لا داعي للشعور بالذنب على ما تتناوله من أطعمة

بعضها يصنع بسعرات حرارية قليلة تساعد على فقدان الوزن

معكرونة شيراتاكي التي تحتوي على 20 سعرا حراريا فقط في عبوة وزنها 8 أونصات (أ.ب)
TT

متى كانت آخر مرة تملكك شعور بالذنب ويدك تعبث في علبة تضم عبوات حلوى مثلجة ولاحظت رسالة تنبيهية تقول: «150 سعرا حراريا في نصف اللتر الواحد»؟ الأطعمة التي تساعد على اكتساب قوام رشيق متوفرة حولنا منذ عقود، لكن موجة أخيرة من المنتجات التي تتسم بانخفاض شديد في قيمة السعرات الحرارية التي تحويها (مثل الـ150 سعرا حراريا الموجودة في حلوى «أركتيك زيرو») تدغدغ مشاعر الشره على المستوى الوطني.

في هذا الصدد، شرح فيل لمبرت، المحلل المعني بصناعة الغذاء، أنه: «هناك نظرية ترى أن الأميركيين يعشقون الطعام بنهم. ويرى أنصار هذه الرؤية أننا غير مضطرين للإقدام على تضحيات», وفي ظل إحصاءات تشير إلى أن ثلثي الأميركيين البالغين يعانون من زيادة الوزن أو البدانة، يحذر مسؤولون بمجال الصحة منذ أمد بعيد من أن الأحجام الضخمة في عبوات الطعام من العوامل المؤثرة في مسألة زيادة الوزن. وعليه، تعكف الجهات المنتجة للمواد الغذائية حاليا على اختبار ما إذا كانت الأحجام الكبيرة لعبوات الطعام بمقدورها التصالح مع حاجتنا في فقدان بعض من أوزان أجسامنا - أو على الأقل تحقيق عائدات ضخمة.

من جهته، قال أميت باندهي الرئيس التنفيذي لـ«أركتيك زيرو» في تصريحات لوكالة «أسوشييتد برس»: «من الممتع أن يتناول المرء حلوى مثلجة، لكنني عاجز عن تذكر آخر مرة جلست حاملا عبوة نصف لتر من الحلوى المثلجة وتناولت نصفها»، وأضاف: «إننا نشعر بأن العبوة المخصصة لفرد واحد تبلغ نصف لتر بأكمله. وإذا نظرت للأمر من وجهة نظرنا، فستجد أن منتجاتنا هي الوحيدة التي يمكنك تناول نصف لتر كامل منها من دون أن يراودك شعور بأنك ارتكبت عملا شنيعا».

وبالمثل، جرى الترويج بقوة هذا العام للإعلانات الخاصة ببعض المشروبات، وتعهدت شركة «أنهوزر بوش» بأن منتجها «بود سيليكت 55» لن يسبب أدنى متاعب أو زيادة في الوزن، متباهية بأن المرء يمكنه حرق السعرات الحرارية الـ55 التي يجنيها من المنتج عبر النوم لمدة 54 دقيقة فقط.

وعلى الرغم من أن معكرونة «توفو شيراتاكي» من شركة «هاوس فودز أميركان كوربوريشن» ومقرها كاليفورنيا، تعرض عبوات معكرونة تحوي 20 سعرا حراريا في عبواتها التي يبلغ وزنها 227 غراما، فإنه من المفهوم ضمنيا أن المرء يتوقع منه تناول العبوة بأكملها. عن ذلك، قال يوكو دفرانسيو، مسؤول شؤون التسويق بالشركة: «معظم الناس يتناولون العبوة بأكملها في الوجبة الواحدة، وهو اختيار أكثر واقعية».

ويعني ذلك أنه إذا كانت تراودك الرغبة في تدليل نفسك والانغماس في الطعام، فإن بمقدورك التهام كومة من المعكرونة وبعض المشروبات الغازية، ونصف لتر من الحلوى المثلجة، مقابل اكتساب 300 سعر حراري فقط، وهي كمية السعرات الموجودة في ساندويتش بيرغر بالجبن من «ماكدونالدز».

ومن الواضح أن الفكرة بدأت تجذب المستهلكين بالفعل، فمثلا ارتفعت مبيعات «أركتيك زيرو»، الذي طرح في الأسواق عام 2009، بمعدل يتراوح بين 15 في المائة و20 في المائة شهريا على مدار الشهور الـ18 الماضية، حسبما ذكر باندهي. اللافت أن الكثير من هذه المنتجات تحقق هذا المستوى المنخفض من السعرات الحرارية، بالاعتماد على عناصر مختلفة. على سبيل المثال، يعتمد إعداد «أركتيك زيرو» أساسا على بروتين مصل اللبن، ويستقي حلاوته من فواكه عضوية، وهي عبارة عن يقطين آسيوي تقول الشركة إن حلاوة مذاقه تبلغ 150 ضعف حلاوة السكر. أما معكرونة «توفو شيراتاكي» فتصنع من خلط «توفو» (نوع من الجبن النباتي المصنوع من حليب الصويا) وجذور كونياكو، وهو نوع آسيوي من البطاطا.

من جانبهم، يندد معنيون بالصحة ومتخصصون في الأنظمة الغذائية وخبراء ببرامج حكومية بالميل الأميركي تجاه الإفراط في تناول الطعام، لكن ماذا لو أننا خلقنا على نحو يجعلنا نأكل بأقصى ما يمكننا؟ في كتابه الجديد «عيوب المخ: كيف يمكن لعيوب المخ تشكيل حياتنا»، يوضح عالم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، ديان بونومانو، أن المخ البشري مصمم ليقودنا نحو عالم الموت فيه من الجوع أكبر احتمالا عن الإصابة بالبدانة.

وشرح بونومانو عبر رسالة بريد إلكتروني أنه: «لا شك في أن ميلنا نحو الإفراط في تناول الطعام يمثل نتاجا لحقيقة أننا مبرمجون على الشعور بالمتعة من تناول الطعام، وفي العالم الحديث يحظى الكثيرون منا بكميات لا حدود لها من الطعام في متناول أيدينا».

عام 2000، بدأت بروفسورة باربرا رولز، من جامعة ولاية بنسلفانيا، الترويج لما أطلقت عليه «القياسات الكمية» (فولومتريكس)، وهو توجه حيال الأكل الصحي يحول التركيز إلى تقليص الحجم، وبذلك عدد السعرات الحرارية. وقالت رولز: «عندما يجلس الناس لتناول وجبة ولا يعرفون عدد السعرات الحرارية التي تحملها، يميلون لتقدير ذلك بالاعتماد على الحجم والكمية»، ومن المقرر أن تنشر رولز كتابا جديدا بعنوان «النظام الغذائي القياسي الكمي النهائي» العام المقبل.

وعليه، ترى أن الحل ليس تقليل كمية الطعام التي نتناولها، وإنما عدد السعرات الحرارية للكمية ذاتها (ويطلق عليها كثافة السعرات الحرارية). وتحث رولز الآخرين على القيام بذلك عبر إضافة الكثير من الأطعمة الغنية بالمياه والخفيفة من حيث عدد السعرات الحرارية، مثل الفواكه والخضروات. وشرحت أنه: «الفكرة ليست أنه بإمكانك أو ينبغي عليك أن تأكل كمية أكبر كثيرا عما تتناوله في العادة، وإنما أن تتناول الكمية التي اعتدت عليها وأن تشعر بالشبع مع تناولك سعرات حرارية أقل».

ويرى بعض الخبراء أن هناك مكانا في هذه المعادلة للمنتجات التي تتسم بانخفاض بالغ في سعراتها الحرارية. من جهتها، تعتمد ايزا ليلين، التي أنشئت خدمة بريد إلكتروني يومية بعنوان «Hungry - Girl.com»، وألفت حتى الآن خمسة كتب عن الطهي، على الكثير من المنتجات المحددة، بينها معكرونة «توفو شيراتاكي»، بهدف خلق وفرة مرضية في الوجبة، لكن مع عدد سعرات حرارية أقل. وشرحت ليلين أن: «فلسفة (هنغري غيرل) تقوم على كيفية مقايضة أطعمة معينة بأغذية أخرى بحيث تصبح وصفة الطعام رائعة المذاق، ولكن تبقى محملة بسعرات حرارية أقل».

ولا يزال المعنيون بالطعام الصحي والأنظمة الغذائية ملتزمين بفكرة ضرورة الحد من كمية الطعام، لكنهم يرون أن مثل هذه المنتجات الجديدة بمقدورها توفير خطوات بسيطة لمن يحاولون السيطرة على أوزانهم، وربما تكون مفيدة عندما يشعرون بالحاجة الشديدة للطعام تتملكهم.

وقال باندهي: «لدينا بعض عاشقي الطعام الذين اعترفوا بتناولهم خمسة أو ستة باينت من الحلوى المثلجة يوميا. نعتقد من جانبنا أن كل الأطعمة يجب تناولها باعتدال. لكن لو قررت تناول خمسة أو ستة باينت من الحلوى المثلجة، فبالتأكيد سيكون من الأفيد صحيا اختيار منتجنا عن تناول حلوى مثلجة تقليدية».