجريت على أنفه لتسهيل عملية التنفس، خصوصا أن ذلك واضح لأي شخص سمعه يتكلم، وكيف أن بعض الحروف تسمعها وكأنها تخرج من أنفه، وهذا يحدث دائما، كونه زعيم المعارضة الذي عليه أن يتصدى باستمرار للحكومة وسياساتها، خصوصا في جلسة المساءلة كل يوم أربعاء في مجلس العموم عندما يدافع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عن سياساته ويتصدى له زعيم المعارضة. لكنهم حاولوا من خلال هذا الإسهاب الطبي إبعاد الأنظار عما كانوا يأملون أن تحققه العملية أي تحسين صوته أمام الناخب.

وهنا بدأت التأويلات، وعلى الرغم من أنه فعلا أجرى العملية من أجل راحته، لكنه في الوقت نفسه ربما كان يأمل أن ينتفع منها في صورته السياسية أيضا ويحسن من أدائه، خصوصا أن العديد من المراقبين وجدوا أنه ما زال غير مؤثر ولا يتمتع بالكاريزما التي يتمتع بها شقيقه ديفيد الذي عمل وزيرا للخارجية في الحكومة السابقة، حيث كان يعتبر من نجوم حزب العمال الصاعدين الذين يتمتعون بحنكة سياسية يحتاجها حزب العمال للتغلب على خصومه المحافظين والحكومة الائتلافية ويعيد تيار بلير (حزب العمال الجديد) إلى سدة الحكم، كون ديفيد كان ينتمي إليه، بعكس شقيقه إد الحالي، الذي يعتبر أقرب إلى اليسار وأنه جاء على أسنة رماح النقابات العمالية التي جاءت أصواتها حاسمة في نتيجة النزاع على قيادة الحزب.

والآن وبعد أدائه الجيد في الأسابيع القليلة الماضية، فقد قال بعض المقربين الذين تكلموا معه أنه لم يتغير فيه شيء، أي إنه لم تجر الرياح بما تشتهي السفن. لكن المؤكد أنه «سينام مرتاحا»، كما ذكرت صحيفة «الغارديان» بعد أن تبين أن «استطلاعات الرأي قد نقلته من جناح الطوارئ إلى غرف النقاهة»، ليكون مستعدا ليلقي خطابه بصوت عال أمام حزبه في مؤتمر الخريف دون خوف ممن يريدون زعيما آخر يقودهم إلى شاطئ الأمان في الانتخابات العامة المقبلة.

مهما تكن النتيجة، فإن صوت السياسيين مهم جدا ويجذب إليه الناخبين. والسؤال الآن هو: هل سيطلع علينا إد ميليباند بعد انتهاء العطلة الصيفية بصوت يشبه أصواتا لها إيقاع خاص ومقبول على آذان الناخبين، أم أن صوته سيبقى مثل «زقزقة المنشار» كما يصفه البعض؟

وحسب بعض الأبحاث التي أجريت على تأثير صوت السياسيين على الناخبين فإن صوتهم «يحصد أصواتا أكثر من محتوى خطبهم». ويقال إن جورج أوزبورن وزير الخزانة في الحكومة الائتلافية، الذي كان يغلب على صوته النزعة الطفولية، كان قد تلقى دروسا في الإلقاء لإعطاء رنين خاص لصوته، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة الحديدية رئيسة الوزراء السابقة، التي يقال إنها تلقت دروسا مشابهة، وتمكنت من الفوز في الانتخابات ثلاث مرات متتالية.

هذا يعيد إلى الأذهان قصة فيلم «خطاب الملك» الذي فاز بعدد من جوائز الأوسكار، الذي يحكي قصة تلعثم الملك جورج الخامس، والد ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية الحالية. قصة الملك الذي عانى الكثير بسبب التلعثم حقيقية، وعدم قدرته على التواصل مع أبناء شعبه خصوصا في أوقات الحرب سبب له مشكلة نفسية، إذ كان عليه إلقاء خطبة تبين وحدة الشعب في ظل الظروف الصعبة التي تواجه الأمة، وكان عليه أن يلقي خطبة يركز فيها الناس على ما يقوله بدلا من أخطائه وتلعثمه المستمر مع الكلمات خلال أيام الحرب العالمية. أما نتيجة التدريب فجاءت في محلها وألقى في النهاية خطابا ناجحا.