نجوم الروك والأعمال الأوبرالية والمسرحية في مهرجانات النمسا الصيفية

رغم كل فعالياتها وأنشطتها وزخمها تظل فيينا عاصمة هادئة وحميمة تبدع في الاحتفاء بصيفها القصير

مشهد من أوبرا «هكذا هم» لموتزارت
TT

ليست منافسة، بل هي مزيد من الخيارات المتاحة لإمتاع مختلف الأمزجة. هكذا يحب النمساويون الحديث عن أشهر مهرجاناتهم ومعارضهم وفعالياتهم الصيفية كافة، التي تقام على طول البلاد وعرضها خلال أشهر الصيف، خصوصا في أغسطس (آب) القادم. العاصمة فيينا، التي تظن كغيرها من عواصم العالم أنها «السباقة» بحكم «هيمنة المركز»، تتحسب صيفا لما تقدمه عواصم أقاليم أخرى مثل سالزبورغ عاصمة الإقليم الذي يحمل نفس الاسم، وبريغنز عاصمة إقليم فورالبرغ، لا سيما وأن كلا من هاتين المدينتين تتمتع بمميزات سياحية وجمال طبيعي لا يضاهى.

تستهل فيينا صيفها بمهرجان الأفلام، وهو برنامج مجاني في الهواء الطلق تنصب له شاشات ضخمة بساحة المجلس البلدي «الرات هاوس»، توفر كل مساء حتى 5 أغسطس عروض لأفلام موسيقية وأعمال أوبرالية خالدة. خلال ذات الفترة تنشط المدينة كذلك في استضافة حفلات غنائية حية «كونسرت» لفنانين عالميين. إلى الآن قدمت ليزا منيللي حفلا بمبنى الأوبرا، كما غنى الأميركي الوسيم بون جوفي باستاد رياضي، بينما أبدع أسطورة فرقة الخنافس رينغو ستار في حفل أعاد فيه أمجاد البيتلز. وهناك مزيد من الإعلانات والدعاية لحفلات قادمة.

في سياق موازٍ تستضيف المدينة مهرجانا لموسيقى الجاز بنادي الجاز، بينما يستضيف مربع المتاحف الشبابي البسيط والأنيق مهرجانا للرقص الحديث لا يقتصر على أمسيات تضج وتموج بشباب يقدمون وصلات رقص يسمونه بـ«الرقص الحر الحديث»، في إشارة إلى أنه لا يتبع ذات الخطوات الكلاسيكية الصارمة اللازمة في الفالس والباليه، بل يعتمد رقصهم على وقع حركات أكثر تحررا وإن ظلت موزونة ومدروسة. هذا، وترافق «طروحاتهم الراقصة» أكثر من ورشة لتلقين الراغبين أصول تلك الرقصات التي جاءت من مختلف القارات.

ما كل ذاك إلا غيض من فيض البرامج الترفيهية بالعاصمة الأنيقة التي رغم كل فعالياتها وأنشطتها وزخمها تظل عاصمة هادئة وحميمة تبدع في الاحتفاء بصيفها القصير.

أما مدينة سالزبورغ، مولد وموطن الموسيقار موتزارت الذي يجمع النمساويون قاطبة على أنه أشهرهم دون منازع، فهي بدورها قد أكملت استعداداتها لاستقبال زوارها من سياح محليين وعالميين يقصدونها للاستمتاع بطبيعتها الخلابة من بحيرات وجبال وسهول وفي أذهانهم تلك المناظر الخضراء التي رسخها الفيلم الخالد «صوت الموسيقى» مع جولي أندروز والضابط الصارم غورغ فون تراب وفريق أطفاله.

طيلة الفترة من 27 يوليو (تموز) إلى 31 أغسطس، تتحول سالزبورغ إلى ما يشبه المسرح العريض وبضعة مسارح أصغر احتفاء بمهرجانها السنوي، وهذه دورته رقم 91.

ببساطة شديدة، يمكن القول إن المهرجان هو «ماراثون مسرحي». هذا الوصف لم يأتِ تحيزا وإنما لكثافة برنامجه، إذ يصل عدد عروضه إلى 213 عرضا موزعة على 14 مسرحا في مقدمتها أوبرا «فاوست» لغوته، و«زواج الفيغارو» لموتزارت و«ماكبث» لشكسبير و«حلم ليلة صيف»، مع أكثر من عرض لفرقة فيينا فيلهارمونيكا، أفخم فرق الموسيقى الكلاسيكية، بالإضافة إلى ما تقوم به من أداء وراء الستار مصاحبة لبعض الأعمال الأوبرالية، كما أن هناك عروض عزف منفرد لعازفين في مقدمتهم الصيني لانغ لانغ. وبالطبع لن تفتقد سالزبورغ عمالقة في أدوار جديدة، إذ تلعب السوبرانو انا نبرتكو دور الأميرة العمياء في مسرحية «لولانتا».

من جانب آخر تم الإعلان عن تكرار تجربة المسرحيين الشباب ويشارك فيها هذا العام مسرحيون من الولايات المتحدة الأميركية والدنمارك والسويد وبلجيكا وبريطانيا.

حتى الصغار، وفرت لهم إدارة المهرجان مسرحا خاصا، بينما أعلنت بلدية سالزبورغ عن افتتاح ملاعب وإعداد برامج متنوعة تصاحب أيام المهرجان، كما حرصت الفنادق على توفير خدمات لرعاية الأطفال والترفيه عنهم أثناء انشغال الوالدين بعروض طويلة، لا سيما وأن عرض أوبرا «فاوست» لغوته يستمر لمدة 7 ساعات.

وكان غوته قد كتب هذه الأوبرا المعقدة التي تتناول الخير والشر، مجسما ذلك في مواقف بين عالِم باع روحه لشيطان مقابل أن يوفر له التفوق، ومن ثم وسع تفاصيلها لمجالات فلسفية ونفسية أرحب، مستمدا أصلها من أسطورة معروفة في الأدب الألماني. وهي من فصلين انتهى من كتابة الأول عام 1806، بينما انتهى من كتابة الفصل الثاني عام 1832، ذات العام الذي توفي فيه.

بدورها تنظم مدينة بريغنز عاصمة إقليم فورالبرغ الحدودي مهرجانها الصيفي المقام حاليا ويستمر حتى 21 أغسطس. إقامة هذا المهرجان أصبحت بمثابة تقليد صيفي لم ينقطع منذ 1946، وعاما بعد عام تطور مهرجان بريغنز حتى أمسى مشهورا عالميا لما يختاره من عروض لأشهر الأعمال الأوبرالية الخالدة وفق رؤى حديثة ومتنوعة يقف خلفها مخرجون من مختلف دول العالم يبدعون في استغلال كل ركن من أركان أضخم وأكبر مسرح عائم هو الأول من نوعه.

حقيقة، يعتبر المسرح العائم ببريغنز موقعا فريدا، كما أنه مميز يعكس على الحضور إحساس أنهم يتابعون الأحداث وكأنهم «يطفون» فوق سطح بحيرة كونستانس التي تطل على النمسا وسويسرا وألمانيا (ولكم أن تتخيلوا روعة هكذا موقع).

«لؤلؤة» تاج مهرجان بريغنز هذا العام هي أوبرا «أندريه شنيير» المستمدة من أحداث حقيقية شهدتها الثورة الفرنسية حين بدأ الثوار يخوّن بعضهم بعضا لدرجة الإقصاء غدرا واغتيالا.

كثيرون اعتبروا اختيار أوبرا «أندريه شنيير» للإيطالي أومبرتو غيوردين بمثابة مخاطرة جريئة يقدم عليها المشرفون على مهرجان بيريغنز. لكن يبدو، وبحكم الإقبال على الحجوزات، أنهم قد نجحوا في ذلك معتمدين على 4 شخصيات رئيسية فقط مع عدد مهول لكومبارس صامت، وإن كان متحركا مع مارشات ورمزية لما لم يرد من تفاصيل ثقيلة ومتشابكة لأوبرا حفلت بكل المصنفات من حب وخيانة ودراما وتراجيديا في خضم سلسلة أحداث تاريخية.

من جانب آخر كان للميزانية الضخمة التي توفرت للمخرج الفني ديفيد بونزي دور كبير ساعده على حسن اختيار الملابس ذات الطابع الفرنسي المبهرج، والقبعات المزينة بالريش، والباروكات والإكسسوارات، مع تنوع في ملابس جنود تلك الحقبة التاريخية الهامة.

سبق ذلك كله، ومنذ مارس (آذار) الماضي التفوق في تصميم ديكور غير مسبوق ضم رأسا بشريا بارتفاع 16 مترا يزن 60 طنا من الحديد الصلب، تم تجويفه ليفتح كاشفا عن أرتال من الكتب بداخله، في دلالة على ثقافة الصحافي والشاعر أندريه شنيير الذي ولد 1762 ومات شنقا بقرار ثوري 1794.

وتطبيقا لسياستها ترى النمسا أن «الثقافة» اهتمام إنساني لا يعقل أن يقتصر على المقتدرين ماليا، لهذا يتوفر هنا إيمان راسخ أن سبل الثقافة يجب أن تكون متاحة في متناول الجميع، ولهذا يحرص التلفزيون المملوك للدولة على نقل حي مباشر أو مسجل لمختلف أهم الفعاليات الثقافية يبث، أولا بأول، بما في ذلك العروض التي تصاحب حفلات الافتتاح.