الفن يقتحم عشوائيات الأحياء والمناطق الشعبية في مصر

الفنان حمدي رضا: «آرت اللوا» تجربة جديدة لربط الفن بثقافة المكان

الفنان حمدي رضا صاحب الغاليري، وهو يوجه مجموعة من الأطفال في ورشة للرسم («الشرق الأوسط»)
TT

حالة فنية تلفت انتباهك وأنت تتجول في منطقة «أرض اللوا» الشعبية المكتظة بالسكان بمحافظة الجيزة بالقاهرة، ورغم المناخ العشوائي الذي يسود المنطقة، فإن تجربة «آرت اللوا»، تستفزك على اكتشاف طاقات ومناطق للجمال كامنة في حاراتها ودروبها، فضلا عن اكتشاف ثقافة المكان نفسه.

الفنان حمدي رضا صاحب الفكرة، مؤسس غاليري «آرت اللوا» يروي أنه يقطن المنطقة منذ أن كان عمره 15 عاما، وبعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة بدأ العمل في مجال الفن التشكيلي، جاءته فرص متعددة للسفر للخارج وحصل على عدة جوائز، لكنه من خلال إطلاعه على ثقافات مختلفة وزياراته الكثير من الأماكن خارج مصر وجد في «أرض اللوا» أفضل مكان مناسب لمشروع فني يربط الفن بالبيئة، فالناس بسطاء، ومشاعر الود والألفة لغة يومية يتبادلونها بحميمية، كما تتميز المنطقة، على حد قوله، بالروح الشعبية الحقيقية للشارع المصري.

يقول رضا: منطقة «أرض اللوا» رغم بساطتها فإنها تتميز بالكثير من الجماليات الفنية التي تميز الحس والثقافة الشعبية، فأنا سعيد ومتوافق مع المكان ولكن العلاقة ليست كاملة وينقصها شيء. لذلك سألت نفسي: أنا فنان مصري، ماذا أقدم للناس وما علاقتي بالبيئة المحيطة والمجتمع، وكيف يمكن أن أقدم شيئا ينفع الناس في مجالي وهو الفنون، وبدأت أفكر في إقامة مشروع يقدم الفن المعاصر لسكان المنطقة، ويقرب بينهم وبين قوالب فنية قد تكون مجهولة وغير مطروقة لهم وقد تكون عالما غريبا لم يفكروا أو يهتموا باقتحامه من قبل أو ربما لم تتح لهم الفرصة لذلك، فمعظم مجالات الفن تقدم في قاعات ومراكز يرتادها المثقفون والفنانون أو المهتمون بالمجالات الفنية بشكل عام، ولكن لا يفكر أحد في اختراق المناطق العشوائية والأحياء الشعبية ليشرك هؤلاء الناس في مجالات الفن المختلفة. من هنا فكرت في إقامة مركز «أرت اللوا» لتعريف أهالي المنطقة بالفن، خاصة مجالات الفن المعاصر، وحتى أساعد في أن يكون لزملائي الفنانين جمهور جديد لأعمالهم يختلف عن جمهور الفن التشكيلي التقليدي الذي يرتاد القاعات ومراكز العرض الكبرى، وبالفعل بدأت بقاعة عرض للفنون المختلفة، خاصة الفن المعاصر المتعلق بكل ما هو جديد ومتعلق بالتجريب وغير متوقف على حدود معينة، فالفن بشكل عام قائم على كسر وتحطيم رتابة القوالب والفكر العادي وبالفعل أقمت عدة معارض في الفوتوغرافيا والرسم والتجهيز في الفراغ.

يتابع رضا: مع الوقت بدأ المشروع يتطور وبدأ يندمج مع الناس الذين بدأوا يقبلون عليه حتى من باب الفضول عند بعضهم، وتم عقد ورش عمل لأطفال المنطقة في الرسم والتصوير، وورش عمل لتصميم الإكسسوارات والحلي لبنات المنطقة، فالمكان مستمر من خلال علاقته بالبيئة وبالاحتياجات والأفكار. وتطور الأمر حيث قمت باستخدام سطح المبنى كمكان لتقديم العروض السينمائية والندوات وإقامة بعض ورش العمل في محاولة لإضافة بُعد جديد على طبيعة الفنون المقدمة في «آرت اللوا».

وحول الفنانين الذين يقومون بعرض إنتاجهم وأعمالهم الفنية بالغاليري يوضح رضا أنهم ينقسمون إلى فنانين مصريين معاصرين، وفنانين مبتدئين نتيح لهم فرصة للبداية، كما نسعى لاستضافة فنانين من الغرب لخلق حالة من التعددية التشكيلية، وإضافة بعد وثقافة جديدين على المضمون الفني المقدم، وبشكل عام فالمشاهد العادي الذي ليس له ثقافة بصرية وخبرة في عالم الفن التشكيلي قد لا يكون واعيا بمفهوم العمل ومدركا لأبعاده ولكن في الوقت نفسه لا يمكن خداعه أو الضحك عليه فهو يدرك بإحساسه الفطري إن كان العمل ذا جودة عالية، أم لا.

وحول تصوراته للمستقبل، يقول رضا: هناك مشروع آخر نقوم بتنفيذه وهو برنامج الإقامة حيث نستضيف فنانين من الخارج ونقدم لهم منحة للإقامة في المنطقة للتعرف عليها والاندماج مع المكان وسكانه ليقدم في نهاية مدة الإقامة مشروعا، نقيم له معرضا في قاعة العرض في المجال الذي يتخصص فيه الفنان، سواء كان رسما أو تصويرا أو فيديو بشرط أن يكون مقتبسا من المكان ومن البيئة المحيطة، بهدف خلق حالة من الاندماج بين الفنان الغربي والثقافة الشعبية المصرية من خلال التجربة الشخصية التي يعيشها الفنان ومن خلال التعايش الكامل معها.

وعن الإقبال على مركز «آرت اللوا» يشير رضا إلى أن الإقبال جيد كما أن قاعة العرض مفتوحة على الشارع مما يجعلها في طريق المارة الذين قد يقبلون على الدخول حتى من باب الفضول والاستكشاف، ويتنوع المترددون على المعارض ما بين العامل والموظف والطالب وربة المنزل، وغيرهم من أهالي المنطقة، كما أن صغار السن يقبلون بشكل كبير جدا ورهاني الأول عليهم، فمن المؤكد أن هؤلاء الصغار عندما يشاهدون معارض، ويتعرفون على عالم الفن التشكيلي ويقابلون فنانين ويتناقشون معهم سيؤثر هذا في شخصياتهم وفي إقبالهم على الفنون، كما أن الفنان الذي يقيم معرضا هنا لا بد أن يدرك أن جزءا من دوره هو أن يتناقش مع الناس يتفاعل معهم ويشرح لهم أحيانا. وهكذا يكون هناك حالة من التفاعل بين الفنان والجمهور.

وفي النهاية يتمنى صاحب «آرت اللوا» أن يكون هناك اهتمام بتقديم الفنون للمواطن العادي.. «فنحن نحتاج إلى تنوع في المضمون وفي الأماكن وألا تتركز الأنشطة الثقافية والفنية في العاصمة، وحتى في العاصمة يجب ألا تتركز في المناطق الراقية فقط، وإنما تسعى لإدماج كل أطياف المجتمع وأن تقدم كل نماذج الفنون سواء السمعية أو البصرية أو الأدائية».

ويضيف الفنان رضا: «أحاول الآن تغيير المكان من كيان فردي مرتبط بشخص إلى كيان مؤسسي قادر على الاعتماد على نفسه وأن يكون له استقلالية واستمرارية حتى أتمكن من أن أجد وقتا أطول لممارسة أعمالي الفنية، وبالفعل بدأت في تشكيل مجلس استشاري ومجلس تنفيذي، وأتمنى أن تعمم هذه التجربة، وأن يكون هناك مركز ثقافي وفني في كل منطقة عشوائية».